العقيد “تويتر”* هيثم الزبيدي

النشرة الدولية –

الثورات التقنية مثلها مثل أية ثورات. تبدأ الثورات التقليدية بنوايا حسنة لإصلاح الأوضاع. يكون الفساد أو التراجع السياسي قد وصلا إلى مديات تستحث التغيير. في عالم عقلاني تتم التغييرات ضمن سياقات ديمقراطية أو شبه ديمقراطية أو توافقية. بعض الأحيان يتدخل القدر فيموت الزعيم المعني وتنطلق آليات التغييرات لتدفع باتجاه إيجابي (أو سلبي). الوريث السياسي، الثائر أو البديل أو الانقلابي، يذهب إلى منطقته التي يراها مناسبة.

لدينا في منطقتنا العربية الكثير من الثورات، الحقيقية أو الانقلابية. بدأت بنوايا وانتهت بكوارث. الكثير من قادة ثورات الستينات والسبعينات والثمانينات في العالم العربي انتهوا نهايات بشعة، قتلا أو سجنا. أخذوا الثورات إلى مبتغاهم الشخصي وانتهوا بكوارث. النرجسية الثورية لها ثمن.

في الغرب، تغيّر النمط. ثمة سلسلة من الثورات حدثت وأحدثت الفرق في كل شيء. الثورة المعلوماتية هي ما عاصرناه. خليط الكمبيوتر ووسائل الاتصال أحدث فرقا هائلا بحياة الناس. لن تعود الحياة أبدا إلى ما كانت عليه. وننتظر تأثير ثورتين أخريين قادمتين في التكنولوجيا الحياتية وفي الذكاء الاصطناعي. لكن الثورة المعلوماتية تبقى الأكثر حضورا لأن من بين ما أنتجته، هو الثورة الاجتماعية لوسائل الاتصال.

ثورة الوسائط الاجتماعية ومنصات التواصل المباشر ليست بالهيّنة. انتهى الاحتكار الذي تمارسه الدول بشكل استثنائي. مثال صعود وسقوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب حاضر في الذهن. ولكنه مثال فاقع وانتهازي سياسيا. نحتاج أن ننظر إلى الملايين من الظواهر على مستوى الأفراد والمؤسسات والخدمات والمنتجات ممن وجدت فرصتها في زحمة التواصل الاجتماعي. من مطربين إلى سلع إلى خدمات. السياسيون حدث عرضي رغم عمق تأثيرهم في المشهد وما يمكن أن يستجلبوه من كوارث: من بريكست إلى غزوة الكابيتول.

القائمون على هذه الثورات ليسوا ضباطا أو مغامرين سياسيين. هؤلاء مبتكرون برؤى استثنائية لوقع التكنولوجيا على المجتمعات. من فيسبوك إلى تويتر إلى إنستغرام. من التواصل المباشر على واتساب إلى تيلغرام إلى سيغنال. من ابتكر هذه الأدوات قد لا يكون قد استقرأ أهمية ما يعمله في البدايات. لكن ما إن تحولت إلى مؤسسات كبرى ودخل عليها مال الاستثمار والأفكار، صارت ثورة تقودها الشركات وتتحكم بها كما تريد. انقلابية ناعمة لكنها أمضى تأثيرا من كل الدبابات التي يمكن أن تسيّرها في عاصمة من عواصم الانقلابات في العالم الثالث.

ومثلها مثل الثوار الكلاسيكيين، سيطرت الشركات على هذا الموضوع واستغلته تقنيا أولا ثم تجاريا، والآن تريد أن تتحكم فيه بحجة أو بأخرى، ليس أقلها حرية الرأي أو منع حرية الرأي غير المسؤولة. صعدت بترامب إلى السماء ثم خسفت به الأرض. وترامب مقدمة.

العقيد “تويتر” له مواصفاته في ثورته وسيحرص مثله مثل الجنرال “فيسبوك” والعميد “إنستغرام” على الإبقاء على أدواتها بين يديه. مثله مثل عقدائنا وجنرالاتنا الراحلين منهم والباقين. هذه بعض من ملامح الصراع القادم الذي سيستحث ثورة أخرى قادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى