البرلمان التونسي يوافق على تعديل وزاري عمق الخلاف السياسي… والشارع يكشر عن أنيابه في وجه الحكومة والنواب
النشرة الدولية –
غضب تحت قبة البرلمان، وجلسة صاخبة تخللها كثير من الصدامات بين نواب ورؤساء كتل برلمانية، بينما يدعم رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي رئيس الحكومة هشام المشيشي، والتحوير الوزاري الذي أقرّه وأثار حفيظة كثيرين، جراء اتهام أربعة وزراء جدد بقضايا فساد وتضارب مصالح. في المقابل، تحولت الشوارع المحاذية لمقر المجلس إلى ثكنة عسكرية بسبب الانتشار الأمني المكثف الذي أغلق كل الطرق المؤدية إليه بالمدرعات ومئات من رجال الشرطة ووحدات مكافحة الشغب، وعلى الرغم من كل الاحتياطات الأمنية، نجح مئات المتظاهرين الغاضبين في الوصول إلى مقربة من مقر المجلس، ورفعوا شعارات ضد رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، مطالبين بإسقاط الحكومة وحل مجلس النواب.
وفي وقت لاحق منعت الشرطة أيضاً الدخول لشارع الحبيب بورقيبة لدى محاولة المحتجين الاحتشاد هناك. وتقع في هذا الشارع الرئيسي بالعاصمة التونسية وزارة الداخلية وتُنظم فيه عادة مظاهرات كبرى.
ووافق البرلمان على تعديل وزاري مثير للجدل عمق الخلاف السياسي بين الرئيس ورئيس الوزراء، وذلك في نهاية اليوم الذي شهد مظاهرات خارج مقر البرلمان المحاط بحواجز كثيرة وبمئات من قوات الشرطة احتجاجاً على الظلم الاجتماعي وتفشي البطالة وعنف الشرطة.
وشمل التعديل الذي نال موافقة البرلمان 11 وزيراً من بينهم وزراء جدد للعدل والداخلية والصحة بعد أن استبعد رئيس الحكومة وزراء مقربين من الرئيس قيس سعيد.
وقال المشيشي في خطاب “الشباب المحتج خارج البرلمان يذكرنا بأولوياتنا… احتجاجاته شرعية… الحكومة ستصغي للشباب الغاضب”.
مجلس النواب الذي عقد جلسة صاخبة بدأت باحتجاجات عدد من النواب على فرض طوق أمني كبير عطّل وصولهم إلى المجلس، إذ طالب عدد منهم رئيس الحكومة ووزير الداخلية بسحب الطوق الأمني، والسماح للنواب بالوصول إلى المجلس، ومعبرين عن حق المتظاهرين في التعبير عن مطالبهم بكل سلمية.
الجلسة التي تعطلت مرات عدة، شهدت أيضاً مناوشات وصلت حد الصراخ والشتائم بين نواب يؤيدون الحكومة ومعارضيها، واستمرت في انتظار انتهاء مداخلات النواب قبل عرضها على التصويت لنيل الثقة التي ستنالها بسهولة، جراء مساندتها من حزام سياسي يضم “حركة النهضة” و”حزب قلب تونس” و”ائتلاف الكرامة” و”كتلة الإصلاح”، مما يضمن لها بسهولة نيل 109 أصوات، وهو العدد المطلوب لنيل ثقة المجلس، الذي اعتبرت الصحافية ضحى طليق، “أنه يأتي على الرغم من جملة التحركات التي عرفتها تونس أخيراً، وكانت مجرد تحركات شبابية من الأحياء الفقيرة المحيطة بالعاصمة، وتوسعت لتصبح تحركات منظمة تدعو إليها عشرات المنظمات في المجتمع المدني، وهي تحركات أعطت الشرعية للشارع التونسي الذي عبر عن رفضه سياسات الحكومة، وبذلك تصبح الأخيرة، حتى ولو حظيت بنيل ثقة البرلمان، فاقدة لشرعية الشارع”. وأضافت، “الشباب والمواطنون الذين تجمّعوا اليوم قرب مقر البرلمان لم يؤكدوا فقط رفضهم الحكومة، بل نزعوا الصفة التمثيلية عن معظم نواب البرلمان الذين صوتوا لهم، معتبرين أنهم لم يوفوا بوعدهم لناخبيهم”.
الغضب الشعبي الذي جسدته التحركات في مناطق مختلفة من العاصمة تونس ومدن أخرى عدة، جاء بعد كلمة ألقاها الرئيس قيس سعيد، الإثنين، في مجلس الأمن القومي، عبّر فيها عن رفضه القبول بوجود وزراء تحوم حولهم شبهات فساد وتضارب مصالح، الأمر الذي أسهم في زيادة حال الاحتقان الذي تعيشه البلاد جراء تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وفشل تعاطي الحكومة في التصدي لجائحة كورونا وتوفير اللقاحات للمواطنين، والتي وصفها النائب السابق في المجلس عبدالعزيز القطي بأنها حكومة فاشلة، “وما يجري اليوم تحرك ضد العبث السياسي والأخلاقي والقيمي، والشعب التونسي سيرفع صوته عالياً من أجل فرض التغيير في المشهد السياسي”، واصفاً الحكومة بأنها فاسدة وعمرها سيكون قصيراً، لأنها بلا شرعية أخلاقية.
الشعارات التي رفعها المحتجون على بعد مئات الأمتار من مقر مجلس النواب، كانت موجهة بالأساس ضد رئيس الحكومة وتطالب باستقالته، وضد مجلس النواب ورئيسه، مطالبة بحلّ المجلس، وداعين رجال الأمن إلى فتح الطرقات أمامهم باعتبار التظاهر حقاً يضمنه الدستور، وهو ما اعتبره الإعلامي معز حسن رسالة واضحة من دون لبس إلى الطبقة السياسية القابضة على زمام الحكم، التي أعطت درساً للجماهير في الرجوع لمنظومة الاستبداد والقمع، ومحاولات إغلاق جميع الأفواه، ولكن الشعب ملّ وقال “كفى”، والمعالجة الأمنية للاحتجاجات الشعبية تعمق الجرح وتطيل عمر الأزمة، لكنهم راحلون مهما فعلوا.
المظاهرات التي شهدها محيط مجلس النواب شارك فيها عدد ممن غادروا جلسة منح الثقة، والتحقوا بصفوف المتظاهرين، حيث شاركتهم النائب عن التيار الديمقراطي المعارض سامية عبو، وقالت إنها “تقف مع الجماهير في مواجهة محاولة استعمال قوات الأمن لقمعهم”، وأشارت إلى أن رئيس الحكومة بدل أن يستمع للشباب ويتفهم مطالبهم، يريد إخافة الناس بعصا الأمن، وهي ليست لغة للحوار الديمقراطي.
وأضافت عبو أن من “يتظاهر أمام مجلس نواب الشعب هم أبناء الوطن الذي يعيشون ظروفاً صعبة ووجعهم نتقاسمه معهم، وبدل أن يستمع النواب لصوت الجماهير، يحتمي داخل المجلس مجموعة من المتآمرين الذين لا تهمهم غير مصالحهم الضيقة، وهؤلاء لا يؤتمنون على مستقبل تونس، ورئيس الحكومة الذي أتى لنيل الثقة يحق للشعب أن يسأله: أي ثقة تريد وأنت تحاصر المجلس بالمدرعات وتمنع حق التظاهر السلمي؟”.
وتبقى الأنظار متجهة لجلسة مجلس النواب، في انتظار منح الحكومة الثقة من عدمها، وسط قطيعة شبه كاملة بين النواب والشارع المطالب بمحاكمة الفاسدين، وبين مصالح حزبية وسياسية تطبّع مع الفساد وتشرّعه، الأمر الذي يهدد بمزيد من تعميق الأزمة بين الحكم والشارع الذي يعاني آثار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وفشل إيجاد حلول لمواجهة جائحة كورونا، مما ينذر بشتاء وربيع ساخنين في تونس.