ذكرياتي مع فيروز (الجزء التاسع)* رانية مرعي

النشرة الدولية –

كم حملتُ ذنبَ خيانةِ العهد ! العهد الذي قطعته لطفولتي أنّي سأكونُ رفيقةَ الربيع الذي يتهادى على تلال قريتي مع قمرها المشاغب الذي احتضنَ كلّ أحلامنا..

عهدك بقلبي قديم

عهد الصبا الغالي

ليل القمر والنسيم

بعدن على بالي..

واستيقظت يومًا على جلبةٍ لم أعتدها في بيتنا .. أينَ صوت فيروز ؟ أين عطرُ قهوة أمي ؟ ..

وقفتُ مذهولةً وأنا أرى الصورَ تتلاشى ، وكيف زنّرَ القدرُ  مملكتي بالخوف . صارَ الغدُ على متنِ حقيبة ، ولم يبقَ في ذلك البيت الوادع إلا صدًى يناجي وحدتَهُ ويسألُ عنّا..

سأل الحلو هالبيت الحلو

عل كانوا يجوا يسألوا

قال الصدى ما في حدا

ولي كانوا يجوا بدلوا

لم ألتفت يومَ رحلنا إلى الوراء ، وما استسلمتُ للوداع الذي ما زالَ إلى اليوم ينكأ غضبي .. ويستنزفُ كلّ قوتي التي أكادُ أسمعها تستغيث : ” ارحموا صبري العليل ”

استيقظتُ في بيتٍ آخر لا يطلُّ على ” عين أبو زيد ” ولا تحيطه أشجارُ الكرز والخوخ والتين .. بيتٌ كان غريبًا عنّي كغربتي عنه ، وتبادلنا الكره إلى حين ..

تمكّن منّي هوسُ الحنين .. جسدٌ كبّلتْهُ روحٌ حزمت أمتعةَ العودة ..

بعدك على بالي

يا قمر الحلوين

يا سهر بتشرين

يا دهب الغالي

يا حبق ومنتور

على سطح العالي

تمرّدْتُ على واقعٍ ما استأذنتني فيه الحياة ، سلبتني الاختيار وكتبَت بأنانيةٍ فصلًا جديدًا لو تدرون كم عبثَ بي، ساخرًا من اشتياقي .. ومن إصراري على العودة إلى حضن أحلامي التي حُرِمْتُ من بداياتها ..

هل تتصورون قساوة أن نعيشَ حكايةً لم نصنع بدايتها ؟

مدرسةٌ جديدة .. وأنا الغريبةُ بين غرباء .. بحثتُ كثيرًا عن أصوات رفاقي وعن ملامحهم .. عن معلمتي .. عن مقعدي ..

أعترفُ اليوم .. لم أعطِ البداية الجديدة فرصةً !

ما أصعبَ أن يغلبَكَ الحزنُ ! يتمادى في وقاحته وهو يراكَ تطأطئ ابتسامتك في حضرته ..

ضجيجُ الزمانِ عاندَ ضجيجَ المكان .. وحوارات مبتورة مع أشخاصٍ لم أجدْ نفسي في عيونهم .. وكم ناديتهم بأسماء أصدقائي القدامى .. نعم ، أصدقائي الذين صاروا على تخوم الذكرى .. يفصلُنا عتاب !

توّجوني بالضجيج وقالوا

تركنا أسامينا

وحبّك لي شارد لحالو

رحلة بلا مينا

نسيتني القصيدة

والزهرة الوحيدة..

لا أدري كم عمرًا هاجرَ وأنا بعيدة .. وحدها مرآتي كانت ترسمُ معي خطوطَ الأعوام وتُجاريني بالأمل وأنا أخلعُ عنّي الحزن فكرةً بعد فكرة ..

 

أنا إيماني الفرح الوسيع

من خلف العواصف جايي ربيع

إذا كبرت أحزاني

ونسيني العمر التاني

انت اللي ما بتنساني ..

وما زلتُ مؤمنةً بالقيامة..

( يتبع .. )

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى