بكاء على الأطلال وسط ذئاب جائعة* صالح الراشد

النشرة الدولية –

تهمس لزميلتها بحزن شديد:” ألا يكفينا اللجوء ووجع الغربة، ألا يكفينا مغادرة الأوطان والبحث عن الأمان، فلا نعلم من أين نتلقى الهموم”، أمسكت صديقتها بيدها واحتضنتها وقالت ودموع تترقرق في عينيها :”كأننا خُلقنا للمعاناة، ألسنا نحن وهم من طينة واحدة وثقافة هي ذاتها ونشعر بأن الكثرين منهم يتقاسمون معنا أحزاننا ، فمن أين يأتي هذه الظلم إلى نفوس البشر؟ “، لحظات صمتت فيها الفتاتان الجميلتان ودمعة تترقرق على الخد هنا وأخرى هناك، فالظلم موجع ومؤلم خاصة إذا اصاب من طلب النجاة عند الأخوة.

 

ليست قصة خرافية، ولم أقرأها في كتاب “الأحزان العربية في زمن السقوط والهوان” أو رواية “عصور الرويبضة” ، وليست في زمن التتار والمغول، بل هي قصة في زمن الإنفتاح والعولمة التي حولت العالم إلى قرية صغيرة، إلا تلك القرية المظلمة التي تسكن عقول بعض تجار الدماء والذين يبذلون جهوداً خرافية لسرقة حق مسكين وفقير، والأسوء حين يسرقون من فقد وطن وتاه في صحاري الأمة العربية يحبث عن الامان، نعم، هي صحاري حتى وإن كانت خضراء كون اللون لا يظهر إلا في الفكر والقلب.

 

لقد هربوا من سوريا بحثاً عن الحياة لنجد المرضى النفسيين يحومون حولهم كطيور بشعة، فيتسابقون صوب المخيمات للزواج بالقاصرات، “فبربكم هل هناك من هم بمثل هذه الدونية البشرية حيث يسعون لقضاء شهواتهم بزواج القاصرات”، أما بعض من دخل البلاد وتسلح بالعلم والمعرفة فقد نالهم من الظلم الكثير، وهذا ما حصل مع الفتاتين اللتين عملتا بكل جد وإجتهاد ورفض صاحب العمل أن يمنحهما حقهما بالمال، وكونهما لا تعرفان بالقوانين المعمول بها فقد هددهما بأنه سيشكوهما إلى الجهات الأمنية إذا طالبتا برواتبهما.

 

قطعاً لا يقل هذا الذئب الباحث عن الدينار عن ذاك الذئب الكهل الباحث عن فتاة صغيرة للزواج، فكلاهما نكرة وعار لن يحظيها بشرف الخلود في كُتب الإنسانية التي لا تؤرخ إلا أسماء الأشراف الذين يحترمون كل البشر ويقدسون قيمة العربي، نعم العربي رغم ان هذا الإسم تناساه العديد ممن يحملون سمرة العرب ولهجتهم، وترتقي قيمة العربي في كل محفل وبالذات إذا كان قادماً من أقدم عاصمة في التاريخ وهو شريك في البناء منذ اليوم الأول، واستغرب كيف لم تهز هذه الدموع إنسانية بعض البشر وهي التي قد تحول الذئب المتوحش إلى حمل وديع، لكن ذئاب الجنس والمال لن يرتدعا كونهما الأسوء في التاريخ ولن يرتدعا إلا بالقانون.

 

لسنا كلنا في الاردن من هذه النوعية، فنحن نعشق سوريا ونحبها ونعلم قيمة أهلها وأهميتها، وندرك أننا جزء واحد بفضل التشاركية في التاريخ والدين والفكر والأهل، لسنا كلنا أيتها الفتاتين نزنُ الأمور بالدينار ولسنا من نسرق حقوق الآخرين، لكن صدقاني بأن لكل قرية “حثالتها” ولا بد أن يعرف القاصي والداني من هم هؤلاء الذين يرتدون ملابس البشر ويتكلمون كالبشر وهم دون الذر والخلائق، فالحق لا يضيع والديان لا يموت, عذراً فلسنا كلنا كذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى