يحدث في تونس: رئيسا الحكومة والبرلمان «ضد» رئيس الجمهورية* محمد خروب
النشرة الدولية –
تعيش تونس في ذكرى ثورتها العاشرة حالاً غير مسبوقة من التوتر والتراشق الكلامي والضربات «المُوجعة» تحت الحزام, ما يُعرض شعار «تصحيح مسار الثورة» الذي دعا إليه الرئيس قيس سعيّد إلى خطر حقيقي, من تحالف رئيس البرلمان/رئيس حركة النهضة الإسلاموية راشد الغنوشي ورئيس الحكومة هشام المشيشي. الأمر الذي تجلّى ليس فقط بحصول أحد عشر وزيراً جديداً دخلوا حكومة المشيشي في تعديل وزاري مثير للجدل, لاقى نقداً لاذعاً من قبل رئيس الجمهورية الذي قال أمام مجلس الأمن القومي: إن ثلاثة من هؤلاء الوزراء تدور حولهم شبهات فساد, وأنه «يرفض» أن يقسموا يمين الولاء أمامه، بل وأيضاً في الإنتقاد المُبطَّن واللاذع الذي وجهه رئيس الحكومة لرئيس الجمهورية, وشاركه في الكلمات والمصطلحات رئيس الكتلة البرلمانية لحركة النهضة عماد الخميري, اللذين اتّهما سعيّد (دون أن يُسميّاه) بالشعبوية وإطلاق الشعارات الفضفاضة وخداع الشباب بالخطابات الوهمية والوعود غير الواقعية، بل ذهب نواب في كتل برلمانية أخرى للغمز من قناة الرئيس سعيّد, ووصف ما يصرح به ويقوله بأنه «زجّ لمؤسسة الرئاسة في الاختصاص الدستوري للبرلمان والحكومة», حدّ اتهامه بانه بات كرئيس كتلة برلمانية أكثر منه رئيساً للجمهورية. ما يعزز الاعتقاد بأن رئيس الجمهورية المُنتخّب بات في دائرة الإستهداف من قوى سياسية وحزبية, تروم تحجيم دوره والإبقاء عليه مجرد ديكور رئاسي محدود الصلاحيات, مُستفيدة (تلك القوى التي باتت ترى في الاحتجاجات الشعبية المتواصلة متزايدة الزخم) من مواد الدستور الذي صاغته بدهاء وخبث حركة النهضة, بهدف السيطرة على السلطة التشريعية وبالتالي التحكّم في خيارات ومسارات السلطة التنفيذية, على النحو الذي شهِدناه بتحالف برلماني تقوده حركة النهضة وخصوصاً رئيسها الغنوشي, الذي يرفض أي تعديل للدستور يمنح رئيس الجمهورية مزيداً من الصلاحيات, بذريعة مُتهافتة وهو أن التوانسة «لا يريدون استنساخ تجربة نظام بن علي.. الرئاسي»..فيما الحقيقة غير ذلك تماماً, حيث تظن النهضة أنها قادرة على لجم الحراك الشعبي الراهن, وتحسين مواقعها الشعبية التي تضررت كثيراً. ليس بعد افتضاح خطابها التعبوي وسقوط «منظومة» الاخوان المسلمين في أكثر من بلد عربي, جراء مواقِفها المشبوهة ومقارباتها الإنتهازية من التطبيع مع العدو الصهيوني, بل وأيضاً في تهديدها بانزال مناصريها إلى الشارع مساندة للقوى الأمنية التي اشتبكت مع المتظاهرين. ما عكس من بين أمور أخرى رُعب النهضة من مُجرّد احتمال إجراء انتخابات برلمانية مبكرة, يدرك قادتها انها لن تكون في صالحهم بل ربما تطيحهم وتشطب الأغلبية المُتراجِعة التي حازوها في مجلس النواب منذ نجاح «ثورة جانفي».
الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس خطير جداً, والغضب الشعبي المتعاظم يُنذر بمواجهات يصعب التكهّن بالمدى الذي تصل إليه. ناهيك عن التوتر المتصاعد بين قوى السلطة (تحالف النهضة وشركائها) وقوى المعارَضة, التي تبدو مُصرَّة على مُواصلة الضغط لـ”تصحيح مسار الثورة» ورفض استمرار ما يجري الآن من صفقات مشبوهة, بين القوى.. التي من غير المغامرة وَصفها بـ«قوى الثورة المُضادة».