عيد الحب فى وجود المنصات ومواقع التواصل الاجتماعى
بقلم: منى رجب
النشرة الدولية –
تغير الحب الذى نعرفه ولم يعد كما عرفناه.. تغير شكل الحب وأنواعه وأساليبه وتغيرت العلاقات بين المحبين والأفراد وبعضهم البعض.. وبعد أيام قليلة سيطل علينا عيد الحب العالمى، الذى يسمى أيضًا «يوم الفالنتين» أو «عيد الفالنتين»، والذى تحتفل به الشعوب فى مختلف أنحاء العالم، وتحديدًا فى يوم ١٤ فبراير من كل عام.
كما نحتفل به فى مصر أيضًا، وتمتلئ المتاجر ومحلات الهدايا باللون الأحمر ويتبادل المحبون الكروت المتضمنة عبارات الحب والعشق والغزل وهدايا تذكارية على شكل القلوب الحمراء والدباديب والورود والشوكولاتة، وغيرها من الهدايا التى تعبر عن المشاعر الصادقة.
وفى هذا اليوم ذى الخصوصية الذى نحتفل فيه بمشاعر وأحاسيس الحب، فإننا لا بد أن نتذكر أن الحب يتسع ليشمل مختلف مشاعر الحب ليس بين المحبين أو العشاق فقط، إنما الحب يكون تجاه أفراد عائلتنا مثل الأم أو الأب وحب الأبناء وحب الإخوة، ثم حب الأصدقاء والأحباء الذين قد يكونون قدموا لنا دعمًا فى حياتنا مثل أستاذ أو مدرس أو أستاذة أو مدرسة أو أى فرد يكون قدم لنا عطاءً أثناء حياتنا، أو أشخاصًا قد قدموا لنا مشاعر جميلة وصادقة.. ثم هناك الحب الأشمل والأعم وهو حب الوطن.. أما الحب الأسمى والأنبل والأكثر قيمة، والذى لا بد أن تكون له الأولوية فهو حب الله العلى العظيم.
وفى عيد الحب العالمى اعتدنا أن نتبادل الهدايا مع من نحب وتنتشر عبارات الحب على مواقع التواصل الاجتماعى وأيضًا الأغانى والقصائد والعبارات التى تغنى بها الشعراء والفلاسفة على مر العصور، كما تعرض على القنوات الأفلام العاطفية الشهيرة أو الجديدة.
من ناحية أخرى فإننى أتوقف هنا وفى الاحتفال بعيد الحب هذا العام تحديدًا أو عيد الفالنتين لأقول إن مفهوم الحب وشكله قد تغيرا الآن فى وجود المنصات العديدة المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعى والقنوات الفضائية أو مواقع الإنترنت.. وإن هناك أنماطًا مختلفة قد ظهرت بما يشبه الفوضى أو الاختلاف عمّا عهدناه وعرفناه من أشكال الحب أو أشكال العلاقات، وبما قد يؤدى إلى نوع من الخلط فى المعانى التى قد تؤدى إلى ضياع القيم أو الهوية المصرية التى تميز المصريين عن غيرهم من الأمم الآن.
فنحن قد نشأنا على مفهوم الحب بمعناه البرىء، بمعناه الذى يقال عنه «الحب الأفلاطونى» أو المحبة الأفلاطونية التى تعنى بالأمور الروحية فى الحب، عرفنا معنى الحب على أنه الحب البرىء أو الشريف، وأن الحب يكون مشاعر بريئة بين المحبين تؤدى إلى الارتباط بالزواج، وهو رباط مقدس يربط بين قلبين عاشقين رجل وامرأة.
ومن الطبيعى أن ينتهى بالزواج.. ونشأت أنا شخصيًا على أهمية وجود الحب فى حياتى وأحببت قراءة الروايات المصرية والأجنبية التى تتضمن مشاعر الحب وتمجد قيمة الحب البرىء.. وكان مفهوم الحب بالنسبة لنا كجيل له معنى إنسانى.. ومعنى نبيل وراق. وكنا نشاهد أفلامًا تخفق فيها القلوب بالحب فنحلق بالخيال أيضًا معها.
