داليا فريفر: جمعت بين كتابة الأغاني والتلحين والغناء وتقديم البرامج التلفزيونية
النشرة الدولية –
استمدّت المطربة والإعلامية داليا فريفر من جبل مريوبا بكسروان في لبنان حيث تسكن، الرسوخ والعزّة والإيمان والهدوء والصبر والأمل والتحدّي. وهو ما تبوح به في حوارها الخاص مع “العرب”.
وأوضحت فريفر لـ”العرب”، أنها ترفض لقب الإعلامية الكفيفة، فهو يعني التنمر والعنصرية، وإلاّ لماذا لا يقال الإعلامية الشقراء أو البيضاء أو السمراء، فالنجاح لا يعترف بالألقاب، لذا حزنت عندما كتبت بعض وسائل الإعلام “فازت الإعلامية الضريرة داليا فريفر بموسوعة غينيس عن أطول بثّ مباشر لبرنامج على الهواء”.
ورغم احترامها لكل صاحب رأي حر، ترفض الإثارة والفضائح من بعض الصحف، وتفضّل وسائل الإعلام المحايدة والأمينة في نقل الحدث، والبعيدة عن الابتذال.
وأكّدت أن هناك صحفا صفراء في لبنان والعالم كله تمثل طعنة في صدر الصحافة الشريفة، تمارس الابتزاز السياسي والفني، ومع أن هذه النوعية الرخيصة أصبحت مكشوفة للقاصي والداني، تمارس الأكاذيب في الكثير من الدول، وتصوّب نيران مدفعيتها تجاه الأبرياء وتتسلّل إلى غرف نوم المشاهير وكشف سوءاتهم.
الفنانة اللبنانية متأثرة بالتينور الإيطالي أندريا بوتشيلي الذي وصل إلى العالمية، على الرغم من فقدانه لبصره الفنانة اللبنانية متأثرة بالتينور الإيطالي أندريا بوتشيلي الذي وصل إلى العالمية، على الرغم من فقدانه لبصره
بدأت رحلة فريفر مع الأمل منذ نعومة أظافرها، عندما كانت تقرض الشعر وتلقيه وهي ابنة السابعة من عمرها، واستمّرت في حضن اللغة العربية حتى الثامنة عشرة، وأصيبت وقتها بتليّف في الشبكية بالعين، وأجريت لها جراحة أدّت إلى إصابتها بالعمى، وهي حادثة كانت كافية بدفعها إلى النفق المظلم في حياتها للأبد.
لكن لم تركن لليأس وأكملت دراستها الثانوية، بعد أن سمحوا لشخص بالكتابة نيابة عنها في الامتحانات لتواصل مشوار تفوّقها الدراسي في علم النفس، ثم دراسة الموسيقى والغناء، وأعلنت أن الإعاقة الأكبر في حياة الإنسان ليست فقدان البصر، إنما الخوف واليأس اللذان يضعانه في كهوف النسيان للأبد.
وأضافت لـ”العرب”، أنها ظنت للحظات أن العمى نهاية الحياة، غير أن نزعتها الإيمانية التي نشأت عليها، منحتها شلالا متدفقا من الأمل، وفي أثناء مراحل دراستها تغلّبت على غياب البصر بتسجيل الدروس وحفظها عن طريق السمع، ثم تنزيل برامج على الكمبيوتر وهاتفها المحمول، ما ساعدها كثيرا في حياتها وعملها.
وعملت على تطوير موهبتها، وتحقيق أحلامها في الغناء والعمل الإعلامي المكثف، ونمّت هواية كتابة الأغاني والتلحين والغناء، وشاركت في مسابقة إذاعة صوت لبنان عن أفضل حوار إذاعي، وفازت بالمركز الثاني من بين 500 متسابق ومتسابقة.
بدأت فريفر مشوارها كمقدّمة برامج في الإذاعة والتلفزيون اللبناني ونجحت في العديد من البرامج، منها “الهواء هواك” و”إيدك في إيدي” الذي تبنّت من خلاله قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة، ورأت أن حقّهم مهضوم، وكل القوانين التي تمنحهم الحق في حياة كريمة لم تطبّق في العمل أو الصحة أو التعليم.
حاولت عبر برامجها منحهم جزءا من حقوقهم البسيطة في الحياة، كأن يقوموا بزيارة أماكن معينة أو يلتقون بأشخاص بعينهم، أو يمتطون الدبابات والمروحيات، وهو ما نفّذته بالتعاون مع قيادات بالجيش اللبناني.
لم يغب عن ذهن داليا البحث عن النجاح، ولم تكتف بتفوّقها كمقدّمة برامج هادفة، بل تحدّت ذاتها عندما أجرت على الهواء 91 حوارا لمدة 24 ساعة متواصلة مع شخصيات لبنانية مختلفة، في مجالات الطب والهندسة والفن والسياسة دون انقطاع، ما جعلها تدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية من أوسع أبوابها.
وأشارت فريفر لـ”العرب”، إلى أن وقوفها على جبهة العمل الإعلامي جعلها تهتم بتثقيف ذاتها من خلال البرامج التكنولوجية المتقدّمة، وتتابع باستمرار التطوّرات في المجال الإعلامي بأنواعه المختلفة، كي تتمكّن من مواكبة الجديد لتقدّمه في برامجها، وأحدثها “حبة حب” على قناة “أو.تي.في” اللبنانية.
وقدّمت في هذا البرنامج العشرات من المواهب من ذوي الاحتياجات الخاصة، واختارت اسمه لتشبّه الحب بالزرع الذي يكبر وينمو ويثمر نجاحا وألفة بين القلوب. ترفض فريفر، الخروج عن الرسالة الحقيقية للإعلام، وهي غرس القيم والمبادئ في قلوب المشاهدين، وحل مشكلاتهم وتثقيفهم، وتقديم الوجه الحضاري والثقافي لبلدها.
ولا تخفي شغفها بالإعلامية الأميركية أوبرا وينفري، لجرأتها وواقعيتها وصدقها وثقافتها الواسعة، وتقتدي بها في تقديم برامج المنوعات، ويمتدّ طموحها للعمل كممثلة، فهي تشعر أن بداخلها طاقات فنية كبيرة، كما لديها طاقات أخرى تؤهلّها للمشاركة في العمل السياسي بجانب الاجتماعي، وقريبا ربما نقرأ عن عزمها خوض الانتخابات التشريعية في بلدها لبنان.
وتمكّنت فريفر من تحدّي إعاقتها، وخاضت تجربة الغوص في أعماق البحار بمساعدة مدرب غوص، ورأت بقلبها الشعاب المرجانية والأسماك، لتؤكّد أن ذوي الاحتياجات الخاصة أو الأبطال، كما يحلو لها أن تسميهم، قادرون على فعل ما لا يفعله الأصحاء أنفسهم. وجاءت هذه القدرة التي تتحلّى بها الإعلامية اللبنانية من تمسكها بالحياة في الجبل، حيث الهدوء والسكينة والصبر والجلد والإصرار، ما يمنحها الأمل باستمرار.
مع غنائها للترانيم الخاصة بالكنيسة، غنت فريفر أغاني عاطفية وقومية، منها “خلي الأمل أكبر”، والتي قدّمتها لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة أيضا، ولقيت استحسانا وثناء على موهبتها وجسارتها وتحدّيها للصعاب، ما شجّعها على إعداد أغنية جديدة بعنوان “قالوا الفرح ممنوع”، تخاطب من خلالها العالم لتشجيع ذوي الاحتياجات الخاصة وعدم الاتجار بعاهاتهم.
وإثر انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020، طرحت الفنانة اللبنانية أغنية وطنية مصوّرة بعنوان “بيروت” من كلمات الشاعر إلياس خليل وألحان وتوزيع وتسجيل مارون أبوديوان وإخراج إلياس فريفر، تضامنا مع العاصمة بيروت التي لا تموت، كما يقول مطلع الأغنية الذي جاء “قلب الدّني حجَّر.. والمرفأ تفجَّر.. وعيالنا هجَّر.. الأبطال ما بتموت.. بيروت يا بيروت”.
الإعاقة الأكبر في حياة الإنسان ليست فقدان البصر، إنما الخوف واليأس اللذان يضعانه في كهوف النسيان للأبد الإعاقة الأكبر في حياة الإنسان ليست فقدان البصر، إنما الخوف واليأس اللذان يضعانه في كهوف النسيان للأبد
وكشفت داليا، أن مثلها الأعلى في الحياة القديسة رفقا، التي فقدت بصرها وتحدّت الظلام وحقّقت نجاحا في حياتها، وعلى المستوى الفني العالمي أندريا بوتشيلي الذي وصل إلى العالمية، على الرغم من فقدانه لبصره.
وقالت فريفر في حوارها مع “العرب”، أنها تتمنى لو يرتدّ إليها بصرها لتتمكّن من مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة بصورة أكبر، وتمسح دموع الأيتام منهم، وتشجّع المتفوّقين بالمزيد من نظرات الإعجاب، لكنها مكتفية حاليا بإعجاب قلبها بهم، وراضية بابتسامة القلوب التي تلتقي بها وتصفها بصفات كثيرة محببة لها، مثل “الجميلة” و”المتصالحة مع ذاتها”، وممتنة لمن يثنون على برامجها الإنسانية، وأزيائها المتناسقة المحتشمة، وماكياجها البسيط.
ارتدت فريفر ثوب زفاف ذات مرة، فظنّ البعض أنها تزوّجت، وقدّموا لها التهاني، لكنها نفت خبر الزواج، وأن صورتها على صفحتها الرسمية بفيسبوك ليست سوى صورة من برنامج “حبة حب”.
وقالت لـ”العرب”، “ربما لن أتزوّج أبدا، ليس لأني فاقدة للبصر، فالكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة يتزوّجون، إنما لأنّي مررت بتجارب حب لم تكلّل بالزواج، وربما أتزوّج لو وجدت شخصا مثقفا متفهما يحترم عملي وإرادتي، ولا يرى في إعاقتي مانعا للزواج، ويصبح هو نور عيني الذي أرى به الدنيا”.
وفريفر كامرأة لا ينقصها شيء للزواج، فهي تملك الأنوثة والشكل الجميل، وتستطيع أداء الواجبات المنزلية على أكمل وجه، وتتمتّع بالصبر، كأهم صفة لمواجهة أمواج الحياة الزوجية العاتية، وتتسلّح بفريق من الأقارب والأصدقاء والجيران يهتمون بأمرها ويكملون النقص في حياتها، فهذه جارة تقوم بعمل الماكياج لها، وأخرى تختار لها الأزياء، وتلك تنتقي ما يلزمها من إكسسوارات للظهور على الشاشة.
ويبدو السلام الداخلي والتصالح مع الذات أهم صفة تميّز داليا فريفر، وقد منحها القدر ميزة الدفء الأسري والترابط العائلي، فكان أهلها وأقاربها وجيرانها عيونا كثيرة تبصر بها حياتها وتمنحها المزيد من الطاقة الإيجابية، التي تفيض عنها وتوزّعها على من حولها، لتصبح أكثر من سيدة في امرأة واحدة.