التدرج الفلسطيني.. من المصالحة للانتخابات إلى التفاوض* مروان كنفاني

النشرة الدولية –

قد لا يختلف أحد على أن المرحلة الحالية في النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي تشهد دعما دوليا وإقليميا، يتضمن مشاركة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومعظم الدول العربية في ما يتعلق بالتقدم نحو الاعتراف ببعض الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.

وجاء هذا التقدم كنتيجة لنضال الشعب الفلسطيني الدامي وتمسّكه المميت لأجيال عديدة بحقها في الحرية والاستقلال خلال ما يقرب من قرن من الزمن، ويقف العالم بأسره اليوم شاهدا كيف تتعامل قيادات وفصائل الشعب الفلسطيني مع هذا الدعم المحدود الذي لن يعطي شعبهم كل الحقوق التي يريدها، وقد يمنحهم فرصة لتحقيق ذلك، وليس الاعتراف الكامل الناجز، لكن ربما يحقق غدا أفضل من اليوم.

يتفق العالم على إلغاء بعض ما قامت به إسرائيل خلال القرن الماضي من قتل وطرد ومصادرة في حق الشعب الفلسطيني، ويبدو أن غالبية دول العالم قررت أن لا يستمر ذلك في المستقبل.

لم يقرر العالم القضاء على إسرائيل بالطبع، لكنه منع القضاء على الفلسطينيين. وتقول الولايات المتحدة اليوم، الحارس والحامي والداعم الدائم والقوي لدولة إسرائيل، إنها ستستمع إلى آلام الشعب الفلسطيني وتلبي بعض احتياجاته الشرعية والإنسانية مباشرة من خلال مؤسسات الأمم المتحدة، وترفض بحسم ولأول مرة بناء مستعمرات وقرى إسرائيلية جديدة على الأراضي الفلسطينية المحتلة دون الإشارة إلى ما تم بناؤه من مستوطنات بعد تطبيق اتفاق السلام (أوسلو) في عام 1993، وإعادة حق الفلسطينيين بالتمثيل في الولايات المتحدة.

لقد اتفقت معظم الدول العربية على التوحّد في ما يتعلق بالشعب والقضية الفلسطينية، بدافع الانتماء في المنطقة والتراث والتاريخ والمعتقدات، وفي الحقيقة أيضا، بالنسبة إلى الفلسطينيين، هو رسالة دعم من دول الأمة العربية وشعوبها لما تركته ضروريات ملف التطبيع من جروح.

تتبلور مواقف وأهداف الحراك الدولي تجاه الأوضاع في الشرق الأوسط، وأولها وأهمها وأخطرها القضية الفلسطينية.

كان الاجتماع الرباعي المصري الأردني الفرنسي الألماني في القاهرة أوائل يناير الماضي بادرة لذلك الحراك الدولي نحو تغيير الوضع الراهن بين الفلسطينيين والإسرائيليين الذي دام حوالي 28 عاما من الزمن.

وتوالت بعد ذلك المحادثات التي قادتها القاهرة وعمّان، وأسهمت فيها دول عربية وخليجية والرئيس الفلسطيني محمود عباس، ودول أوروبية معنية بالقضية الفلسطينية، فضلا عن الولايات المتحدة وإسرائيل، وتناثرت بالتالي الأخبار والقرارات والمواقف الأميركية الإيجابية.

اتفقت الدول المعنية الحاضنة لذلك الحراك الفلسطيني – الإسرائيلي على أن تكون المصالحة الوطنية باكورة الانطلاق تليها الانتخابات التشريعية والرئاسية، ومن ثم المفاوضات.

كان هذا التدرج يتطلب حتما موافقة حركة حماس المنهمكة في الإعداد لانتخاباتها الداخلية، وتم إقناعها من قبل ترتيب موافقة القيادات والكوادر الحمساوية في فلسطين وحلفائها في منطقة الخليج، الأمر الذي مكّن من عقد اجتماع الفصائل الفلسطينية الناجح الأخير في القاهرة الاثنين والثلاثاء.

وأصبح التفاوض مع إسرائيل مرتبطا بإجراء الانتخابات الفلسطينية بعد فشل الفصائل الفلسطينية خلال 15 من الاجتماعات والمحادثات والاتهامات.

لم تعد الانتخابات تثير أسئلة كثيرة وشائكة، ومهما جاءت النتائج فالمطلوب دوليا وعربيا هو الوصول إلى محطة التفاوض بين الفلسطينيين مع إسرائيل.

التطور الأخير قد يرضي الفلسطينيين في ما لو تم وقف مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وابتلاع القدس والحصار المفروض على قطاع غزة، لكنه لا يحل مشكلتهم مع إسرائيل أو مع بعض الدول المشرفة على المفاوضات القادمة، مع ذلك سيسهم في تمتين الوضع الفلسطيني الداخلي بموجب نتائج الانتخابات والخروج من سيطرة إسرائيل على الاقتصاد وحرية التنقل، وربما تختفي بعض القيادات الفلسطينية والإسرائيلية وتبرز قيادات جديدة.

من الواضح أن الرئيس الأميركي جو بايدن لا يرتاح للرئيس الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو سياسته تجاه الفلسطينيين، والذي يتجاهل طريقة الرئيس بايدن في التعامل مع الملف الفلسطيني، وربما إيران في وقت قليل قادم تظهر تبرمها صراحة.

هناك في إسرائيل، كما في دول عربية عديدة منها فلسطين، من يرى حكمة الرئيس بايدن في معالجة المشاكل الدولية بالتفاوض والتفاهم وليس بالصدام والتهديد.

صرّح رئيس الوزراء المناوب ووزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس بأن العودة إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين يجب أن تكون مهمة أساسية للحكومة الإسرائيلية المقبلة.

وجاء اليوم دور القياديين الفلسطينيين لتأكيد وإثبات، إلى جانب صمودهم وتضحياتهم، قدرتهم وإصرارهم على الاستفادة من الوضع العربي والدولي الجديد في أبعاده المختلفة، ويسهموا في تخفيف عذاب وآلام الشعب الفلسطيني.

يتمثل ذلك عن طريق التوافق حول الأهداف الوطنية المنشودة الموحدة التي يطالب بها الفريق الفلسطيني الموحّد في أي ترتيب دولي لاجتماعات ومؤتمرات لاتفاق سلام بين العدوين اللدودين الفلسطيني والإسرائيلي.

تحقيق ذلك لن يكون سهلا بالنسبة إلى المواطنين الفلسطينيين والعرب وشعوب العالم، لكنه على الواقع الفلسطيني في وضعه الحالي ضرب من المستحيل.

تقف عقبة قاتلة في طريق التوحّد الفلسطيني السياسي، والنجاح في المشاركة ببرنامج موحّد في ما يتعلق بالمطالب الوطنية التي ستعرض في أي مؤتمر تفاوضي يهدف للتوصل إلى اتفاق سلمي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

قد لا يتفق فلسطيني واحد اليوم على جدّية التنظيمين الفلسطينيين الأكبر والأقوى، فتح وحماس، في احترام نتائج الانتخابات القادمة، فهل من المتوقع أو الممكن أن تقوم فتح بتسليم الحكم في رام الله لحماس فيما لو فازت في الانتخابات؟ وهل حماس ستسلم الحكم في قطاع غزة لفتح فيما لو فازت في الانتخابات؟ وهذه النوعية من الأسئلة الصعبة تحتاج إلى إجابات حاسمة.

كما أن فوز حماس في غزة وانتصار فتح في الضفة الغربية يعنيان عودة الأوضاع لما هي عليه الآن من الانقسام وما ترتب عليه من تداعيات مختلفة.

هل سيكون البرنامج الانتخابي لكل من الفصائل الفلسطينية مختلفا في ما يتعلق بالموقف مع إسرائيل، أم أن كافة الفصائل الفلسطينية، أو على الأقل حركتي فتح وحماس، ستتشاركان في برنامج موحّد تجاه الخلاف مع إسرائيل؟

سوف يفشّل الانقسام الفلسطيني في السبل والأهداف والأحلاف المحلية والإقليمية والدولية التي تنغرس فيها الفصائل أي أمل لقيام دولة موحّدة ومستقلة وعاصمتها في القدس الشريف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى