موسم المطالب المختلفة من الرئيس الأميركي* رفيق خوري
النشرة الدولية –
المشهد يتكرر كلما وصل إلى البيت الأبيض ساكن جديد: موسم المطالب والتوقعات والامتحانات يزدهر. لكل بلد في العالم مطلبان من الرئيس الأميركي: واحد للحاكم وآخر لخصومه. كل خبير أو باحث استراتيجي أو فهلوي أو ضارب بالرمل يتحدث عن توقعات حول المتغيرات في اللعب بين الكبار على قمة العالم وفي تلاعبهم بالصغار الضعفاء. وكل صاحب مشكلة مع أميركا أو مع حليف لها يحاول امتحانها بعرض العضلات وتقوية الأوراق التفاوضية، وسط الذين يبلعون ألسنتهم ويقدمون أوراق الاستعداد لعلاقات جيّدة مع الرئيس الجديد. والرئيس يعد ببداية جديدة ومراجعة المواقف السابقة، ويأخذ وقته للالتفات إلى أولوياته الداخلية الملحة قبل سياساته الخارجية.
التقليدي والمتغيّر
سيناريو تقليدي في عالم متغير. تمارين في الانتظار والرهانات، وأحياناً في العبث. من أيام الرئيس روزفلت إلى بدايات الرئيس جو بايدن. أيام الحرب الباردة وصراع الجبارين الأميركي والسوفياتي، وأيام الأحادية الأميركية على قمة العالم، وأيام التراجع الأميركي والصعود الصيني والعودة الروسية في تعددية قطبية في “لا نظام عالمي”. وقبل ذلك في مؤتمر فرساي بعد الحرب العالمية الأولى كان نجم المؤتمر الرئيس الأميركي وودرو ويلسون صاحب” النقاط الـ 14″ و”حق تقرير المصير”. كانت الوفود تطالب بمنحها “حق تقرير المصير”. وفود تمثل شعوباً كانت تحت سيطرة السلطنة العثمانية في الشرق الأوسط، وسيطرة الإمبراطورية المجرية- النمسوية والامبراطورية الألمانية في أوروبا والبلقان. ولم يكن لقاؤه سهلاً كما روى رؤساء وفود من مصر وسوريا ولبنان وسواها. حتى الاقتصادي البريطاني الكبير جون ماينارد كينز، فإنه لم يستطع لقاءه، ووصفه بأنه “غبي متغطرس”. وتذمر منه رئيس الوزراء الفرنسي كليمنصو قائلاً “يضجرني هذا الرجل بنقاطه الـ 14، حتى الله اكتفى بعشر وصايا”.
الجديد القديم
لكن بايدن الساكن الجديد في البيت الأبيض ليس جديداً. فهو عمل فيه على مدى ثماني سنوات كنائب للرئيس باراك أوباما. وكان خلال ثلث قرن في مجلس الشيوخ. وخلال الحملة الانتخابية سخر من نفسه بالقول “الخبر السيء أن الكل يعرفني، والخبر الجيّد أن الكل يعرفني”. فلا منطقة لم يزرها ولا مسؤول لم يقابله. وليس من بين الذين اختارهم في إدارته مَن هو قليل الخبرة أو مجهول الأفكار. الرئيس دونالد ترمب جاء إلى البيت الأبيض بلا خبرة ثم بدأ اتخاذ قرارات عشوائية كل يوم وأحياناً عبر “تويتر”. والرئيس جو بايدن جاء ومعه خطة وخريطة طريق ومواقف واضحة. وهو ليس ترمب بالطبع، لكنه أيضاً ليس أوباما. روسيا تعرف موقفه منها، منذ التقى الرئيس فلاديمير بوتين يوم كان الأخير رئيساً للوزراء، وقال له “أنظر في عينيك فلا أرى روحاً”، في إشارة إلى قول الرئيس جورج بوش الابن أنه نظر في عيني بوتين ورأى روحه وأن الشغل معه ممكن. والصين تعرف مواقفه منها. كذلك إيران وكوريا الشمالية. صحيح أن الشرق الأقصى تقدم على الشرق الأوسط في الاهتمامات الأميركية. لكن الواقع أن قضايا الشرق الأوسط لا تزال تفرض نفسها على واشنطن المشغولة بالصراع والتنافس والتعاون في “المثلث الأميركي- الصيني- الروسي”.
الرهانات العربية
خلال عقود ماضية كانت قضية فلسطين محور الرهانات العربية على سياسة أميركية أقل انحيازاً الى إسرائيل. وكان الاتجاه السائد لدى الأنظمة والنخبة هو تفضيل الرؤساء الجمهوريين، مع أن معظم المحاولات الجدية قام بها الديمقراطيون: جيمي كارتر، بيل كلينتون، وباراك أوباما. أما ترمب، فحاول أن يدفن التسوية و”حل الدولتين” بإعطاء نتنياهو كل شيء مع “صفقة العصر” التي ولِدت ميتة. وأما بايدن، فسيعود إلى “حل الدولتين” كما قال وزير الخارجية أنتوني بلينكين. لكن الموضوع الذي يشغل المنطقة والعالم حالياً هو الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحبت منه أميركا بقرار من ترمب. بايدن يريد العودة إلى الاتفاق، بعد تعديلات ومفاوضات على الحد من تطوير الصواريخ الباليستية والنفوذ الإيراني والتوقف عن “السلوك المزعزع للاستقرار” في الشرق الأوسط. وما يصر عليه هو إشراك العرب وإسرائيل وتوحيد الموقف الأميركي- الأوروبي. لكن كل ما تريده إيران هو وقف العقوبات مقابل عودتها عن تجاوز الاتفاق. وهذا مستحيل.
لو ترشح
عام 2016 كان بايدن هو المرشح الطبيعي المفترض لخلافة أوباما. لكن مايك دونيلون الذي رافقه منذ الثمانينيات وعاش مآسيه العائلية وأحدثها وفاة ابنه بو بالسرطان، تطلع في وجهه وقال له “هذا الوجه الحزين ليس جاهزاً للانتخابات، فلا تترشح”. وهكذا ترشحت هيلاري كلينتون لمنافسة ترمب المجهول، فخسرت لأسباب تتعلق بالمواقف منها ومن زوجها، الرئيس السابق بيل كلينتون. ولو ترشح بايدن لما وصل ترمب وأحدث من الخراب والانقسامات ما يحتاج إلى سنين لإصلاحه داخل أميركا وفي علاقاتها مع العالم وفي قلب الحزب الجمهوري.