كيف يدمر الغرور كل شيء لمستثمري الأسهم؟

النشرة الدولية –

“الغرور هو خطيئتي المفضلة”.. يلخص الحائز على جائزة الأوسكار “آل باتشينو” بهذه العبارة الختامية لفيلمه الشهير “محامي الشيطان” الثغرة الأبرز في النفس البشرية.

ومع حقيقة أن الغرور والتكبر بمثابة إحدى الصفات الأكثر سوءًا في أي شخص، فإنه عندما يتعلق الأمر بالاستثمار قد تكون السمة الأخطر على الإطلاق.

مُخطئ مَن يعتقد أن عملية الاستثمار تمثل اختباراً للمعرفة والخبرة والدراسة المتعلقة بالسهم أو الشركة التي يتجه المستثمر لوضع أمواله فيها بحثاً عن الربح المنتظر.

فرغم أهمية كل هذه العوامل في تحقيق الأداء الجيد في سوق الأسهم، فإن الجانب الشعوري يظل أحد أبرز المؤثرات المتحكمة في نتائج الاستثمار.

وكما يقول المستثمر الأمريكي الشهير “وارن بافيت”: “الاستثمار بمثابة لعبة نفسية وليس اختباراً للذكاء”.

ويبرز الكبرياء كأحد أخطر التحيزات المعرفية التي يمكن أن تمنع المستثمرين من تحقيق أرباح جيدة، بل وربما تدفعهم لخسائر فادحة كان يمكن تفاديها بقليل من التواضع وفضيلة الشك.

ويظهر التحيز المعرفي المدفوع بالكبرياء في شكل ثقة مفرطة واعتقاد داخلي قوي لدى البعض بأنهم سيحققون نتائج أفضل من معظم المستثمرين الآخرين.

يرى البعض أن رؤيته أكثر دقة، وأن تقييمه للأمور أفضل من الآخرين دائمًا، ويمتلك هؤلاء ثقة كبيرة في قدراتهم وإمكاناتهم ولا يرون أي احتمالية للخطأ أو الخسارة.

وحتى في حال ظهور بوادر واضحة على خطأ المركز الاستثماري فإنهم يفضلون تجاهل هذه الإشارات والتمسك بالموقف الأوّلي لأطول فترة ممكنة.

انظر مثلاً إلى معضلة القرار التي يعاني منها كثير من المستثمرين في أسواق الأسهم، فرغم أن البعض قد يختار أسهماً قوية بالفعل ضمن محفظته، فإن تأجيل قرار بيع أسهم الشركات الهابطة والتسرع في التخلي عن الأسهم الرابحة قد يتسبب في خسائر كبيرة.

ويعتبر الغرور جزءاً كبيراً من المشكلة، فكبرياؤنا يجعل أحياناً من الصعوبة التخلي عن الأسهم التي قضينا وقتاً طويلاً في تحليلها ورسم خطط تطورها وأدائها المحتمل.

ويسأل الكثير من المستثمرين أنفسهم: “كيف يمكنني أن أكون مخطئاً بعد كل ذلك، لا، سوف تثبت الأيام صحة وجهة نظري، أنا لم أخطئ، إنه السوق الذي لم ير بعد قيمة هذا السهم حتى الآن”.

هذا التفكير قد يدفع المستثمر للإبقاء على مراكزه الخاسرة لفترة طويلة رغم الإشارات المستمرة على خطأ وجهة النظر الأولية، وبالتالي يتسبب في انخفاض متواصل لقيمة المحفظة ناهيك عن تكلفة الفرصة الضائعة التي تتمثل في الربح الذي كان يمكن تحقيقه في حال الاتجاه لخيار آخر أفضل.

ويشير “آلان كوهلر” عبر كتابه “المستثمر المستمر” إنه لكي تكون مستثمراً ناجحاً فإن عليك أن تتعامل مع السوق بمبدأ: “أنت لا تعرف شيئاً، لا يمتلكك غروراً، لا تضع أي افتراضات مسبقة”.

يرتبط التكبر أيضاً بفكرة التحيز التأكيدي، والذي يعد أحد أخطر التحيزات المعرفية التي يمكن أن تؤثر على قراراتنا الاستثمارية والحياتية بشكل عام.

ويميل بعض المستثمرين للوقوع في فخ التحيز التأكيدي، أي الاستماع فقط إلى الأمور التي تدعم وجهة نظرهم الحالية مع تجاهل ما عدا ذلك.

وفي بعض الحالات يتجه المستثمر بشكل لا إرادي إلى البحث عن المعلومات التي تؤكد وجهة نظره فحسب، وربما تفسيرها بطريقة تثبت صحة توقعاته الأولية.

وإذا كان هناك عدة متغيرات في نفس الوقت، فإن بعض المستثمرين يفضلون أن يختاروا منها ما يناسب وجهة نظرهم ويؤكدها، مع تجاهل الإشارات الأخرى التي قد تكون مخالفة لذلك أو على الأقل قد تدعو للشك وإعادة النظر في الأمر برمته.

والمشكلة أنه كلما زادت قدرات الشخص وذكاؤه ومستوى تعليمه كان سهلاً عليه أن يصبح ضحية للتحيزات التأكيدية التي تجعله لا يتخيل إمكانية ارتكابه للأخطاء وبالتبعية فإنه يسمح باستمرارها بدلاً من الاتجاه لتصحيح الأمر.

بالطبع لا يقتصر هذا التحيز على الأفراد فحسب لكنه يمتد أيضاً إلى الشركات وإداراتها التي قد تنجرف لقرارات متهورة اعتماداً على نجاحات سابقة ووهم القدرة والمهارة الطاغية.

ربما يبدو مثال شركة “لونج تيرم كابيتال مانجمنت” أكثر تعبيراً عن الأزمة، فصندوق التحوط الذي حقق نجاحات قوية في السنوات الأولى لتدشينه في بداية تسعينيات القرن الماضي تحول للنقيض التام لاحقاً بسبب معضلة الثقة المبالغة.

لقد كانت إدارة الصندوق في أيدي أعضاء مجلس الإدارة بعضهم حائز على جائزة نوبل أو من فئة العمالقة القدامى في “وول ستريت”، وبالتالي تسرب سريعاً التحيز المدفوع بالكبرياء والثقة اللامتناهية إلى طريقة إدارة المخاطر والاستثمار.

وسرعان ما تحولت المكاسب الكبيرة إلى خسائر ملحوظة، قبل أن يواجه الصندوق عمليات تخلف عن السداد بعد أن اتضح أن الأرباح كانت معتمدة بشكل كامل على الرافعة لقد دمرت الثقة المفرطة والغرور كل احتمالات العقلانية.

يرى الكاتب الأمريكي “ريان هوليداي” أن إحدى أكثر الاستراتيجيات نجاحاً لإبقاء الأنا الشخصية تحت السيطرة دائماً هي أن تكون طالباً مستمراً.

وسواء كان ذلك عبر التعليم الذاتي أو من خلال معلم، فإن فكرة التعلم الدائم تجعل السيطرة على الغرور الذي قد يتسرب إلى نفسك أمراً ممكناً.

ويستشهد “هوليداي” بعازف الجيتار الشهير “كيرك هاميت” الذي استمر في تلقي دروس أسبوعية لسنوات عديدة، حتى بعد أصبحت فرقته “ميتليكا” تتمتع بشعبية كبيرة، في مسعى للبقاء متواضعاً وساعياً بشكل مستمر للتطوير.

الأمر الآخر هو وضع احتمالات دائماً للخطأ، الاحتفاظ بهامش من الأمان في حال كانت رؤيتنا الأولية تفتقد للدقة اللازمة.

هنا يجب على المستثمر أن ينتهج استراتيجية التنويع الاستثماري كأحد أبرز أوجه القدرة على التحكم في الكبرياء والثقة المفرطة في صحة المركز الاستثماري الأساسي.

فالمستثمر الواثق يختلف عن المتكبر الذي تطغى الأنا على طريقة استثماره، في أن الأول يعتقد في صحة قراره لكنه يضع في اعتباره احتمالية ما للخطأ عبر تنويع مراكزه في مسعى للتحوط من الاحتمالات الأسوأ، في حين أن الثاني لا يرى إلا صحة رؤيته وينتظر النجاح ولا شيء غيره.

ويعتقد “هوليداي” أن قدرة الشخص على تقييم إمكانياته الشخصية قد تكون أهم مهارة ممكنة يمتلكها، لأن بدونها سيكون التحسن أمراً مستحيلاً.

لكن الكبرياء يجعل هذا الأمر صعباً في كل مرة خلال رحلة الاستثمار، ورغم أهمية الثقة في قدرتنا ونقاط قوتنا، فإن فضيلة الاعتراف بالخطأ لا تقل أهمية في السعي للوصول للنجاح المنتظر.

يحتاج الجميع إلى السيطرة على الغرور الذي قد يتسرب إليهم مع الوقت، من خلال التصرف بناءً على سؤال أساسي: ماذا لو كنت على خطأ؟

 

المصادر: أرقام – سي إف إيه – فاينانشال ريفيو – دايفرسفيد أسيت مانجمنيت

كتاب: Ego Is the Enemy

دراسة: Investing is a Psychology Game Not an IQ Game

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى