كيف نعالج الأزمة الثلاثية للدول الضعيفة؟* بروجيكت سنديكيت

النشرة الدولية –

يمكن للعالم أن يخرج من الأزمات الصحية والاقتصادية والمناخية المترابطة أقوى مما كان عليه من قبل، لكن النجاح سيتطلب إجراءات جريئة وعاجلة وبعيدة النظر، وستكون قمة التكيف مع المناخ القادمة ومؤتمر المناخ (كوب 26) الذي سيعقد في نوفمبر، في غلاسكو، بمثابة نقاط تفتيش مهمة للمجتمع الدولي.

 

لقد غيّر عام 2020 كل شيء، فالعالم يواجه الآن أزمات صحية واقتصادية ومناخية مترابطة لم يشهد التاريخ مثيلا لها، وتؤثر هذه التهديدات المتقاربة على الجميع، إلا أنها تدمر البلدان النامية الضعيفة بصورة خاصة.

 

والمأساة هي أن هذه البلدان لا تكاد تتلقى القليل من الدعم العام المباشر لبناء قدرتها على مقاومة تغير المناخ، كما أن المساعدة الإنمائية تُقلَّص بدلاً من أن تقدم على نطاق واسع، وأشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، في قمة الأمم المتحدة الأخيرة بشأن المناخ، أن البلدان المتقدمة ليست على المسار الصحيح للوفاء بالتزامها بتقديم 100 مليار دولار سنوياً لدعم جهود المناخ في البلدان النامية.

 

ويجب على المجتمع الدولي، الآن، إبداء تضامنه مع البلدان الضعيفة، ومساعدتها في تحمل ما تواجهه من تهديدات، فالقيام بذلك يصب في مصلحة الجميع، لأن تأثيرات تغير المناخ ووباء كوفيد19، والصدمات الاقتصادية، ليس لها حدود جغرافية.

 

وفي عام 2020 فقط، كان أكثر من 50 مليون شخص يعانون من تداعيات الكوارث الناجمة عن المناخ، ويواجهون الوباء والأزمة الاقتصادية في الوقت نفسه، فقد خلفت هذه الكوارث آثارا جسيمة، إذ ضربت أعاصير التيفون والأعاصير الحلزونية مدن جنوب شرق آسيا، ودمرت موجات الجفاف الشديدة المزارعين في إفريقيا، وبحلول نهاية عام 2021، قد يدفع الوباء 150 مليون شخص إضافي في العالم إلى وهدة الفقر المدقع.

 

ويُظهر البحث الذي أجرته اللجنة العالمية للتكيف مع المناخ أن كل دولار يُستثمر في مقاومة المناخ يولد ما يصل إلى 10 دولارات من الفوائد الاقتصادية الصافية، ويمكن أن يمنح هذا الإنفاق البلدان الضعيفة دفعة اقتصادية عاجلة خلال أزمة كوفيد19، وأن يحدث تحسينا في مستوى عيش الناس.

 

وتعمل العديد من هذه الدول، بما في ذلك بنغلاديش وفيجي بالفعل على بناء قدرتها على مواجهة التهديدات المناخية، لكنها بحاجة إلى المزيد من الدعم الدولي لتواجه التحدي على أكمل وجه، لذلك، يجب على قادة العالم أن يكثفوا جهودهم من خلال زيادة الاستثمار، والاستثمار في وقت مبكر، والاستثمار محليا.

 

وعلى الرغم من أن صانعي السياسات قد خصصوا حتى الآن 13 تريليون دولار من أجل الانتعاش الاقتصادي، إلا أن حصة صغيرة جدا من هذا المبلغ أنفقتها البلدان النامية المنخفضة الدخل، وتمكنت هذه الاقتصادات من تخصيص 2٪ فقط من ناتجها المحلي الإجمالي للاستجابة لوباء كوفيد19 وتدابير التعافي منه، في حين أنفقت الاقتصادات الأشد ثراء ما متوسطه 8.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي.

 

وفي الوقت نفسه، ستصل تكلفة مساعدة البلدان النامية على التكيف مع تغير المناخ إلى ما يقدر بنحو 140-300 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030، وهو جزء ضئيل مما أنفِق على جهود التعافي العالمية من فيروس كورونا.

 

ولسنا في وقت يسمح للدول الغنية أن تكون بخيلة، فقد أظهر التاريخ أنه عندما تندلع الأزمات، يمكن للحكومات توفير المزيد من الموارد دون تأجيج التضخم، فبعد الأزمة المالية لعام 2008، على سبيل المثال، كانت البلدان التي عانت عمدا من عجز كبير في الميزانية، مثل الولايات المتحدة والصين، أفضل حالا من تلك التي قلصت الإنفاق، وتؤكد العديد من الدراسات هذا التأثير الاقتصادي الإيجابي.

 

وفضلا عن ذلك، كلما أسرع المجتمع الدولي في العمل، كان ذلك أفضل بالنسبة لنا، فقد أوضحت جائحة كوفيد19 كل الوضوح، أن الاستثمار في الاستعدادات اليوم أفضل وأقل تكلفة من انتظار اندلاع الأزمة المقبلة، ويمكن للاستثمارات في مقاومة تغير المناخ أن تخفف الخسائر المستقبلية الناجمة عن العواصف، والفيضانات، والجفاف، مع خلق فرص اقتصادية، وتعزيز الرفاهية الاجتماعية.

 

فعلى سبيل المثال، يمكن أن تؤدي عملية تعزيز مقاومة البنية التحتية لتغير المناخ إلى زيادة التكاليف الأولية للمشروع بنحو 3٪، لكنها ستعود بفائدة أكبر أربع مرات، كذلك، يمكن للاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر أن ينقذ أرواحا وأصولًا لا حصر لها. إن إنفاق 800 مليون دولار على مثل هذه الأنظمة في البلدان النامية يمكن أن يمنع خسائر تتراوح بين 3 و16 مليار دولار في السنة.

 

وقد شهدت بنغلاديش فوائد مثل هذا العمل المبكر بصورة مباشرة. إذ استثمرت البلاد بكثافة في تحسين أنظمة الإنذار المبكر، والاستجابة للكوارث في العقود التي أعقبت إعصار بولا، الذي قتل 300 ألف شخص في عام 1970، وعلى الرغم من أن كل حالة وفاة ناجمة عن كارثة طبيعية هي مأساة، خلف إعصار أمفان، وهي عاصفة بنفس قوة بولا ضربت بنغلاديش في مايو 2020، عشرات القتلى.

 

وأخيرا، عند تنفيذ هذه الاستثمارات، يجب على الحكومات ضمان وصول التمويل إلى المستوى المحلي، إذ تقف المجتمعات المحلية على الخطوط الأمامية في التصدي لكوفيد19 وأزمات المناخ، ولكن نادرا ما يكون لها صوت في أكثر التدخلات تأثيرا عليها. ويشكل التمويل المباشر للجهات الفاعلة المحلية والوطنية 2.1٪ فقط من إجمالي المساعدة الإنسانية الدولية في عام 2019.

 

وعلى غرار تدابير المقاومة الأخرى، يوفر الاستثمار في المجتمعات المحلية فوائد متعددة تتجاوز مجرد معالجة مخاطر المناخ، ففي كينيا، أدى برنامج حكومي يهدف إلى تمكين الحكومات والمجتمعات المحلية من تعزيز القدرة على مقاومة تغير المناخ إلى زيادة قدرة الأسر على الحصول على المياه، وزيادة الدخل، وتحسين الأمن الغذائي.

 

وتوجد العديد من الحلول للحصول على التمويل على المستوى المحلي، ففي عام 2019، أنشأت لجنة بنغلاديش للنهوض بالريف صندوق جسر المناخ في بنغلاديش لمساعدة المنظمات غير الربحية المحلية في المجتمعات المتأثرة بتغير المناخ، في الحصول على مزيد من التمويل، ويساعد البرنامج في تحقيق مشاريع مقاوِمة لتغير المناخ بقيادة محلية- مثل تحديث البنية التحتية في الأحياء الفقيرة بالمدينة لمقاومة العواصف والفيضانات- والتي قد يتم تجاهلها لصالح المبادرات البارزة.

 

ويمكن للعالم أن يخرج من الأزمات الصحية والاقتصادية والمناخية المترابطة أقوى مما كان عليه من قبل، لكن النجاح سيتطلب إجراءات جريئة وعاجلة وبعيدة النظر، وستكون قمة التكيف مع المناخ القادمة ومؤتمر المناخ COP26 (كوب 26) الذي سيعقد في نوفمبر، في غلاسكو، بمثابة نقاط تفتيش مهمة للمجتمع الدولي، ولكن لا يمكننا الانتظار حتى ذلك الحين للمضي قدما في تدابير التكيف مع المناخ؛ بل يجب على قادة العالم اليوم العمل لضمان انتعاش دائم ومنصف يدعم السكان الأشد ضعفا.

 

* مانيش بابنا نائب الرئيس التنفيذي والمدير العام لمعهد الموارد العالمية، ومحمد موسى المدير التنفيذي للجنة بنغلاديش الدولية للنهوض بالريف، وهو عضو في اللجنة العالمية للتكيف مع المناخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى