الحماس للقاح يفسح المجال لنزاعات الدول والكآبة* ليونيل لورانت
النشرة الدولية –
مر شهر منذ أن منح الاتحاد الأوروبي موافقته الأولى على لقاح (كوفيد – 19)، غير أن تلك الحماسة تراجعت لتحل محلها الكآبة.
تركت البداية المتوترة المواطنين في فرنسا غاضبين مع تسابق إسرائيل الدولة الصغيرة وبريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي للوصول إلى اللقاح. فقد سارت ألمانيا بمفردها فعلياً، حيث حصلت على المزيد من الجرعات للالتفاف حول اتفاق مشترك مع الاتحاد الأوروبي علق السياسيون الألمان عيوبه على الفرنسيين. وتعرض مسؤولو الاتحاد الأوروبي لانتقادات شديدة بسبب طريقة تعاملهم مع هذه العملية، حيث طاردوا المصنعين وهددوا بالحد من صادرات اللقاحات إذا لم تصل الطلبات من الخارج في الوقت المحدد.
فمع وجود عدد محدود من اللقاحات في السوق، فإن الخوف من أزمة الإمدادات يحتل المرتبة الأولى في الأذهان، كما أن المعارك بين الدول التي حدثت العام الماضي حول الأقنعة وأجهزة التهوية تعود إلى الظهور. فأولئك الذين يفتقرون إلى الجرعات مستعدون لخوض معارك في مواجهة الدول التي تمتلكها.
ما يجري هو تحول محبط للأحداث تنبأ به توماس بوليكي، مدير إدارة الصحة العالمية بمجلس العلاقات الخارجية، الذي حذر من أننا نتجه إلى هذا النوع من خلافات «أنا أولاً». ففي مقال نُشر في يوليو (تموز) في مجلة «فورين أفيرز»، توقع بوليكي مزيجاً من التباهي الوطني والضغط الصحي من شأنه أن يؤدي إلى الاكتناز واتخاذ تدابير انتقامية قد تؤخر نهاية الوباء.
فرغم أن أوروبا وأميركا وكندا بدت في البداية أكثر دلالاً للاختيار من قبل الطامحين للقاح، فقد حدث تأخير وإخفاق في التوريد، مما جعل عبء التوريد أثقل، بما في ذلك تلك التي تنتجها شركتا «فايزر» و«أسترا زينيكا»، كما أن ذلك يخاطر بتوسيع الفجوة مع إمدادات اللقاحات في دول العالم النامي.
وقد خلق ذلك «معضلة السجين»، حيث يرفض الفاعلون العقلانيون التعاون مع بعضهم البعض حتى عندما يكون ذلك في مصلحتهم. وبدلاً من الموازنة بين أولويات التلقيح المحلية وتقاسم الجرعات في الخارج، يتزايد الإغراء بتخزينها.
هذا هو الجانب المحبط في الأمر. لكن على الرغم من سوء ذلك، فهناك جانب مضيء واضح هو أن هناك أشياء يمكننا القيام بها للتغلب عليها.
وفقاً لبوليكي، يجب أن يكون الهدف المباشر هو زيادة إمدادات اللقاح، وتوسيع خطوط التصنيع الحالية. يحدث ذلك بالفعل على فترات متقطعة، وقد تعهدت شركات الأدوية بالعمل والتعاون معاً حيث وافقت شركة «سانوفي» الفرنسية على تعبئة وتغليف لقاح «فايزر» لإمداد الاتحاد الأوروبي.
وتشمل التطورات المشجعة التراجع عن قرار الولايات المتحدة بترك منظمة الصحة العالمية»والانضمام الى مبادرة «كوفيكس» لتوزيع اللقاحات بشكل عادل. ويجب أن تلعب مجموعة السبع ومجموعة العشرين دوراً أيضاً.
على الرغم من قبح «الحمائية»، فإن لها جانباً إيجابياً؛ فكلما اشتعلت هذه المشاحنات، زاد عدد البلدان التي تتعاضد في حالات الطوارئ الصحية. يتعلق الخلاف بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بلقاح تم تطويره بالشراكة مع جامعة أكسفورد بواسطة شركة «زينيكا» الأنغلو سويدية. فمن الواضح أن هناك حافزاً لهؤلاء الشركاء التجاريين المقربين للخروج من الوباء بشكل متزامن والحفاظ على العلاقات سلسة قدر الإمكان حتى ذلك الحين. وعلى الرغم من صخب التهديد الذي يمثله الاتحاد الأوروبي بالحد من صادرات اللقاحات، فإنه تذكير للمملكة المتحدة بأن تبادل الجرعات قد يأتي باستجابات سريعة، وسيكون من مصلحة الاتحاد الأوروبي رد أي جميل في المستقبل.
يعد درس المعاملة بالمثل درساً قيماً في هذه المرحلة من «كوفيد – 19»، حيث يقارن بوليكي الانتشار غير العادل للقاحات بأقنعة الأكسجين التي تهبط من سقف الطائرة على ركاب مقصورة الدرجة الأولى فقط دون غيرهم. ويتمثل التحدي في العثور على الحوافز التي تجعل من مصلحة الجميع أن تسقط الأقنعة في كل مكان بالطائرة. عندها فقط يمكن للقاح الدولي أن يتغلب على صيغته الأنانية والأقل خيرية.
جريدة الشرق الأوسط بالاتفاق مع «بلومبرغ»