أوروبا يجب أن تكون قوة مناخية عالمية* بروجيكت سنديكيت
النشرة الدولية –
سيكون مؤتمر المناخ لهذا العام أقل تركيزا على القواعد الجديدة المتعددة الأطراف وأكثر اهتماما بضمان قيام أكبر عدد ممكن من البلدان بتعزيز التزاماتها، فخلال أيام سيناقش وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي كيفية تحديد الاتجاه العام لضمان النجاح في غلاسكو، وكيفية تطوير الدبلوماسية المناخية ودبلوماسية الطاقة لتعزيز الأبعاد الخارجية للصفقة الخضراء الأوروبية.
بكل حماس ولهفة، يراقب العالم طرح لقاحات مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد19) ويتطلع إلى العودة إلى الحياة الطبيعية بعد عام من الإغلاق، ولكن هناك خطر آخر داهم يهدد البشرية ولن نجد له لقاح أبدا: تغير المناخ.
كانت الصور المروعة لحرائق الغابات في كاليفورنيا والفيضانات المدمرة في بنغلاديش نذيرا لنا بما ينتظرنا إذا فشلنا في معالجة الأزمة المناخية، وفي غياب تحرك حاسم، ستتوالى مثل هذه الكوارث بشكل أكثر تكرارا وتدميرا، علاوة على ذلك، يُـعَـد تغير المناخ واحدا من أكبر التحديات الجيوسياسية التي تواجهنا، إذ يتسبب تغير المناخ في استفحال الصراعات من خلال تغذية عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، ويخلق ضغوطا تدفع الناس إلى الهجرة، في حين يؤدي إلى تفاقم الظلم العالمي ويعرض حقوق الإنسان والسلام للخطر، وخصوصا في الدول الهشة.
أوضح العلماء أن تحقيق هدف الحد من ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة- وهو الهدف الذي حدده اتفاق باريس- يعني أن العالم لا يستطيع أن يطلق من ثاني أكسيد الكربون أكثر من 580 غيغا طن أخرى، فهذه هي ميزانيتنا الكربونية إلى الأبد، ومع ذلك بمعدل الانبعاثات العالمية الحالي الذي يبلغ نحو 37 غيغا طن سنويا، سنستنفد ميزانيتنا بحلول عام 2035. لهذا، يتعين علينا أن نعمل على إزالة الكربون دون إبطاء، ولأن درجات الحرارة العالمية ارتفعت بالفعل بنحو 1.1 درجة مئوية، مع ارتفاع درجات الحرارة في العديد من المناطق إلى مستويات أعلى كثيرا، فإن السنوات العشر المقبلة تمثل الفرصة الأخيرة المتاحة لنا لمعالجة المشكلة.
كان الاتحاد الأوروبي رائدا عالميا في هذه القضية لعقود من الزمن، وقد تمسك بطموحاته حتى خلال أزمة كوفيد19، فبين أمور أخرى، أطلق الاتحاد الأوروبي ما أسماه نائب الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية فرانس تيمرمانز بحق “خطة التحفيز الأكثر اخضرارا في العالم”. من خلال الصفقة الخضراء الأوروبية، زاد الاتحاد الأوروبي أيضا هدف خفض الانبعاثات لعام 2030 إلى 55%، والتزم بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
لدعم هذا الجهد، وافقت البلدان الأعضاء على تحويل بنك الاستثمار الأوروبي إلى بنك الاتحاد الأوروبي للمناخ، وكما هو مبين في خريطة طريق بنك المناخ للفترة 2021-2025، تستهدف مجموعة بنك الاستثمار الأوروبي تعبئة تريليون يورو (1.2 تريليون دولار أميركي) للاستثمار في تغير المناخ والاستدامة البيئية خلال الفترة من 2021 إلى 2030. إنه الأول بين بنوك التنمية المتعددة الأطراف في العالم الذي ينظم عملياته بشكل كامل بما يتفق مع اتفاق باريس.
ولكن يتعين على أوروبا أن تعمل على تكميل هذه الجهود الداخلية بسياسة خارجية استباقية، ففي عالم حيث يمثل الاتحاد الأوروبي أقل من 8% من الانبعاثات العالمية، ليس من الجائز أن تكون جهودنا المناخية مقتصرة على قارتنا، فإذا سمحنا بتلبية الطلب المتنامي على الطاقة في إفريقيا وأجزاء من آسيا من خلال بناء المزيد من محطات توليد الطاقة التي تعمل بإحراق الفحم والغاز بتمويل من الصين أو دول أخرى، فسوف يتبخر أي أمل في نجاحنا في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري الكوكبي. يجب أن نعمل على إقناع شركائنا العالميين باعتناق طموحنا، كما يتعين علينا أن ندفعهم إلى- أو نساعدهم على- اتخاذ التدابير اللازمة.
لتحقيق هذه الغاية، ينبغي لأوروبا أن تضع ثِـقَـلَـها الدبلوماسي وراء قضية المناخ، لتصبح قوة عالمية في دبلوماسية المناخ. يجب علينا أن نجمع بين جهودنا المناخية والسياسة الواقعية، مع إدراك الروابط التي لا تقبل الـجِـدال بين الإبداع والتنمية المستدامة، فمن خلال الإبداع والابتكار فقط نستطيع أن نضمن مستقبل أوروبا كقوة قادرة على المنافسة وأن نتصدى لتحدي المناخ داخل حدودنا وخارجها، ومن خلال الإبداع والاستثمار الأخضر فقط يصبح بوسعنا تعزيز المرونة الاقتصادية في إفريقيا وخارجها.
الواقع أن أوروبا تمتلك الأدوات اللازمة لإحداث الفارق عالميا، فباعتباره واحدا من أكبر الأسواق والتكتلات التجارية في العالم، يملك الاتحاد الأوروبي القدرة على وضع القواعد والمعايير التي تحكم استيراد السلع والخدمات، ونحن لدينا بالفعل مجموعة واسعة من الاتفاقيات التجارية والشراكات الاستراتيجية مع بلدان ومناطق في مختلف أنحاء العالم؛ ويُـعَـد الاتحاد الأوروبي وبلدانه الأعضاء المانح الرئيسي على مستوى العالم لمساعدات التنمية والمساعدات الإنسانية.
أخيرا، مع بنك الاستثمار الأوروبي، يملك الاتحاد الأوروبي تحت تصرفه أكبر جهة إقراض متعددة الأطراف.
إن بنك الاستثمار الأوروبي في حاجة ماسة إلى المزيد من القوة المالية، فوفقا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، يستلزم تحقيق الأهداف المناخية وأهداف التنمية المستدامة سد فجوة الاستثمار السنوية التي تقرب من 2.5 تريليون دولار، ولا نستطيع أن نعتمد على القطاع العام وحده في أي مكان، ولكن بشكل خاص في المناطق الأقل نموا، وبوسع بنك الاستثمار الأوروبي، بصفته مؤسسة تمويل عامة ورائدا في مجال السندات الخضراء، أن يؤدي دورا مهما في إعادة توجيه التمويل الخاص نحو مشاريع استثمارية مستدامة على مستوى العالم، وفي ضمان جدوى جميع المشاريع من الناحية الاقتصادية (من خلال خبراته المصرفية والهندسية).
لكي يتسنى له أن يخلف تأثيرا عالميا، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن ينشر بقوة كل الأدوات المتاحة تحت تصرفه. على سبيل المثال، يجب أن يجري تصميما وتنفيذا لكل جهود الاتحاد الأوروبي الحالية لمعالجة الضرر الاجتماعي والاقتصادي الناجم عن كوفيد19 في المناطق المجاورة مع وضع الأجندة المناخية الأوسع في الحسبان.
علاوة على ذلك، ينبغي لبنوك التنمية الأخرى أن تحذو حذو بنك الاستثمار الأوروبي من خلال مواءمة عملياتها مع أهداف باريس، من أجل تأمين مسارات تنمية منخفضة الكربون وقادرة على تحمل تأثيرات تغير المناخ (أو كحد أدنى، تجنب تقويض الانتقال الأخضر).
سيشكل مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP26) الذي من المقرر أن تستضيفه مدينة غلاسكو في شهر نوفمبر علامة بارزة في رفع سقف الطموحات العالمية، وعلى عكس مؤتمرات المناخ السابقة، سيكون مؤتمر هذا العام أقل تركيزا على القواعد الجديدة المتعددة الأطراف وأكثر اهتماما بضمان قيام أكبر عدد ممكن من البلدان- وخصوصاً أكبر البلدان إصدارا للانبعاثات- بتعزيز التزاماتها. خلال أيام سيناقش وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي كيفية تحديد الاتجاه العام لضمان النجاح في غلاسكو، وكيفية تطوير دبلوماسيتنا المناخية ودبلوماسية الطاقة لتعزيز الأبعاد الخارجية للصفقة الخضراء الأوروبية.
يجب أن يكون التعجيل بالعمل المناخي وإدارة انتقال الطاقة في صميم سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية، وفي جوهر عملنا مع الشركاء في مختلف أنحاء العالم، وفي هذا الصدد، نرحب بقرار الرئيس الأميركي جو بايدن بالعودة إلى الانضمام إلى اتفاق باريس في أول يوم له في منصبه، إذ إن ما نفعله اليوم سيحدد المسار لعقود مقبلة، ونحن نعتزم أن نجعل 2021 عاما فارقا حيث تضع أوروبا ثِـقَـلها الدبلوماسي والمالي الكامل وراء الكفاح العالمي ضد تغير المناخ، وعلى حد تعبير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، هذه هي “القضية الفارقة في عصرنا”.
* جوزيب بوريل نائب رئيس المفوضية الأوروبية، وممثل الاتحاد الأوروبي الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، وفيرنر هوير رئيس بنك الاستثمار الأوروبي.