د. علا القنطار* القطاع التربوي اللبناني ينازع
النشرة الدولية –
لقد كان لجائحة كورونا نتائج كارثيّة على لبنان كما على مختلف دول العالم اقتصاديّا وصحيّا واجتماعيّا ، ذلك الى جانب التأثير المؤلم على قطاع التعليم حيث تسببت هذه الأزمة في بدايتها بانقطاع ما يقارب 80% من الطلاب الملتحقين بالمدارس على مستوى العالم عن متابعة تعليمهم.
ومنذ حوالي العام تقريبا أدّى خطر انتشار فيروس كورونا في لبنان إلى إغلاق المؤسسات التعليمية في منتصف العام الدراسي 2019-2020، وبالتالي لجأت المدارس الرسمية والخاصة إلى تقنية ” التعليم عن بعد” التي تفاوتت نسب فعاليتها بشكل كبير بين مدرسة واخرى، وبين طلاب الصفّ الواحد حتّى، نظراً لاعتبارها حلّا مؤقّتا، مما أدّى الى التطبيق الاعتباطي للتّعليم الاكتروني في ظلّ الأوضاع الاقتصادية المتفاوتة بين المواطنين وغيرها من الأسباب التي باتت معروفة في لبنان باعتبارها مسلّمات تتربّص بوطننا.
انّ التعليم عبر الانترنت ليس بالعمل السّهل خاصة انّه وضع مستجدّ وغير اعتيادي وانّ جميع الأطراف المعنيّة بالعملية التعليمية- مدراء ومعلّمات ومعلّمون ومتعلّمون- غير مهيّأة له وغير خاضعة للتدريب. فكيف اذا كانت ايضا البيئة غير حاضرة والمقوّمات غير متوفّرة من بنى تحتيّة اضافة الى مشكلة التيار الكهربائي والاتصالات وضعف شبكة الانترنت دون أن ننسى بالطبع مشكلة أدوات تكنولوجيا المعلومات التي تجعل التعلم عن بعد امرا صعبًا للغاية في لبنان.
ولكن ثمّة دافع كبير وراء كلّ عمل منتج ؛ فالمعلّمون يحبّون طلابهم وهم يعرفون أنّ الدفء العاطفي والتعاطف يعزّزان المشاركة والنجاح. خلال هذا الحجر الاجباري ، لاحظنا التزامًا مهنيًّا كبيرًا للمعلمين والذي يعكس التزامًا عاطفيًّا. في الواقع ،حرص المعلمون على الاستمراريّة التربويّة رغم كلّ العقبات والحواجز المستجدّة وبفضل عملهم الشاق وتوجيههم ، تمكّن الطلاب من مواصلة تعلّم أشياء جديدة أثناء إغلاق المدارس رغم عدم التمكّن من تغطية كافة المحاور المطلوبة ولكن هذا ليس بالأمرالمهم اذ انّ معظم مناهجنا يغزوها الحشو وهي اساسا غير ملائمة لاكتساب مهارات العصر الحالي ومواكبة التطوّر العلمي.
ولكن هذه المهمّة تتطلب ،حسب رأي المعلمين والقيّمين على القطاع التّربوي،مزيدًا من العمل والتنظيم حيث انّ هذه التقنية – الدخيلة على النظام التربوي في لبنان – لاقت شكاوى كثيرة من أهالي الطلاب، قبل الطلاب أعينهم، خاصة لجهة عدم جهوزيَّة الدولة على كافة الأصعدة وما تمتلكه من مقوّمات خجولة.
وبالحديث عن تقنية التعليم الاكتروني تكثر العقبات والتحدّيات ومنها ما يواجه المعلّم والمتعلّم والأهل على حدّ سواء.
