مافيات “على مدّ عينك والنّظر” تسرق الشماليين!
النشرة الدولية –
لبنان الكبير –
إسراء ديب
لاذ جاد ع. (46 عاماً) بالفرار سريعاً بعد تعرّضه لهجوم من عدد من السارقين في حارة الفوار- قضاء زغرتا، ولم يكن هذا المواطن الذي يعيش منذ أكثر من 15 عاماً في المنطقة هو الضحية الأولى لهذه المجموعات التي تنتظر الضحايا يومياً مع أولى ساعات المساء وصولاً إلى أولى ساعات الصباح، بل تتكرّر هذه الظاهرة يومياً في كلّ أحياء الشمال ومناطقه لا سيما في طرابلس التي ينتشر فيها النشالون صباحاً ومساءً خصوصاً في المناطق الشعبية والأحياء المظلمة حيث لا يجرؤ أيّ شخص على السير فيها خوفاً من عمليات سطو محتملة.
جاد الذي يضطر يومياً إلى التوجه لبيروت نظراً الى عمله في أحد المتاجر الكبرى في العاصمة، وصف لـ “لبنان الكبير” رحلته بأنها “باتت شاقّة وصعبة للغاية”، الأمر الذي اضطره إلى حمل السلاح الأبيض (سكين وأسياخ حديد) محاولاً حماية نفسه من المترصّدين لكلّ الناس، سواءً أكانوا من القاطنين في المنطقة أو من الزائرين، “فإمّا نجدّ كلاباً طائشة أو مجموعات ترصد المواطنين لنهبهم”.
وأكّد بعض المواطنين لـ “لبنان الكبير” أنّ عمليات السرقة لا تقف عند التشليح فحسب، بل تُسرق الممتلكات الخاصّة والعامّة يومياً أيضاً بلا أدنى تدخل رسميّ وأمنيّ يحدّ من هذه الظاهرة المؤسفة، مشدّدين على أنّ الأمن الذاتي بات حلاً مطروحاً لدى مناطق وأحياء طرابلسية عدّة ترغب في تنفيذ هذه الاستراتيجية مع غياب دور الدّولة.
ووفق الأوساط الطرابلسية، فإنّ أحياء عديدة “ترغب حقاً في البدء بتنفيذ الأمن الذاتي لا سيما تلك الشعبية منها، لكنّها تخشى دائماً تدخل القوى الأمنية للحدّ من نشاطها، مع العلم أنّ هذه الأحياء لن يكون أمنها منفصلاً عن الرسميين، لأنّها لا تريد تجاوز الأطر الأمنية التي تفرض بين الحين والآخر، بل هي تُبدي رغبتها في التعاون مع القوى الأمنية لتحقيق الهدف منها، لكن الحرص على الممتلكات التي باتت لا تُعوّض أهمّ بكثير، وهذا ما يدفعها إلى أخذ الأمور بحكمة وروية وصولاً إلى قرار صائب قد تتخذه الدّولة حرصاً على المصلحة العامّة”.
ولفتت هذه الأوساط إلى أنّ بلدات عدة في المدينة بدأت بتنفيذ “شبه أمن ذاتي” في أحيائها، حيث تضع بعض السيارات على مداخلها ومخارجها، كما تضع بعض المراقبين ليلاً حتّى الفجر، لكنّ ذلك لا يدوم طويلاً لأنّها لا تلتزم بمبادئ الأمن الذاتي كما يحصل منذ سنوات في مناطق لبنانية أخرى.
وأكّد مرجع بلدي لـ “لبنان الكبير” أن آفة السرقة انتشرت بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة في طرابلس، وتحوّلت إلى مشكلة عامّة تُشبه إلى حدّ كبير بمافياتها ومجموعاتها مافيا المولّدات، إذْ “تنتشر مجموعات في كلّ منطقة أو نطاق جغرافي محدّد، كلّ منها تعرف الأخرى وتُدرك هوية أعضائها وأهدافها جيّداً، لكن يُمنع منعاً باتاً أن تتجاوز أيّ مجموعة خطوطها الحمر المتفق عليها، أيّ يُمنع عليها التعدّي على عمل المجموعة الأخرى ونطاقها، الأمر الذي قد يُؤدّي إلى حدوث إشكالات يومية في ما بينها”، مشيراً إلى أنّ في بعض المناطق “قد تعمل أكثر من مجموعة ضمن نطاق واحد لكن لكلّ منها دور وعمل، منها يرتبط بعمليات السطو وأخرى للسرقة مثلاً…”.
في الواقع، لا يمرّ يوم من دون عمليات تشليح وسرقة تؤرق المدينة وأهلها، ووفق عدد من المواطنين، فإنّ بعضهم بات يعود إلى منزله قبل المغرب نظراً الى خطورة الوضع الأمني، أمّا بعضهم الآخر فقد يضطر إلى إقفال سيارته أثناء قيادته لها خوفاً من أيّ حدث أو “ألعوبة” قد تُقدم عليها هذه المجموعات كرمي الحجارة على السيارة أو وضع أيّة عراقيل في الشوارع ليُخفّف السائق سرعته أو ليتوقف فجأة، فيستغله بعض الشبان لسرقته وقد تُؤدّي هذه العملية إلى استخدام العنف والقوّة معه حتّى حين لا يُبادر الى المواجهة والدفاع عن نفسه.
وقد يكون الحديث عن الأمن الذاتي شأن لبناني لا طرابلسيّ فحسب، لكنّه كان مطلباً للطرابلسيين منذ أعوام عدّة، ولا يُبالغ العديد منهم حين يُطالبون بوضع حراس ونواطير على أبواب مدينتهم وأحيائهم أو مشروعهم السكنيّ للحفاظ على أمنهم، مع العلم أنّ هذا النوع من الحراسة، كان حقاً من حقوقهم في فترة الخمسينيات والستينيات حينما كان يُوظف في كل شوارع الفيحاء من دون استثناء حارس بلدي مسؤول عن أمن كلّ شبر من هذه المدينة ونظامه، أمّا اليوم فقد تُثير أيّ مجموعة تُعلن رغبتها في الحفاظ على أمن المدينة ريبة الطبقة الشعبية والأمنيين كـ “حراس المدينة” مثلاً، وفي وقتٍ لا تنفع فيه خطّة أمنية مع عدم دوام العمل فيها كما يجب.
إلى ذلك، يعيش أهالي المدينة في حيرة من أمرهم، فإمّا اللجوء إلى الأمن الذاتي الذي يُخيف الدّولة من أن يُؤدّي هذا النشاط إلى “استئصال” قواها محلّيًا، مع العلم أنّ الأهالي يُطالبونها ببسط نفوذها على أراضيهم كالعادة، أو السكوت عن هذه العمليات التي تُثبت الفساد والاهمال اللذين ضربا المدينة بوضوح.