من الفاخوري إلى عوف إفلات من العقاب، ومسؤولون كبار يخدمون الخارج وليس لبنان!
اكرم كمال سريوي
النشرة الدولية –
الثائر –
لا تسأل الولايات المتحدة عن مواطنيها وجنودها الذين يُقتلون في أكثر من مكان في العالم، من العراق إلى أفغانستان والصومال وسوريا وصولاً إلى أوكرانيا، لكنها جنّدت كل دبلوماسيتها وهددت بفرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين، وحتى على الدولة اللبنانية،، لمجرد توقيف العميل الإسرائيلي عامر الفاخوري، سجّان الخيام الذي ارتكب الفضائع بحق اللبنانيين،، خاصة الذين قاوموا الاحتلال الإسرائيلي، أو حتى الذين تعاطفوا مع المقاومة.
وها هي الإدارة الأمريكية من جديد، أبلغت رسائل إلى القضاة وعدد من المسؤولين اللبنانيين، وهددتهم بفرض عقوبات عليهم، ما لم يتم إخلاء سبيل محمد زياد العوف، بحجة أنه يحمل الجنسية الأمريكية، متناسية أن العوف هو مواطن لبناني، وكان يشغل منصب مسؤول الأمن في مرفأ بيروت، يوم وقع تفجير كارثي تسبب بمقتل ٢١٨ شخصاً وأكثر من ستة آلاف جريح، وخسائر مادية فاقت الملياري دولار، وأن القضاء اللبناني يملك صلاحية شخصية ومكانية بمحاكمته حتى لو كان يحمل الجنسية الأمريكية فالجرم وقع على أرض لبنانية.
من الجدير ذكره أن من بين ضحايا المرفأ، إضافة إلى اللبنانيين، هناك الأمريكي والكندي والأسترالي وغيرهم، ولم تسأل الإدارة الأمريكية عن تحقيق العدالة لهؤلاء، ومحاسبة المذنبين والمقصرين، وفي طليعتهم محمد العوف طبعاً، بل أصدرت الإدارة الأمريكية حكماً مسبقاً بأنه معتقل تعسفياً، وحكمت ببراءته، وضرورة إطلاق سراحه تحت التهديد والوعيد.
التدخل الأمريكي في قضية العوف كما في قضية الفاخوري قبلها، يترك علامات استفهام حول دور هذا الرجل، خلال عدة سنوات كمسؤول عن أمن المرفأ، إضافة إلى طريقة تعيينه الملتبسة، وهو لا علاقة له بأي معرفة أمنية أو عسكرية، فكيف تم تعيينه؟؟؟ ومن فرض ذلك؟؟ولمصلحة من كان يعمل محمد العوف؟؟؟
بعد ١٣ عشر شهراً، استفاق القاضي بيطار، على فتوى أنه محقق عدلي، ولا يمكن رده، وعاد لممارسة عمله وكأن شيئاً لم يكن، فأطلق سراح بدري ضاهر وعدّة موقوفين آخرين، وعيّن مواعيد جلسات الاستماع ل ١٨ شخصاً.
فرد عليه مدعي عام التمييز، متجاوزاً كل الأصول القانونية، التي لا تجيز له إطلاق سراح الأشخاص الذين يتم توقيفهم بقرار من المحقق العدلي، وفي طليعة من أخلى سبيلهم عويدات، كان محمد العوف، الذي غادر فوراً إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
هل يجوز لمدّعي عام التمييز إخلاء سبيل موقوف لدى المحقق العدلي، وأيضا دون منعه من السفر، أو ضمان حضوره جلسات التحقيق؟؟؟ ولماذا تأخر عويدات في إصدار منع السفر بحق العوف؟؟ ومن قام بتهريبه بهذه الطريقة الملتبسة؟؟
أين هم النواب المدافعون عن العدالة، والمطالبون بكشف الحقيقة في جريمة المرفأ؟؟؟ وهل فعلاً محاكمة الوزراء المتهمين بالتقصير الوظيفي، أهم من محاكمة مسؤول أمن المرفأ؟؟؟ أم أنهم لا يجرؤون على مجرد الاعتراض على أوامر السفيرة الأمريكية؟؟!!!
ليس خفياً أن أمريكا تستخدم نفوذها على عدد كبير من المسؤولين اللبنانيين، خاصة أولئك الذين هرّبوا أموالهم إلى خارج لبنان، وباتت حساباتهم في البنوك الأوروبية والأمريكية، تحت سيف العقوبات الأمريكية، لكن ما بات يدعوا إلى السخرية والإشمئزاز، هو أن هؤلاء يسمون أنفسهم “سياديين” ويدّعون أنهم يريدون خروج لبنان من تحت الوصاية والنفوذ الإيراني، وهم يدخلونه في الوصاية الأمريكية وغيرها من الدول، ويحاضرون في العفة ومحاربة الفساد، وأكثر هؤلاء شراسة، لديهم تاريخ طويل في الفساد وهدر المال العام، وجمعوا ثروات طائلة، لا يمكن أن تكون من راتبهم الوظيفي إطلاقاً، فهي تفوق ما تقاضوه من رواتب بمئات المرات. أما ما أنفقوه من دولارات في حملاتهم الانتخابية، فهي ليست خفية المصدر أبداً، وطبعاً ليست من مالهم الخاص.
لا يشك أحد بأن هناك مسؤوليات تقصيرية في حادثة انفجار المرفأ، ويجب أن لا يختبئ أحد خلف الحصانات، التي هي في الأصل نص عليها القانون، لضمان عدم استخدام القضاء للانتقام السياسي من هؤلاء، لكن هذا لا يعني إعفاءهم من مسؤولياتهم، وعدم محاسبتهم على جرم ارتكبوه، أكان عن قصد أو بسبب الإهمال الوظيفي.
يؤخذ على قاضي التحقيق العدلي، تركيزه على جرم التقصير الوظيفي، وإهماله الكشف عن الذي جاء بالنترات إلى لبنان، وصاحب شركة سفارو، وطاقم الباخرة والمالك الأصلي لشحنة النترات والباخرة، وحتى أنه لم يُعيّن لجنة خبراء لتحديد كيفية وقوع التفجير، ومعرفة ما إذا كان ناتجاً عن صاروخ إسرائيلي، أو تخريب، أو حريق مفتعل، أو عملية اللحام التي تمت لباب العنبر، أو رمي أحد العاملين لعقب سيجارة، كما حصل في انفجار باخرة النترات الفرنسية، عام ١٩٤٧ بينما كانت راسية في ميناء في ولاية تكساس الأمريكية.
قدّم القضاء اللبناني طلباً الى الانتربول الدولي، لتوقيف مالك وقبطان الباخرة، لكن لم يتم توقيفهما حتى اليوم، وكنا ذكرنا منذ الأسبوع الأول للانفجار، أنه لا يمكن كشف الحقيقة، بدون لجنة تحقيق دولية، لأن هناك أطراف عديدة في هذا الجرم، هم خارج لبنان، بدءاً من المصنع في جورجيا، وإلى الشركة المسجلة في لندن، وإلى المستورد المفترض في موزنبيق.
لقد بات القضاء اللبناني في أسوأ أحواله، ويبدو بما أحدثه بعض القضاة من تجاوز للقانون والصلاحيات، أنه لم يعد هناك أي أمل بتحقيق العدالة وإحقاق الحق، فالقضاة هم من يستدعي التدخلات السياسية في القضاء، وحتى ما يُحكى عن قانون استقلالية القضاء، بات بلا قيمة.
كيف يجوز أن يعتقد المحقق العدلي أنه لا يمكن رده؟؟؟ وماذا لو كان فعلاً هناك خصومة شخصية، بين المحقق العدلي وأحد المتهمين ؟؟ فهل فعلاً يمكن القبول بعدم رد المحقق العدلي؟؟؟!!!
وهل يجوز أن يعمد مدعي عام التمييز إلى تجاوز صلاحياته، والدوس على القانون، بحجة أن المحقق العدلي تجاوز صلاحياته؟؟؟
كيف يمكن ترك مسؤول أمن المرفأ، والسماح له بالسفر؟؟؟ رغم أنه من المفترض أن يكون هو أكثر من لديه معلومات عن هذا التفجير، خاصة أن هناك اشتباه قوي، بأن يكون التفجير مفتعل، وأن لإسرائيل يد في ذلك، وربما نفذ هذه العملية عميل للموساد، كان قد تم زرعه منذ مدة على مرفأ بيروت؟؟؟
هل يُعقل أن يكون سبب كل هذا الاهتمام الأمريكي، بإطلاق سراح محمد العوف، لأنه يحمل الجنسية الأمريكية؟؟؟
كل هذه الأسئلة برسم النواب والمسؤولين “السياديين” والزوار الدائمين للسفارة الأمريكية في عوكر، علّهم يقدمون الإجابات الشافية للبنانيين، ولأهالي الضحايا الذين يستغلون مشاعرهم، ويتاجرون بقضيتهم، تحت شعارات وعناوين، أثبتوا هم أنفسهم زيفها وعدم صحتها.
لقد ضاعت العدالة، وقد يكون ما حصل في الأسبوع الفائت من أحداث، هو بمثابة رصاصة الرحمة على التحقيق في هذه الكارثة، التي أوجعت لبنان واللبنانين، وقد تكون الحقيقة سافرت مع من غادر لبنان من متهمين.
والمؤسف أن بعض المسؤولين اللبنانيين، خاصة الذين يحملون جنسيات دول أُخرى، يدينون بالولاء لتلك الدول، ويخدمونها على حساب لبنان وشعبه.