وكانت الأغانى العاطفية تملأ البيوت والشوارع والإذاعات والتليفزيونات.. كنا كجيل نحلق مع أغان عاطفية فى منتهى الرقى والرقة لمطربين يحرصون على اختيار الكلمة واللحن الشجى مثل عبدالحليم وفريد الأطرش وفايزة أحمد وشادية ونجاة وفيروز وماجدة الرومى وكنا نطرب لسماع صوت الست أو كوكب الشرق أم كلثوم التى لا يضاهيها أحد فى موهبتها الفريدة فى الطرب الأصيل.. والشدو البديع، والتى كان المصريون يلتفون فى بيوتهم حول أجهزة الراديو كل خميس لسماع أحدث أغانيها، ويتسابقون لحضور حفلها الشهرى.. ولأننى نشأت وتعلمت فى مدارس أجنبية فقد كان الحب بالنسبة لى ممزوجًا بأغان مصرية وأجنبية تمجد قيمة الحب بين العشاق من خلال أشهر الأغانى العربية والفرنسية والإنجليزية لمطربين مشهورين تغنوا بالحب ومجدوا المشاعر الصادقة بين الرجال والنساء.. فنشأنا على أهمية الحب باعتباره أروع شعور إنسانى عرفه الإنسان منذ بدء الخليقة.
ثم بدأت المفاهيم والعلاقات تتغير حينما أصبح العالم قرية واحدة مفتوحة وسقطت الحواجز والحدود بين الدول فى زمن الاتصالات والمعلومات، ومع تقدم التكنولوجيا السريع والمتسارع فى السنوات الأخيرة وانتشار الميديا والإنترنت والفضائيات والقنوات التليفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعى والمنصات العديدة التى يصعب حصر عددها تغير شكل العلاقات وتغير معنى الحب وشيئًا فشيئًا بدأت الأمور والعلاقات تتداخل.
بدأت تظهر تيارات مختلفة متضاربة تتدخل لتشكل أشكالًا جديدة فى العلاقات بين الناس، وهى تيارات متناقضة، من ناحية تنادى تيارات التطرف والظلام والتشدد بأفكار ظلامية سوداوية تكفر الحب والمحبين وتدعو لنشر الكراهية والتشدد وتجعل المرأة فى مرتبة أدنى من الرجل، وهى تيارات ظلامية يرفضها أى إنسان طبيعى ومحترم، وترفضها أى امرأة لديها كرامة وعقل وذكاء، ومن ناحية أخرى وعلى النقيض من هذا انتشرت أفكار فوضوية وغريبة عنا ودخيلة علينا، تغزو العالم من خلال مواقع التواصل الاجتماعى والمنصات والنت والفضائيات والميديا، لتغير شكل العلاقات بين المحبين، أو يتغير من أصل العلاقة الطبيعية ومفهوم الحب الطبيعى بين الرجل والمرأة، وانتشرت على هذه المواقع والمنصات والميديا علاقات بين المثليين من نفس الجنس.
وبدلًا من أن تكون علاقة الحب الطبيعية كما عرفناها قائمة بين الرجل والمرأة.. أخذوا يروجون لعلاقات غريبة وشاذة لا يقبلها ديننا ولا أخلاقنا ولا قيمنا.. وفى نفس الوقت فإننا لا بد أن ندرك أن لكل تكنولوجيا إيجابيات وسلبيات، فمن الإيجابيات أنه تصلنا سريعًا المعلومات مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعى والميديا والمنصات والنت، ويتم نشر الصور والأخبار سريعًا للجميع وتصل إلى أى مكان فى العالم بمجرد الضغط على أزرار أى جهاز موبايل أو شاشة تليفزيونية أو جهاز الكمبيوتر أو الآى باد، أما السلبيات فهى أن المعلومات والأخبار والقيم والمفاهيم والشائعات والأفكار بمختلف أنواعها الصحيحة أو الخاطئة تبث سريعًا من أى مكان أو تيار فتختلط الأمور على المتلقى إن لم يكن مدركًا الحقائق وقادرًا على فرز الغث من السمين والصح من الخطأ وواعيًا للقيم والمفاهيم التى يريد الحفاظ عليها.
