“الخمسة الكبار” بين القادمين الجدد و”عبيدهم”؟* حمزة عليان
النشرة الدولية –
لم تُطوَ صفحة ترامب برحيله بل فتحت الملف الشائك “لتويتر” وأخواته الأربع بعد منعه من استخدام هذه المنصة التي شكلت العصب الرئيسي لحملته الدعائية والسياسية طوال أربع سنوات من حكمه والتي جاءت على خلفية إلغائه المؤسسات الحكومية وأصحابها من أجندته وبات يملك “الخيل” و “اللجام” بنفسه!
اشتدت المناقشات حول أحقية “تويتر” وشركات السوشيل ميديا بالحجر على منعه من إبداء رأيه واعتبر هذا الفريق أن هذا الغول استفحل بالتحكم بحرية التعبير وتمادى بالمقاييس التي وضعها وكان يكيل بمكيالين:
البعض أبدى تخوفه من سطوة “العمالقة الجدد” وقدرتهم على “الانقلاب على الدولة” من خلال استخدام الوسائل الخارجة عن السيطرة أوصلت قراءاتهم للقول إن المشرعين والسياسيين في سبيلهم لوضع قيود وعقوبات من شأنها تمكين “المؤسسات الإعلامية الكبرى” للقضاء على جيش النشطاء والغوغاء، كما كتب الزميل عبدالرحمن الراشد في صحيفة “الشرق الأوسط”.
الخمسة الكبار أو ما يعرف بـ ” The Big Five” باتوا اليوم يشكلون خطراً على الحريات الفردية والخصوصيات في العالم وباتوا يتحكمون بكافة البيانات الشخصية للمستخدمين ومعرفة سلوكهم وميولهم بكل ما يتعلق بحياتهم.
والحديث لا يتوقف عن الاستغلال المسيء لمواقعها بالهيمنة على السوق من أجل إلغاء حرية الرأي كما تفعل شركات الإنترنت مثل غوغل وفيسبوك وتويتر وأمازون!
ولعل مشاهدة فيلم “The social dilemma” المعضلة الاجتماعية والذي تعرضه “نتفليكس” على الأساليب المتبعة للتأثير في سلوكيات البشر وطرق ترويج السلع والمتاجرة ببيع البيانات الشخصية للمستخدمين، يكشف العوالم الخفية في وادي السيليكون وكيفية التحكم بمليارات البشر (القبس 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2020) وكيف تركت التكنولوجيا هذا العالم بلا ضوابط أخلاقية.
شهادات جداً مخيفة تلك التي أدلوا بها في هذا الفيلم بعدما حولوا المستخدمين إلى فئران تجارب يعرضونهم للبيع والمتاجرة في سوق الدعاية وكسب المليارات من الدولارات.
ثمّة جوانب تُخفى أحياناً من أجل تثبيت فكرة معينة بأذهان الرأي العام، كالحديث عن “العمالقة الخمسة” وبأنهم “حكومة سرية” تدير العالم وأميركا معهم، بحيث يتراءى للقارئ أن هؤلاء الخمسة هبطوا علينا من الفضاء فجأة، باعتبارهم كائنات غير مرئية!
قد تصطدم سطوة المال بحرية التعبير متى وجدت الفرصة لذلك، لكنها تبقى أداة معرفية وحّدت العالم وجعلته قرية صغيرة، يصعب على صانعيه تحويل البشر والحضارات إلى عبيد جدد كما يحلو لبعض المفكرين تسميتهم!
هناك مكتسبات إنسانية رسختها المجتمعات في تعاملاتها، لم يعد بالإمكان القفز من فوقها أو وأدها كما يتصور عدد من المحللين السياسيين.
نحن ندفع ثمن التكنولوجيا من حرياتنا الفردية والمعركة لا تخص الأميركان فقط، بل شعوب العالم، لكن احتكار التكنولوجيا بيد هؤلاء الخمسة لن يبقى سيد الساحة، فالقادمون الجدد سيدخلون المعركة التكنولوجية ويشكلون نداً عصياً على الكسر.
نتحدث عن معادلات أخرى، فيها الياباني والروسي والصيني والهندي وهؤلاء يمتلكون قدرات وإمكانات وعقول مبدعة، وصاروا من أصحاب الأرقام الصعبة.
خذوا مثلاً ما فعلته الصين بتطبيق “We chat” والذي أطلقته عام 2011 عبر الهاتف المحمول وأصبح أكبر تطبيق جوال مستقل عام 2018 مع أكثر من مليار مستخدم وهو متعدد الأغراض و “لكل شيء” وصولاً إلى استخدامه من السلطات كأداة للمراقبة والتجسس.
ربما كانت معركة اللقاحات أحد تلك الوجوه التي نعنيها، فالهند ذهبت إلى إنتاج لقاحات على يد مختبراتها الوطنية وهي اليوم تستعد للبدء بأكبر حملة تلقيح على مستوى العالم تصل إلى 300 مليون هندي، والصين وروسيا دفعت بلقاحاتها إلى نصف الكرة الأرضية.
خلاصة الفكرة أن “الخمسة الكبار” دخلوا في صراع مع الأمبراطورية العميقة للدولة الأميركية والتي قد تشهد ترنحاً وتراجعاً بعظمتها وهيمنتها الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية على مستوى العالم في العقد المقبل وعلى يد أباطرة جدد هيأوا المسرح تماماً للوثوب على الغنيمة الكبرى!