يواجه المعلّم في التدريس عن بعد تحدّيًا في التطبيق ولكن الأكثر منه في التحضير حيث قد يستغرق الامر يوما كاملا أو أكثر لتحضير هدف واحد خاصة في ظلّ اعتماد المناهج غير التفاعلية والوثائق التقليديّة المرفقة بالكتب المدرسية خاصة أنّه ينبغي تخطيط الشّرح وفقًا لمستوى الطلاب المختلفين في الصفّ الواحد خاصّة لدى الأطفال اذ يواجه بعض الصّغارصعوبة في المتابعة والتركيز المتواصل حيث يبدو من المعقّد للغاية متابعة وفهم كل شيء بالنسبة للأطفال لأنّه من المتعارف عليه انّ الطّفل لا يستطيع التركيز الّا لوقت قصير فكيف اذا كان في المنزل بعيدا عن معلّمته التي لا توفّر جهدا ولا محبّة لمساعدته في اكتساب المعلومة وذلك يكون اسهل بكثير في الصف الحضوري حيث يتم التعلّم بعمل الفريق وتصبح عمليّة التعلّم أسهل بتنوّع الأنشطة وهذا ما نرجو التوصّل اليه في عمليّة التعلّم من بعد ولكن يلزم هنا تدريب الأساتذة بشكل دوريّ وتحوير دور المعلم ليكون مرشدًا وموجّهًا بدلاً من الملقّن، وإعداده وتمكينه من مهارات العصر ليصبح معلّمًا رقميًّا مستقبليًّا.
اضافة الى ذلك، يجب تكييف المناهج المعتمدة للطرق الحديثة وتحويلها الى مناهج رقميّة تفاعليّة أكثر مرونة تحفّز المتعلّم والمعلّم في آن وتجعل العمليّة التعليميّة ملائمة لاحتياجات وقدرات كل طالب على حدة لصنع الفرص الجديدة في مسار التعليم والتعلم وتنمية رأس المال البشري من أجل مواكبة متطلبات سوق العمل.
أمّا الأهل فهم أيضا تجاه مسؤوليّة كبرى فيما يخصّ اولادهم فهم يفضّلون أن يبقى أولادهم في المنزل للحفاظ على صحّتهم ولكنّنا نراهم في معاناة دائمة مع التعليم الاكتروني، حيث تتفاوت الفرص بين عائلة وأخرى ومنطقة وأخرى ان كان لجهة توفّر الأجهزة الالكترونيّة حيث يتوافر هاتف واحد أو اثنان لعائلة مكوّنة مثلا من خمسة أشخاص ويكون المتعلّمون بحاجة لأدوات التكنولوجيا في نفس التوقيت -ونذكر هنا الوضع الاقتصادي الصّعب الذي يلمّ بوطننا- أو لجهة كلفة الاتصال بالانترنت أو انقطاع التيّار الكهربائي حيث تشكو بعض العائلات من ضعف الاتّصال بشبكة الانترنت بينما تستطيع العائلات الأخرى الوصول إلى الانترنت بسرعة عالية، وهو أمر ضروري للاتصال بمنصات التعليم عن بعد. وهذا يطرح مشكلة عدم المساواة الاجتماعية من حيث الوصول إلى المعرفة.
يمكننا أن نقول اليوم أنّ القطاع التربوي في لبنان ينازع وعلينا انقاذه بالتكاتف والتضامن والجهود الجبّارة لنستطيع النهوض به نحو مرحلة جديدة تحاكي التقدّم المستمرّ وتواكب العصر الرقمي!
ولكن هل يمكن تطبيق هذه النقلة النوعيّة في التربية في لبنان بدون ايجاد خطّة تربويّة متكاملة بدءا من تشريع قانون التعليم الالكتروني الى تطبيق خطّة استجابة للوضع التربوي الراهن وتدريب الفريق التعليمي وتأمين المقوّمات البشرية – من فرق متخصصة بالتدريب حيث ان فاقد الشيء لا يعطيه فعلينا اذا الاستعانة باختصاصيين في هذا المجال دون اللجوء الى لجان وأشخاص تمّ تعيينها في موقع القرار فقط لانتماءاتها السياسية – وحلّ المشاكل اللوجستية فيما يخصّ قطاع الاتصالات وشبكة الاتصال بالانترنت خاصّة في المناطق النّائية والتي تعاتي ايضا من انقطاع التيار الكهربائي باستمرار وخاصة في الشتاء؟!
على أمل أن تتّضح الرؤية المستقبلية لوزارة التربية وتنحسر هذه الضبابية في التعامل مع المرحلة التربوية الحرجة للوصول بجيلنا الصّاعد الى برّ الأمان.
رئيسة جمعية التحديث والتطوير التربوي