الأثر النفسي لفيروس كورونا على المصابين به* الدكتورة طيب فاروسي

النشرة الدولية –

من واقع قصة حقيقية لمريض كورونا دخل مشفى العزل ولَم يُسمح له برؤية أحد من عائلته لمدة طويلة من الزمن رغم انه لم يكن في غرفة العناية الفائقة ولم يكن على جهاز التنفس الاصطناعي (فقط قناع اوكسجين لمساعدته على التنفس بعد اصابته بسبب الكوفيد بالتهاب ذات رئة حاد.

دائما هناك تأكيدات من العلماء والأطباء حتى من الناس العاديين أنّ الحالة النفسية للمريض مهما كان نوع مرضه هي من أهم أسباب شفاءه بالتكامل مع العلاج الصحيح ومشيئة الله سبحانه وتعالى طبعا، أو هي السبب في تدهور حالته الصحية ويأسه من الحياة وتمنيه الموت الذي قد يكون له بالمرصاد نهاية المطاف لا سمح الله ولا قدّر.

طبعا الاعمار بيد الله سبحانه وتعالى وهذا الأمر محسوم ولا جدال فيه، ولكن علينا دائماً ان نتوكل على الله ونحثّ الآخرين خاصة المرضى بالتمسّك بما وهبنا إيّاه وهي أغلى ما نملك صحتنا وبالتالي حياتنا التي نحن مؤتمنين عليها حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا.

فيروس كورونا الذي لم يسبب عالميا فقط كوارث صحية واقتصادية مادية واجتماعية ولكن أيضاً كوارث نفسية أثّرت على الكثيرين ممن أصيبوا به أو الخائفين من تعرّضهم له وهنا باعتقادي تكمن خطورته أحياناً أكثر من الأعراض المرضيةالذي يسببها هو بحد ذاته.

أولا هناك الرعب الدائم من الاصابة بالفيروس وكيف سيؤثّر وبأي شكل على الجسم وما هيّة الأعراض التي سيسببها وهل سيترك آثار على المدى البعيد اذا ما تم الشفاء منه أم لا، ثانياً الخوف من معرفة الناس الآخرين باصابة الشخص نفسه بالفيروس وكأنه مرض من الامراض المعيبة أو المخجلة وبالتالي حدوث امكانية اخفاء الأمر واتاحة المجال لنقل العدوى للغيرعن غير قصد وبسبب الخوف من (فضيحة ) الاعلان عن المرض، ثالثا الحالة النفسية التي تصيب المريض بعد الاصابة خاصة اذا تم عزله في المشفى وكان كبيرا في السن ولم يعد يسمح له برؤية عائلته لفترة قد تطول وهو لا يعرف ماذا سيحصل له وان كان سيموت وحيدا دون رؤية فلذات أكباده أو شريكة حياته التي عاش معها لسنوات طويلة على الحلوة والمرّة ، مأساة يعيشها كل يوم هذا الانسان المريض حتى ولو توفّرت له كل أساليب الرعاية الطبية والصحية على أكمل وجه.

كنّا نعتقد بداية أزمة الكورونا انها لن تطول، ولم ندرك أن الأمور الصحية في العالم ستنتهي إلى ما آلت إليه هذه الأيام ولذلك علينا الآن أن لا نؤول جهدا في نشر ثقافة الوعي تجاه موضوع الأثر النفسي الذي يترك الفيروس آثاره على الناس الاصحاء والمرضى على حد سواء.

يجب أن نقدم الدعم المعنوي لمن هو خائف من الاصابة بأن لا يخاف من الاعلان عن إصابته اذا أصيب وأن يأخذ حذره قدر الامكان ويتّبع الاجراءات الاحترازية والوقائية بداية ونهاية سواء قبل أخذ المطعوم أو بعده، ولكن الدعم المعنوي الأكبر يجب ان يكون لمرض مشافي العزل خاصة كبار السن والذين يجدون أنفسهم فجأة وحيدون مع ناس غرباء هم الطاقم الطبي جنودنا المجهولين كان الله في عونهم وقوّى عزيمتهم وأعانهم في مهنتهم العظيمة، في البيت يكون من السهل جدا على افراد عائلة المريض حتى ولو كان معزولا في غرفة بمفرده دعمه ومساندته ومساعدته خاصة أن حالته الصحية ولو بلغت أشدها هي لن تكون بمثل شدّة وخطورة من هم بالمشفى لذلك على كل مشفى عزل خاصة بالكورونا أن تكون قادرة على تقديم المساعدة لهؤلاء المرضى سواء باستخدام أطباء أو اختصاصيين نفسيين أو حتى الاستعانة بمتطوعين ( وأنا أوّلهم ) لمساندتهم نفسيا والوقوف بجانبهم وتقوية عزيمتهم لدحرالمرض ومقاومته مع اتخاذ كافة الاجراءات الوقائية باللباس والكمامات عند الدخول الى غرفهم حرصا على عدم نقل العدوى من وإلى.

ورغم ان اقتراحي هذا ربما لن يعجب ادارات المشافي (بشكل عام وليسلي بلد محدد ) وربنا أيضا لن يعجب الكثيرين غيرهم ولكنه ضروري جدا ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار ويكون على طاولة البحث بأقصى سرعة ممكنة إن كان هناك إمكانية لتطبيقه طبعا وهو ليس من الصعوبة بمكان إن وجد الأشخاص المناسبين لهذا الأمر ومن هم على دراية تامة بما سيفعلون ويعملون.

 

فقدنا الكثير من الاحبة بسبب كورونا ومنهم من فقدناه بسبب سوء الحالة الصحية والنفسية معاً. وهي مجرد محاولة مني لالقاء الضوء على نقطة أراها مهمة جدا وجزء لا يتجزّأ من بروتوكول العلاج الطبي والدوائي لمرضى الكورونا سواء تم الاتفاق فيها معي أو لا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى