هل يستطيع العالم توفير ما تحتاجه الأعداد المتزايدة من البشر من الغذاء؟
النشرة الدولية –
هل يستطيع العالم توفير ما تحتاجه الأعداد المتزايدة من البشر من الغذاء؟ الجواب نعم، نظريا، ولكن على أرض الواقع كل الحلول التي قدمت باءت بالفشل، وأدت إلى تنامي المشكلة بدلا من تقديم حل لها.
وكانت منظمة “ناشيونال جيوغرافيك” المعنية بحماية البيئة تنبأت أنه بحلول عام 2050، سيكون هناك أكثر من ملياري إنسان إضافي يتعين إطعامهم، في حين أن المساحات الصالحة للري والزراعة سوف تتقلص، أو في أحسن الظروف ستظل كما هي دون تغيير.
استخدام الأسمدة الكيماوية لزيادة مردود الأراضي الزراعية، أدى ليس فقط إلى مشكلات صحية للإنسان، بل ومشكلات بيئية دمرت التربة وسممتها. واعتماد الهرمونات لتسمين المواشي واختزال الفترة الزمنية لإنتاج اللحوم والمشتقات الحيوانية، لم يحل المشكلة أيضا.
وخلال العقود الأخيرة، هيمنت المزارع الكبيرة والأراضي الزراعية الشاسعة، التي تعتمد على رش كميات هائلة من المبيدات الحشرية والأسمدة الكيماوية، على النظام الزراعي العالمي.
بيد أن استمرارية هذا النظام جاءت على حساب تلوث التربة والمياه. الحل كان في الاتجاه إلى تبني الأساليب العضوية في الزراعة وتربية المواشي.
للوهلة الأولى احتفل العالم بالزراعة العضوية، ظنا منه أنها تخفف من التلوث المناخي. الفرحة لم تعمّر طويلا. الزراعة العضوية رغم أنها تقلل من كمية انبعاث غازات الدفيئة، إلا أنها تتطلب مساحات إضافية من الأراضي الزراعية لإنتاج نفس الكمية من الغذاء.
إخلاء مساحات إضافية من الأراضي العشبية أو الغابات لتعويض هذا الفرق، يمكن أن يؤدي إلى إطلاق غازات الدفيئة بكمية أكبر، وفق دراسة علمية نشرت في مجلة “نيتشر كوميونكيشن” التي أكدت أن الزراعة العضوية تتسبب بالتلوث المناخي أكثر مما تتسبب به الطرق العادية، إذا أخذنا مساحات الأراضي الإضافية المطلوبة بعين الاعتبار.
وفي بحث جديد، ألقى باحثون من جامعة كرانفيلد البريطانية نظرة أكثر شمولية على هذا السؤال، وذلك بتحليل ما يمكن أن يحدث إذا انتشرت هذه الطريقة بشكل كامل في إنكلترا وويلز.
ويلفت البحث إلى أن الخبر السار هو أن هذا سيؤدي إلى تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة المباشرة الناتجة عن المواشي بنسبة 5 في المئة، وتلك الصادرة عن زراعة المحاصيل بنسبة 20 في المئة. أما الخبر السيء فهو أن هذا سيؤدي أيضا إلى تخفيض الإنتاجية بنسبة 40 في المئة، مما سيدفع بالبريطانيين إلى استيراد المزيد من الأغذية من الخارج. وإذا حصلنا على نصف الأراضي المطلوبة لتعويض هذه الزيادة في الطلب من المساحات الخضراء، وهي التي تخزن الكربون في أنسجة النباتات وجذورها وتربتها، فسوف يؤدي هذا إلى زيادة إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 21 في المئة.
أما تأثير الانبعاث الصادر عن إنتاج اللحوم والحليب والبيض من المواشي المسنة عضويا فهو أكثر تعقيدا؛ فمن ناحية، يمكن أن تزداد الانبعاثات لأن الحيوانات لا تكبر بنفس السرعة دون استخدام الهرمونات والمكملات الغذائية. وهو ما يؤدي إلى زيادة عمر الحيوانات ويمنحها بالتالي المزيد من الوقت حتى تطلق الميثان، وهو أيضا أحد غازات الدفيئة قوية المفعول. ومن ناحية أخرى، فإن السماح للحيوانات بإمضاء وقت أطول وهي ترعى في المراعي المفتوحة، يمكن أن يحفز من نمو النباتات التي تخزن المزيد من ثنائي أكسيد الكربون، ويخفف في نفس الوقت من الانبعاثات الصادرة عن العلف التقليدي.
المشكلة الأكبر بالنسبة للمحاصيل والمواشي، هي أن هذه الأساليب تتطلب في نهاية المطاف مساحات أكبر من الأراضي لإنتاج نفس الكمية من الغذاء.
وتحديدا، يتطلب الانتقال إلى أساليب عضوية بالكامل أراضي إضافية بمساحة تساوي 1.5 ضعف مساحة الأراضي المزروعة حاليا للتعويض عن النقص، وهو ما قد يصل إلى خمسة أضعاف الأراضي الخارجية التي تعتمد عليها إنجلترا وويلز حاليا للغذاء. كما أن هذا الفرق سيتضخم لأن النظام الزراعي البريطاني ينتج محاصيل ذات إنتاجية عالية للغاية مقارنة بأجزاء أخرى من العالم.
وقد اعتمدت الدراسة على تقييم كامل النظام الزراعي في إنجلترا وويلز، وذلك للتعامل مع بعض الانتقادات التي وُجِّهت إلى التقديرات السابقة للانبعاثات الصادرة عن الأساليب العضوية، التي كانت غالبا محصورة بمزارع أو محاصيل محددة، كما يقول دان بلاوستاين ريتو، المدير المساعد المختص بالغذاء والزراعة في مؤسسة بريكثرو، وهي مجموعة دراسات تروج للحلول التكنولوجية للمشكلات البيئية.
ويحتاج العالم إلى إيجاد وسائل للتخفيف من الانبعاثات والملوثات البيئية الصادرة عن الأسمدة الاصطناعية، ولكن الأمر الصعب هو الانتقال إلى ممارسات نظيفة بشكل لا يتطلب مساحات إضافية من الأراضي للزراعة أو يؤدي إلى مجاعة الكثير من البشر.
لذا، فقد بدأ العديد من العلماء والشركات الناشئة في البحث عن بدائل مبتكرة لزيادة مردود الإنتاج الزراعي مع الحفاظ على الموارد البيئية المحدودة. ليجدوا الحل في الذكاء الاصطناعي.
المصطلح الذي وجدناه يتكرر في كل مرة نتحدث فيها عن إيجاد حلول لمشكلة، كما في التعليم والصحة وإدارة الأعمال والصناعة.. تكرر أيضا استخدامه في الزراعة، ومن بين الذين وظفوا الذكاء الاصطناعي للتوصل إلى حلول زراعية مبتكرة هي شركة “إن ثينك”، التي ابتكرت مزرعة ذكية مغلقة (داخل حاوية) وأطلقت عليها اسم “بلانت كيوب”.
تم تصميم المزرعة الجديدة لتوضع في المدن والمناطق الحضرية التي لا تصلح عادة للزراعة، إما بسبب الطقس غير المناسب وإما لنقص الموارد المائية وإما لعدم صلاحية التربة للزراعة، حيث يُمكن تكديس العشرات أو حتى المئات من هذه الحاويات بشكل رأسي أو أفقي، لبناء نظام زراعي عملاق قادر على إنتاج أطنان من المنتجات الزراعية على نحو مستدام.
تبدو بلانت كيوب من الخارج أشبه بحاوية شحن بيضاء عادية يبلغ طولها 12 مترا. ومع ذلك، فهي تحتوي من الداخل على شبكة ذكية تصنع بيئة مثالية للزراعة. تتراص صفوف النباتات على جدران المزرعة، التي تعتمد على مبادئ الزراعة من دون تربة حيث يتم إنتاج المحاصيل بواسطة محاليل معدنية مغذية فقط، عوضا عن التربة التي تحتوي على الطين والطمي.
وتشير الشركة -التي تأسست عام 2014 وتتخذ من العاصمة الكورية الجنوبية سيول مقرا لها- إلى أن بلانتي كيوب هي أول مزرعة نموذجية في العالم يمكن زراعة البذور داخلها في أوساط استزراع صديقة للبيئة طوال العام، دون أن تتأثر بالظروف المناخية ولا الآفات، ودون الحاجة إلى مبيدات.
وتهدف التجربة إلى أن تتواصل الزراعة في ظروف مثالية على مدار العام، وتقوم منظومة الذكاء الاصطناعي بمتابعة نمو المحاصيل وإدخال تعديلات بشكل مستمر على الظروف البيئية المحيطة مثل الحرارة وكمية المياه والضوء من أجل توفير أفضل ظروف لنمو المحصول.
وأكدت النتائج أيضا أن طريقة الزراعة تلك فعّالة للغاية، حيث تستخدم 99 في المئة أقل من الأراضي و95 في المئة أقل من المياه من عمليات الزراعة العادية. وأكد أحد المسؤولين في الشركة، أن تلك التقنية يمكن تبنيها حتى في المحلات التجارية والفنادق الكبرى، نظرا لحاجتها لمساحة صغيرة.
ونقل الموقع الإلكتروني “تيك إكسبلورر” المتخصص في التكنولوجيا عن مسؤول في الشركة قوله، “تخيل وجود مزرعة بمساحة 1500 فدان يتم دمجها داخل مساحة لا تزيد عن 12 مترا مربعة، مع تحقيق زيادة في المحاصيل الزراعية بواقع 350 ضعفا”.
وتعتمد المزرعة على نظام تشغيل خاص يُسمى كيوب أو.إس، يستمد البيانات في الوقت الفعلي من أجهزة استشعار منتشرة داخل المزرعة، تقيس المتغيرات الأساسية مثل معدل الرطوبة ومستوى حموضة الماء ودرجة الحرارة وثاني أكسيد الكربون. ويمكن تعديل كل من هذه المتغيرات اعتمادا على نوعية النباتات المزروعة في الداخل.
مع نمو النباتات، يتم إعادة إدخال البيانات تلقائيا إلى سحابة إلكترونية، ليتم تحليلها بواسطة الذكاء الاصطناعي الذي يحاول تحديد ظروف النمو المثلى لمختلف النباتات.
وتشير إن ثينك، على موقعها الإلكتروني، إلى أن التكنولوجيا التي تتحكم في العناصر الغذائية المُستخدمة أثناء عملية الزراعة، تسمح بإنتاج محاصيل منخفضة الصوديوم والبوتاسيوم، الأمر الذي قد يساعد المرضى الذين يعانون من حالات خطيرة من مرض السكري وأمراض الكلى. كما يسمح هذا النظام للمزارعين بزراعة محاصيل لم يكن من الممكن زراعتها في المزارع المحلية، وذلك في بيئة مغلقة تماما لتحقيق إنتاج ثابت من المحاصيل عالية الجودة.
وأشارت الشركة إلى أنها عقدت اتفاقية شراكة لتوريد الخضراوات إلى أكبر سلسلة متاجر في كوريا الجنوبية. وذلك بعد إنشاء أولى مزارعها الناجحة في أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة.
وأوضحت إن ثينك أن هدفها هو توصيل الخضروات الطازجة المزروعة محليا إلى أرقى مطاعم الفنادق في الإمارات العربية المتحدة، من خلال تشغيل المزارع الرأسية بنجاح، وتوسيع نطاق مواقع التشغيل في جميع أنحاء العالم.
وتتؤكد الشركة أن هذه التقنية الجديدة ستُمكن أي شخص في أي مكان في العالم من أن يصبح مزارعا، وأن يزرع المحصول الذي يريده.