ذكرياتي مع فيروز (الجزء العاشر)* رانية مرعي

النشرة الدولية –

نعتقدُ أنّنا نسينا ، فيأتي صوتُها لينبشَ من خزائن الذّكريات أسرارًا معتّقة وحكايات من عمر الحنين..يعيدُ إلينا رعشةَ القلب ووشوشات الأمس..

أتفقّدُ الوجوه الغريبة في كلّ ارتحال ..وحده لم يتغيّر ، ينفضُ عنهُ كلّ قيامةٍ ركامَ الخطايا ، ويقرأ على الحياة وصايا النّور ..

يا ورق الأصفر عم نكبر عم نكبر

الطرقات البيوت عم تكبر عم تكبر

بتخلص الدني وما في غيرك يا وطني

بتضلك طفل صغيّر ..

منذُ كسروا قلبَ أوّل أم .. ومنذُ اغتالوا حلمَ عاشقَين .. ومنذُ احتزّوا عنقَ الوردةِ بجرمِ العطر .. وأنا أسأل نفسي هل يستحقُّ وطني كلّ هذه القسوة ؟

هل وطنُ الحرفِ جاهل ؟

هل وطنُ الإيمان كافر ؟

خبّأتُ كلماتي التي رسمَها مشهدُ الهروب الأوّل من الموت ، وكَبُرَت معي حسرةُ الخوف ..

محرومة من وطني وأنا على أرضه ! أستشيطُ غضبًا كلّما تذكّرْتُ أنّي لم أتعرّفْ إلى أرضي إلّا بعدَ أن قرّروا أن يتوقفوا عن حماقاتهم – وكانوا يدرون ما يفعلون –

 

بحبك يا لبنان يا وطني بحبك

بشمالك بجنوبك بسهلك بحبك

بتسأل شو بني وشو اللي ما بني

بحبك يا لبنان يا وطني ..

 

تأنّقْتُ في أوّل زيارة إلى بيروت لأحضنَ ست الدنيا الجريحة.. استجمعتُ كلّ قوتي لأخفّفَ عنها آلامها..

نسيمُها كان ملطّخًا بالخذلان .. رائحةُ العتاب تفوحُ من كلّ الزوايا .. وجثثُ الأحلام بلا أكفان ..

الدّهشةُ ابتلعّتْ كلّ كلماتي التي حفظتها عن ظهر قلب ..وصوتي خجل من البوح .. وهل من شيء يُقال ؟

 

حكاية بيروت

حكاية الرّصيف التعبان

بالناس وبالحيطان

بيروت الشرايع

منارة الي ضايع

يا زهرة الياقوت ..

 

عُدنا في ذلك اليوم إلى البقاع ..الذّهول عقد لسان حروفي.. وفي نصف الطريق كم تمنّيت العودة لأحملَ معي حفنةً من ترابها ، لأزرعَ فيه ياسمينتي .. فجذورُ بيروت ضاربةٌ في عمق الزمان ..

هل سمعتَ بزمانٍ يموت ؟

في هذه الزيارة التي اختصرت انتظار السنوات في ساعات ، فهمْتُ معنى الوحدة .. بيروت كانت وحيدة ! ليلُها أرق .. وصباحها لهفةٌ على أبنائها العراة الذين دفعوا معها ثمن الجمال ..

 

لا تخافي سالم غفيان مش بردان

نايم ع تلة وبتضل تصلي

ناطر زهر اللوز بنيسان

بقلبه الإيمان

ومغطى بعلم لبنان ..

 

وفي الوقت الذي اعتقدت فيه أنّي كنتُ أواسي بيروت

اكتشفْتُ أنّها ربّتت على كتفِ أحلامي وقلّدَتني الكبرياء ، فعروس المتوسط ما زالت تتقن الأحلام ..

عمّدتني مدينتي بالقوّة ..أوقدَتْ في روحي شعلةَ الجنون واقتنعْتُ أنّ الحبَّ من النظرة الأولى لا تنطفئ جذوته.. وأنا عاشقةٌ بكلّ ما بي من نبض !

 

وطني .. وحياتك وحياة المحبة

شو بني .. عم اكبر وتكبر بقلبي

وأيام لي جايي جايي

فيها الشّمس مخبايي

أنت القوي .. أنت الغني .. وأنت الدني

يا وطني….

 

( يتبع ..)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى