حجب مكبّر الصوت أسقط الرئيس* كرم نعمة

النشرة الدولية –

لقد أمضى الرئيس الأميركي دونالد ترامب أسبوعا شاحبا هو الأول خلال فترة رئاسته، من دون أن يشعر بحكة في أصبعه!

قيمة ترامب الرئاسية تكمن في مكبر الصوت المليوني، الذي مارس فيه سطوة تلفزيون الواقع على الأميركيين والعالم. لكنه قضى الأسبوع الأخير في فترته الرئاسية، من دون حسابه على تويتر وفيسبوك. لقد جرّد من الرئاسة بمجرد إيقاف حساباته، بغض النظر عما ستؤول إليه نتائج وضعه الدستوري وفقا لقرار الكونغرس الأميركي.

أتخيل ترامب يعيش الغضب على أشده، عندما حال المنع بينه وبين حساباته على مواقع التواصل، وهو استياء يفوق انزعاج ما ينتظره من قرار دستوري. لقد وصف مطالبات إقالته بالكلام السخيف، لكنه لم يخف استياءه من حجب حساباته على تويتر وفيسبوك.

هذا يعني ببساطة أن سلطة الزعماء في مخاطبة الرأي العام صارت بيد شركات التكنولوجيا الكبرى. فتويتر أسقط الرئيس الأميركي قبل أن يتخذ الكونغرس أي قرار.

ليس ترامب وحده من يشعر بأن سلطته الرئاسية تكمن في حساباته على مواقع التواصل، بل أي رئيس اليوم لا يشعر بأهميته وتأثيره على الرأي العام من دون مكبّر صوت يتمثل في مواقع التواصل، وهي في مجملها وسائل بمواصفات لا توفرها الوسائط الإعلامية التقليدية ممثلة بالصحافة والإذاعة والتلفزيون.

اليوم تويتر يتخذ قرارات سريعة وحاسمة تفوق سلطة المحاكم والحكومات، وهذا يعني أنه ليس مجرد منصة للتواصل الاجتماعي وفق مات هانكوك وزير الصحة البريطاني، الذي عبر عن هذا الرأي بوصفه وزيرا سابقا للثقافة، مطالبا بتشديد اللوائح الخاصة بشركات التواصل الاجتماعي.

خبراء وسائل الإعلام لا يرون قرار تويتر وفيسبوك قبل اثني عشر يوما من مغادرة ترامب البيت الأبيض، صحوة ضمير مفاجئة لوادي السيلكون

بينما اعتبر ترامب جونيور النجل الأكبر للرئيس الأميركي، أن تجريد والده من حساباته على مواقع التواصل يؤكد بأننا نعيش زمن جورج أورويل 1984. فحرية التعبير لم تعد موجودة في أميركا، وفق جونيور.

مثل هذا الكلام يعيد الحديث عن “أسطورة البراءة الأميركية”! وكأن سلوك وخطاب ترامب وحدهما من فضّ تلك البراءة.

باستثناء الملايين من محبي ترامب، الذين عبروا عن استيائهم من فقدان التواصل مع نجمهم الرئاسي، أعتقد أن السلطات الأمنية والحكومية في العالم تنظر إلى قرار شركتي فيسبوك وتويتر بقلق متعلق بسلطة اتخاذ القرار نفسه، وبيد من يجب أن تكون.

الاستياء الذي عبرت عنه حكومات غربية، ليس متعلقا بحسابات ترامب، بل بالمعايير التي تريد أن تضعها بنفسها على شركات التكنولوجيا العملاقة.

لذلك يتساءلون اليوم: بيد من قرارات الإقصاء والحجب والمنع، هل شركات التكنولوجيا الكبرى فوق القوانين وسلطة القضاء والدولة. هذا يفسر لنا حماسة مات هانكوك.

لقد منح تويتر الرئيس الأميركي منفذا فريدا للتعبير عن نفسه كأقوى رجل في العالم، من دون قيود بروتوكول الرئاسة. وكان يفرض شروطه الخاصة على أي حوار يريده مع كل الأطراف داخل وخارج الولايات المتحدة، بتغريدة مقتضبة.

فضّل ترامب حسابه الشخصي على تويتر وليس حسابه الرسمي، للتعبير عن أفكاره. لقد فهم قوة بناء خطابه الشخصي وإبقائه منفصلا عن واجباته الرسمية كرئيس. استخدم تويتر كسلاح ضد منافسيه، ومسدس مرخص لإطلاق النار على مساعديه ووزراء في الحكومة وأعضاء في الكونغرس، وفي حقيقة الأمر كان تويتر قنبلة يدوية يمكن أن يلقيها على المشرعين الذين يتجاوزونه والصحف التي تثير استياءه، والأهم من ذلك كان وسيلة لبث الحماس في مناصريه الشعبويين.

وفي كل ذلك، قدم ترامب نفسه كمصدر وحيد للحقيقة بعدما شيطن وسائل الإعلام واعتبرها مصدرا للأخبار الزائفة.

إلا أن خبراء وسائل الإعلام لا يرون قرار تويتر وفيسبوك قبل اثني عشر يوما من مغادرة ترامب البيت الأبيض، صحوة ضمير مفاجئة لوادي السيلكون.

يمكن لترامب أن يجد بدائل لإيصال خطابه لجمهوره، لكن ماذا عن النشطاء والمدونين، الذين يتم حظرهم لمجرد أنهم يقومون بكشف ممارسات فظيعة في بلدانهم

قل ما تريد عن ترامب، لكن شركات التكنولوجيا استفادت منه كمصدر باهر لزيادة أموال شباك التذاكر لمنتوجاتها، وروجت لصناعتها عبر استخدام الرئيس الأميركي المهووس لمنصاتها.

لسنوات، كان كبار المسؤولين التنفيذيين في شركات التواصل الاجتماعي يعاملون الرئيس ترامب بقفازات الأطفال الناعمة، خوفا من إثارة رد فعل عنيف من الرئيس وحلفائه، على الرغم من انتهاك قواعدهم مرارا وتكرارا.

ومع كل انتهاك كان يمارسه ترامب، يقابل بخطب غامضة من جاك دورسي ومارك زوكربيرغ، عن حرية التعبير ووضع علامات تحذير ضعيفة على منشوراته لتبرير تقاعسهم.

فعلى موقع تويتر وحده، ارتفع عدد متابعي ترامب على مدى السنوات الأربع التي قضاها في المنصب ستة أضعاف ليصل إلى 88 مليونا. كجزء من الصفقة التي أبرمت معه، بعد أن سمحوا له بتجاوز مدونة القيم المعلنة من قبلهم.

وتعبر المحامية كيت روان من اتحاد الحريات المدنية الأميركي، عن تفهما تعليق حساب ترامب بشكل دائم، لكنها لا تخفي قلقها من أن تمتلك شركات التكنولوجيا الكبرى وحدها السلطة المطلقة لإزالة الأشخاص من المنصات، التي أصبحت لا غنى عنها لخطاب المليارات من الأشخاص.

يمكن لترامب أن يجد بدائل لإيصال خطابه لجمهوره، لكن ماذا عن النشطاء والمدونين، الذين يتم حظرهم لمجرد أنهم يقومون بكشف ممارسات فظيعة في بلدانهم.

وسواء استعاد السيد ترامب حساباته أم لا، فمن الواضح أنه قد عرّض بالفعل للخطر أحد أصوله الإعلامية المعاصرة الأكثر قيمة، فقدرته على التنمّر وجلد الآخر عبر تلك المنصات، منحته مكانا واسعا يتابعه من خلاله مئة مليون مستخدم في كل دول العالم.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button