الأدب التفاعلي العربي يطوي خصومة البنيوية ونظرية التلقي يقوده القرّاء عبر الإنترنت

النشرة الدولية –

تشكل تجليات الأدب الشعبي المغربي من “الحجاية” و”الحلقة” وقصائد “الزجل” صورا إبداعية متوازية مع أجناس القصة والمسرح والشعر، بل وتمظهرات لمحطة تأسيسية في تاريخ الأدب؛ مرحلة الشفاهة.

لعل أبرز ما يميز هذه الأشكال الأدبية العريقة، في علاقتها بالمتلقي، هو إشراكها في عملية تشكيل الإبداع. وقد افتقدت هذه العلاقة التفاعلية في مرحلة كتابة الأدب “على الورق” لتبرز سمة التفاعل مع المتلقي مجددا على نحو ما يقتضيه الواقع وبشكل مختلف في الفضاءات الرقمية مع ظهور ما يسمى بـ”الأدب التفاعلي”.

ودرءا للخوض في إشكالية المصطلح عند أولى عتبات تفحص هذا النوع من الأدب، حيث أثير التباس في هذا الجانب، يمكن إرجاع مفهوم الأدب التفاعلي إلى مجموع الإبداعات المتولدة مع ظهور الكمبيوتر وتقنيات التواصل الحديثة.

وتتحدد “تفاعلية” هذا الأدب أساسا بإشراك المتلقي في صياغة النص وإنتاجه، بل يذهب بعض النقاد إلى لزوم إعطاء المتلقي مساحة تزيد عن المبدع الأصلي للنص الأدبي.

في عملية بناء النص، فيتجاوز المبدع اللغة إلى وسائط تعبيرية أخرى كالصوت والصورة ومقاطع الفيديو والحركة وغيرها من الإمكانات التي تتيحها التكنولوجيا الحديثة، في حين يتمتع المتلقي بإمكانية الانفتاح على نصوص خارجية من خلال الوصلات والروابط، بدل الاكتفاء بالقراءة الخطية للأدب الورقي التي تحتجزه بين ثنايا النص الواحد.

وفي هذا الباب، يقول الباحث المختص في اللغة العربية إدريس شريفي إن الأدب عموما أصبح يعيش وضعا جديدا يتخذ فيه الإنترنت جسرا للوصول إلى عموم القراء.

ويعتبر شريفي أن الأدب التفاعلي صورة متطورة في سيرورة الأدب الذي انتقل تاريخيا من مرحلة الشفاهة إلى مرحلة الكتابة فمرحلة التفاعل، مبرزا أن ثمة فرقا جوهريا بين الأدب الرقمي، الذي يشمل كل أدب تحول من صيغته الأدبية الورقية إلى الصيغة الرقمية من قبيل الكتب في صيغة “بي.دي.إف”، والأدب التفاعلي الذي يحيل على “تشارك مجموعة من العناصر المتفاعلة في ما بينها بغية توليد نص أدبي”.

ويؤكد أن هذا التحول الذي عرفه الأدب يطرح إشكالات كبرى على مستوى التلقي، ذلك أن مبدع هذا النوع من الأدب وقارئه مطالبان بالمواءمة بين التمكن من جوانب الأدب وجانب المهارة في الإبحار في عوالم الإنترنت.

وعن البدايات الأولى لبروز هذا النوع الأدبي يشير شريفي إلى أن البيئة الأوروبية شهدت ولادة النماذج التأسيسية لأدب التفاعل في مختلف الأجناس الأدبية التقليدية (القصة، الرواية والمسرحية)، مسلطا الضوء أساسا على أعمال رائدَي القصة التفاعلية روبرت كاندل وفرانسوا كولون.

ظهور الأدب التفاعلي لم يكن مرتبطا بأزمة، بل كان نتيجة طبيعية للتحول نحو عالم تتحكم فيه التقنية ظهور الأدب التفاعلي لم يكن مرتبطا بأزمة، بل كان نتيجة طبيعية للتحول نحو عالم تتحكم فيه التقنية

بالحديث عن العالم العربي يرى شريفي أن الأعمال الإبداعية قليلة وأنه لم يحدث التراكم الذي يمكننا من الحديث عن تيار للأدب التفاعلي، مذكرا بأبرز المشتغلين على هذا الأدب وعلى رأسهم محمد سناجلة في جنس الرواية ومحمود حبيب في المسرحية وعباس مشتاق معن في القصيدة التفاعلية.

وفي المغرب يضيف “يمكن القول إن الحركة النقدية لهذا الأدب التفاعلي كانت أكبر من الإنتاجات الأدبية في هذا الحقل”، مستحضرا في هذا الصدد الناقد والكاتب سعيد يقطين الذي حاول من خلال كتابه “من النص إلى النص المترابط.. مدخل إلى جمالية الأدب التفاعلي” أن يعرف بهذا النوع من النصوص التفاعلية التي تستدعي مجموعة من الوسائط في إنتاجها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى