حين نطفوا على بحر من الشائعات* صالح الراشد
النشرة الدولية –
تطفوا بعض الدول على بحر من النفط وأخرى على بحر من الغاز، فيما تطفوا القارة الأوروبية على بحر من المعرفة واليابان على بحر الإكتشافات والإختراعات، ووسط هؤلاء نقف في الأردن نبكي لعدم وجود بحار لدينا نطفوا عليها، فبحرنا من المياة مساحة ضيقة في خليج العقبة وآخر ميت في الغور، ولا غاز تستخرجه الحكومة حتى نحلق به، وصخرنا الزيتي متشبث بالأرض جامد في مكانه فلا نطفوا بين حجارته السوداء، فيما الثروات الطبيعية تحتاج لقرار والقرار غائب.
ورغم عدم وجود بحر نطفوا عليه إلا أننا نطفوا ونعلوا أكثر من الجميع، فنحن في الأردن نطفوا على بحر من الشائعات التي لا تنضب، والخرافات التي لا تنتهي والكذب الدائم، نعم، هذا هو حالنا حيث تتفوق الشائعات لدينا على سرعة الضوء وتسبق الرياح وجُند سليمان من الجان، فالشائعات هي الأسرع في الكون، وتزداد سرعتها كلما زادت جهالتها وغبائها، لنجد أن لصُناع الكذب والإشاعة مكان مرموق في المجتمع، فهم المصدقون حين يكذبون في جلسات يتصدرنها ويتهمون الآخرين بما ليس فيهم.
الشائعات لدينا في كل مجال، ففي السياسة حدث ولا حرج وفي الإقتصاد والرياضة كذلك، ومع إنتشار جائحة كورونا عظُم البلاء وكثرت الشائعات وأصبح الجميع خبراء لنسمع منهم مالا يخطر على قلب بشر، وكانت النهاية الأليمة بإحجام البعض عن أخذ المطعوم كونهم مرتعبون من قوة الشائعات التي غيبت الحقيقة، في ظل غياب أصحاب المعرفة واختبائهم خوفاً من مواقع التواصل الإجتماعي التي تغتال الشخصيات وتفتك بالعلماء.
الكارثة أن الحقيقة لا تظهر لعدم وجود إعلام قوي مؤهل قادر على الرد على الشائعات وتحليلها وإظهار الحقيقة، بل ان البعض ينجر وراء ما يسمع ويعتقد أنه الحقيقة المُنزهة فيزداد الأمر سوءاً، ويعتقد أنه أمام سبق صحفي فيقوم بتسخيف راي العلماء معتمداً على أرباع وأنصاف الحقائق، فتضيع المعرفة ويعم الجهل ويغيب العقل لنجد أن البعض يهرب من لقاح الحياة معتقداً أنه سم زعاف، لذا نجد الفارق كبير وهائل بين نسبة الذين تلقوا المطعوم في دول العالم التي تستمع للعلم وبين دول تسمح للشائعات أن تعشش في عقولها.
وعلينا في هذه المرحلة لمواجهة جهل الجهلاء وحتى نتوقف عن التحليق مع الشائعات، علينا أن نُبعد أصحاب الفكر الضيق ممن يتسيدون الإعلام والطب والقرار الحكومي والنيابي، ونضع مكانهم من يملكون الرؤى في إقناع المواطن بالحقيقة، وعندها سنبدأ بالتحليق بالعلم والإختراعات والصادرات وبالذات الخبرات الأردنية المشهود لها بالتميز، وبعد مرحلة من العمل الجاد سنبني الوطن بصورة أفضل وستتوقف الشائعات ويندثر تاريخ مروجيها مهما علا شأنهم لأن الكذب يهبط بصاحبه ولا يرتقي به.