أخطاء الحكومة توفر أرضية خصبة لسلالة كورونا الجديدة* باتريك كوبيرن
النشرة الدولية –
تعد بلدة مارغيت الساحلية في شرق مقاطعة كينت Kent المكان الذي تطور فيه متغير كوفيد-19 سريع الانتشار، لأول مرة، قبل أن يجتاح بقية بريطانيا. ولقد حدد العلماء الشهر الماضي، كينت باعتبارها المقاطعة التي نشأ فيها الفيروس المتحور، لكن مصدراً على دراية بالبحث في أصول الفيروس أخبرني أن أول حالة إصابة به كانت في بلدة مارغيت بجزيرة ثانيت Margate on the Isle of Thanet.
تحور الفيروس الجديد خلال الموجة الثانية من الجائحة وظهرت أول حالة في سبتمبر (أيلول)، على الرغم من أنه لم يتضح الخطر الذي يمثله إلا في ديسمبر (كانون أول). وتركزت الجائحة المتجددة أواخر الصيف الماضي في مدينتي ثانيت وسويل، وكلتاهما تقعان على ساحل كينت الشمالي، لكن الجائحة انتشرت بشكل خاص في أكثر مناطق المدينتين فقراً.
ولقد أعرب علماء حكوميون عن قلقهم إزاء الزيادة الحادة وغير المتوقعة في حالات الإصابة بفيروس كورونا في كينت Kent، على الرغم من الإغلاق الذي شهدته البلاد في نوفمبر (تشرين ثاني). وقال البروفيسور بيتر هوربي، رئيس المجموعة الاستشارية لتهديدات فيروسات الجهاز التنفسي الجديدة والناشئة NERVTA، “إن هذا المتغير أصبح مثار الاهتمام لأنه كان هناك تحقيق حول أسباب ارتفاع الحالات في كينت في أوائل ديسمبر على الرغم من الإغلاق الوطني”.
وأشار هوربي إلى أنه عندما حققت هيئة الصحة العامة في سبب الزيادة المفاجئة للإصابات في كينت، اكتشف خبراؤها الطبيون مجموعة من الحالات لنوع مختلف من الفيروس لم يروه من قبل. واكتشفت الحالة الأولى للمتغير الجديد الأكثر قابلية للانتقال أول مرة في 21 سبتمبر، لكن قدرته المتقدمة على إصابة الناس لم تتضح إلا بعد ستة أسابيع.
وعلى الرغم من أن جميع الفيروسات تتحور، فإن معظم المتغيرات لا تسفر عن أي شيء. ويتطلب ظهور فيروس أكثر خطورة من خلال التجارب، إصابة العديد من الأشخاص، وكان كثير من الحاملين المحتملين للفيروس متوافرين، مع ازدياد وتيرة الموجة الثانية من الجائحة في شمال كينت في أواخر الصيف الماضي. ويقول العلماء، إن التحور شهده على الأرجح، شخص واحد يعاني من ضعف في جهاز المناعة، ما يمنح الفيروس الفرصة لتحسين أسلوب هجومه.
لم يكن قدراً محتوماً أن يعيش هذا الشخص في مارغيت، وهي بلدة لا تشهد ازدهارا يذكر يبلغ عدد سكانها 61000 نسمة في ثانيت على الطرف الجنوبي الشرقي من إنجلترا، لكنه يتناسب مع النمط الذي شوهد في بقية البلاد. وتقترن المستويات المرتفعة للفقر بالإصابة بفيروس كوفيد-19 حيث تعكس التفاوتات الصحية الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية.
قد لا يكون عمق هذه التفاوتات واضحاً لزائر عادي يأتي إلى مارغيت لمشاهدة “غاليري تيرنر” أو للسباحة في الشواطئ الرملية أو لتناول الطعام في وسط المدينة الراقي. لكن، على بعد مئات الأمتار من وسط مارغيت يعيش بعض أفقر الناس في إنجلترا.
وعلى مسافة قصيرة من معرض” غاليري تورنر”، توجد منطقة كليفتونفيل ويست المكتظة بالسكان، التي تعتبر من بين واحد في المائة من المناطق الأكثر فقراً في إنجلترا، حيث تحتل المرتبة الرابعة من بين 32278 منطقة في “مؤشر الحكومة للحرمان على أكثر من مستوى”.
وفي حين لا يبدو من بعيد هذا الجزء من مارغيت متهالكاً، على الرغم من احتوائه على مراكز للحياة البوهيمية، فإن المباني الفيكتورية ذات المظهر الرائع تتقسم غالباً إلى شقق مكتظة مؤلفة من غرفة واحدة.
غير أن هذا لا يعني بالضرورة أن متغير الفيروس ظهر للوجود في منطقة محرومة من مارغيت، لكن مع تزايد نطاق وسرعة الموجة الثانية من الجائحة في العام الماضي، ظهر أن خريطة انتشار العدوى مطابقة تماماً لخريطة المناطق الأكثر حرماناً. كما أنه من الواضح هذه المرة، على عكس الموجة الأولى، أن شرق كينت كان في الخط الأمامي للجائحة، وتحديداً ثانيت وسويل Thanet and Swale، وتقع هذه المنطقة إلى الغرب، غير بعيدة عن ساحل مارغيت، وتأتي بعد ذلك مدينة ميدواي التي عانت (نتيجة انتشار الإصابات بالفيروس المتحور في أوساط سكانها).