أما خطورة هذه السلبيات فهى أن الشاب أو الطفل أو المراهق قد أصبح معرضًا لها ويمكن أن يشاهدها فى أى وقت؛ لأنها متاحة على كل الأجهزة الحديثة، التى أقربها الموبايل مثلًا، وهكذا يجد الشاب والطفل نفسيهما منفتحين على علاقات غريبة جدًا على مجتمعنا بالذات.
لهذا فإنها أصبحت من أكثر الأخطار التى ينبغى أن تتنبه لها الأمهات والآباء فى مجتمعاتنا العربية وفى مجتمعنا الذى له هوية عريقة قائمة على أسس اجتماعية وركائز أخلاقية وقيم لها جذور عميقة ومفاهيم وثقافة ذات أصول تاريخية عريقة.
ومن هنا إننى أتوقف لأطالب الأمهات والآباء والأسر فى البيوت بمتابعة الأبناء والاقتراب منهم وعدم تركهم نهبًا لأفكار قد تربك عقولهم التى لم تنضج بعد حول العلاقات والمشاعر الإنسانية فقد تكون أفكارًا ظلامية أو فوضوية أو شاذة، وأن الحب والارتباط بالزواج يكون بين الرجل والمرأة وأن صور العلاقات الشاذة أو المثليين التى تظهر لهم على الشاشات هى علاقات غير طبيعية وخارجة عن قيمنا وهويتنا.
وأن الحب الذى يخرج عن الإطار الطبيعى بين الرجل والمرأة هو عبارة عن علاقات خاطئة وغير طبيعية قد تسفر عنها خلخلة المجتمعات وإضعافها وتدميرها أخلاقيًا، وهناك ملاحظة مهمة أريد أن أضيفها عن أهمية دور المدرسة فى توعية النشء والمراهقين والشباب وأهميتها فى التوجيه للأخلاق النبيلة والقيم العليا.
ولذلك فإننى فى عيد الحب العالمى أدعو الآباء والأمهات إلى أن يروجوا إلى مسألة الحب البرىء بين الشاب والفتاة.. وأن الحب الشريف الذى يتسم بالبراءة هو الأمر الطبيعى وهو الذى يؤدى إلى الزواج وضرورة الرفض والابتعاد عن العلاقات المشبوهة التى تقوم خارج إطار القيم والأخلاق والوضع الطبيعى للحب بين الرجل والمرأة، دعونا نتذكر هذا ونحن نحتفل بعيد الحب العالمى بعد أيام، وأن نتذكر أن السبب فى هذا الاحتفال يعود إلى قديس فى روما هو القديس فالنتين الذى كان يمجد علاقات الحب بين الرجل والمرأة فى القرن الثالث الميلادى، وأنه كان يدعم الحب البرىء بين الرجل والمرأة فى القرن الثالث الميلادى والذى يؤدى إلى الارتباط بالزواج بين العاشقين الرجل والمرأة، وأن تمجيده الحب حدث يعود إلى أن الإمبراطور الرومانى كلوديوس الثانى كان قد أصدر أمرًا بمنعه وبمنع زواج الشباب حتى يلتحقوا كجنود فى الحروب التى كان يخوضها، فتصدى القديس فالنتين لأمر الإمبراطور كلاوديوس الثانى، فكان يزوج المحبين سرًا، ثم انكشف أمره فقرر الإمبراطور اعتقاله.
وبذلك تم سجنه إلى أن تم إعدامه فى يوم ١٤فبراير فى القران الثالث الميلادى سنة ٢٧٠ ميلاديًا، وكان آخر ما فعله القديس فالنتين قبل إعدامه أنه أرسل رسالة حب إلى ابنة سجانه التى كانت تزوره سرًا فى السجن، والتى أحبها وأحبته.. وكتب لها خطاب حب ليلة إعدامه يعبر فيه عن حبه لها، وتم إعدام القديس فالنتين فى يوم ١٤ فبراير، الذى يحتفل فيه العالم بعيد الحب العالمى، وأصبح العالم يحتفل بهذا العيد باسم فالنتين، الذى مجّد فكرة الارتباط بين كل عاشقين من النساء والرجال بالزواج.
فكل عيد حب وأنتم طيبون وكل عيد فالنتين وأنتم جميعًا طيبون، وتحتفلون بالحب كما عرفناه بأصله الطبيعى البرىء والصادق بين الرجل والمرأة، وصولًا إلى حب الأسرة والوطن.