زمن الميلاد الصعب.. بشارة رجاء وأمل لا ينقطع
بقلم: زينب زعيتر

النشرة الدولية –

لبنان 24 –

“حتى في السنة التي توفيت فيها والدتي وضعت شجرة عيد الميلاد، إنّما هذا العام لم أضعها”، بهذه الكلمات، فاجأتني مقارنة إحدى الزميلات بين أسلوب حياتها قبل أعوام على الرغم من ألمها العميق لوفاة والدتها، وبين حياتها اليوم الكئيبة على الرغم من أنها لم تفقد عزيزاً على قلبها. خفت سؤالها عن السبب، التزمت الصمت، وتوقعت الإجابات الصادمة، وكأنها تقول أنا اليوم لست على قيد حياة.

مؤلم ما يعيشه اللبنانيون في زمن الميلاد المجيد، موجعة تلك التفاصيل التي لم تعد تشبه حالنا كما كنّا. تلك الندوب التي رافقتنا في السنتين الأخيرتين، وذهبت بنا حد الاستسلام، والخوف المرعب من المستقبل، وأحيانا جرّت كُثر الى الانتحار. مؤلم أن يمر الميلاد ونحن على يقين بأنّ طفلاً واحداً- لنفترض أنّه طفل واحد- لن يحصل على هدية، لكم أم تتخيلوا تلك الدموع.

Doc-P-899579-637757620783529486.jpg

ولكنّه الميلاد، بشارة الرجاء والأمل الذي لا ينقطع بولادة مخلّص للبشرية. حقيقة مطلقة وعبر نستخلصها للحياة الصعبة التي نعيش، لتلك الخيبات التي ألمت بنا، فاختار كل واحد منا أن يتعامل معها بأسلوب مختلف. ولكن ماذا عن رؤية روحية تجعلنا نتمسك بالمبادئ والعبر، لمرة واحدة فقط على اختلاف انتمائنا الديني واهوائنا. لمرة واحدة فلنضع الأمور السطحية لمعاني العيد جانباً، ولنتمسك بالمعاني الإنسانية والدروس الروحية لعلّ طريق الصعاب ينتهي، تماما كما وُلد السيد المسيح في عالم مظلم، وأشرق على الدنيا بنوره.

عطاء الميلاد

وواحد من تلك الدروس، يرويها الاب فادي الراعي مسؤول دير القيامة في منطقة الروضة، في حديث خاص لـ”لبنان 24″، وهي على بساطة معانيها إنمّا تحمل درسا لا يُنسى للإنسانية. يقول الراعي إنّه وخلال أحد اللقاءات الكشفية مع مجموعة أطفال، سألهم، ماذا ستفعلون وثمة أطفال كُثر في لبنان لن يحصلوا في العيد على هدية، وأنتم ستتلقون الهدايا، فأجاب أحد الأطفال “أنا سأعطيه هديتي الجديدة واحتفظ بالقديمة لنفسي”.

يشدد الاب الراعي على ضرورة أنّ نقف ونتأمل جميعاً في ظروف ولادة السيد المسيح، لأنّ ما نعيشه اليوم يشبه تلك المرحلة الصعبة، “اليوم جميعنا مدعوون لتحدي الظروف المرّة، لتحدي العالم، والايمان بمشيئة الخالق وبأنّ ثمة مخلّص للبشرية. نعم أحيانا يُضعف ايماننا، ولكن يجب أنّ نفكر في العمل الإلهي على الأرض في هذا الميلاد المجيد، وأن نكون واعين بضمائر حيّة، ويد واحدة”.

الميلاد يعني العطاء، يتابع الاب الراعي: “لا يجب أن نيأس، وأن يترك أحدنا الاخر، فمن يرى أخيه في عوز يجب أن يبادر الى المساعدة ويقدّم له يد العون. فما بالكم بهؤلاء الأطفال واستعدادهم للتضحية بألعابهم الجديدة، ونحن ايضاً يجب أن نضحي في سبيل الاخر، بحسب قدرتنا واستطاعتنا. والاهم يجب التفكير بنعم ربنا الكثيرة علينا”. يضيف الابونا: “هذه النعم مجانية من الله، والحياة نعمة من دون مقابل، ويجب الاستفادة منها والاستثمار فيها، وكلنا نعلم أنّ الاستثمار غالباً لا ينجح، وكذلك الحياة، فلو مررنا بأوقات عصيبة يجب ان لا نستسلم، فعطاء الحياة مستمر، والمسيح أعطى الحياة للأخرين، وضحى بنفسه من أجل الاخر”.

يختم الراعي حديثه في دعوة الى بعض المسؤولين لتعود اليهم ضمائرهم الغائبة والنهوض بهذا البلد، “طريق الجلجلة طويل، ولكن الامل موجود والرجاء موجود، وكلنا من مختلف ديانتنا يجب ان نكون يدا واحدة، فهذا بلدنا وبيتنا، لنعش الحياة والعطاء في زمن الميلاد المجيد، وعسى أن يخرج اليأس من قلوب كثيرين، ويعيشوا فرح الميلاد”.

ولتكن دعوة لكل واحد منّا، للتوقف عند قراءة روحانية تشبه حاجتنا لمن يتكلم الينا بهمس ليعطينا جرعة تفاؤل في الزمن الصعب، وميلاد مجيد لكل اللبنانيين.

زر الذهاب إلى الأعلى