وتضم سويل مدينتي فيفرشام وسيتينبورن وجزيرة شيبي، التي يفصلها عن البر الرئيس شريط ضيق من الماء. وكما هو الحال في أي مكان آخر في إنجلترا، تجد جنباً إلى جنب مناطق ثرية وأخرى فقيرة بشكل صارخ، بحيث تجهل المناطق الأولى ما يجري داخل الأماكن المجاورة لها، في كثير من الأحيان. ويتمتع الأشخاص الذين يعيشون في منازل شاطئية تباع بمليون جنيه إسترليني (حوالي 1.35مليون دولار أميركي) في وايتستابل، وهي بلدة عصرية تقع بين سويل وثانيت، بإطلالة جيدة على جزيرة شيب، التي تبدو خضراء وخلابة على بعد أميال قليلة عبر المياه. ولكن في الواقع، تعد شيبي واحدة من أفقر المناطق في كينت، حيث يقل متوسط العمر المتوقع في بعض أجزائها بـ10 سنوات عن المدن المجاورة في البر الرئيس. كما أن هناك ثلاثة سجون في شيبي غير مرئية من وايتستابل، وأحدها عانى من تفشي فيروس كورونا وأصيب بداخله 90 نزيلاً.
ينبغي علي الإقرار بوجود مصلحة شخصية لدي في هذا الأمر، لأنني أعيش في كانتربري، التي تبعد 15 ميلاً عن مارغيت و10 أميال من فافيرشام. فخلال الإغلاق الثاني في نوفمبر وديسمبر الماضيين، لاحظت أن الإصابات لا يبدو أنها كانت تتراجع في سويل وثانيت القريبتين كما كنت أتمنى. كنت قلقاً بعض الشيء من عدم انخفاض مستوى الخطر كما هو متوقع، لكن لم يخطر ببالي إطلاقاً أن الموجة الثانية ستوفر أرضاً خصبة لسلالة من الفيروسات الفتاكة. لكن كان ينبغي أن يخطر ببال الحكومة، وهي التي تمتلك خبرة علمية هائلة في المتناول، أن خطر حدوث طفرة خطيرة سيعززه التخفيف المبكر والمفرط للقيود في يوليو (تموز)، والذي أعقبه الفشل في إعادة فرضها حتى نوفمبر.
كان خط الدفاع الثاني للحكومة إلقاء اللوم على الجمهور والتظاهر بأن المشكلة تكمن في تجاهل الناس لقيود الإغلاق، كما ادعت وزيرة الداخلية بريتي باتيل، التي خلصت حتماً إلى أن السبيل للمضي قدماً يكمن في فرض قواعد أشد وربطها بعقوبات أكبر.
وبصرف النظر عن (الوزيرة) باتيل، يشعر كثير من الأشخاص الذين يلتزمون بقواعد الإغلاق بالغضب من ضجيج حركة المرور في شوارعهم وعدد المارة على الأرصفة. في هذا الصدد، سألت العاملين المجتمعيين والنشطاء في أجزاء مختلفة من كينت لماذا يبدو أن كثيراً من الناس، لا سيما في المناطق الفقيرة، يعيشون ويعملون كالمعتاد. الجواب هو أنهم نفوا جميعاً أن يكون للأمر علاقة بـ”إجهاد الإغلاق،” قائلين إن الناس في الواقع خائفون الآن أكثر مما كانوا عليه أثناء الإغلاق الأول لأنه، كما قال لي أحد الأشخاص في سويل، هذه المرة الجميع “يعرف شخصاً أصيب أو مات من بالفيروس”.
ربما يرغب أهالي المناطق المحرومة البقاء في المنزل لكن ليس لديهم خيار سوى الذهاب إلى العمل لكسب قوت عيشهم والحفاظ على أعمالهم. وكما قال أحد قادة المجتمع المحلي “تعمل معظم نساء المنطقة في دور الرعاية والرعاية المنزلية وكعاملات نظافة أو في محلات السوبر ماركت. أعتقد أن هذا يجعلهن عاملات أساسيات، على الرغم من أنهن لا يحظين بالتصفيق”. كما أنهن لا يحصلن على تعويض إذا ثبتت إصابتهن بالفيروس ودخلن في حجر صحي، ما يثير الشكوك حول نسبة الفقراء العاملين الذين يخضعون للاختبار. خلال المخطط التجريبي الذي أجراه الجيش البريطاني في ليفربول، قدر طبيب محلي أن عدد المتقدمين للاختبار في مناطق الفقر المدقع يبلغ 4 في المائة فقط.
لقد أصبح متغير الفيروس ذريعة لتفسير أخطاء الحكومة، لكن هذه الإخفاقات (الحكومية) في احتواء الفيروس، هي التي أسهمت بشكل أساسي في بروز السلالة الحديثة للفيروس في مارغيت.
نقلا عن “اندبندنت عربية”