الإشتباك الحكومي يحصّن هيمنة “حزب الله”* فارس خشان

النشرة الدولية –

النهار العربي –

عندما تأتي الساعة، لن يحظى لبنان بحكومة “مستقلّين” عن القيادات السياسية، بل بحكومة “مُحبّبين” إلى قلوبها.

وهؤلاء “المحبّبون”، كما بات واضحاً بفعل ما بيّنته السجالات السياسية بين المعنيين بتشكيل الحكومة”، يدينون بولائهم لمن سوف يسمّيهم.

وما تأكيد رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون يريد الحصول على “الثلث المعطّل” في الحكومة العتيدة، سوى دليل على أنّ وزراء ما تسميه المبادرة الفرنسية بـ”حكومة مهمّة”، ليسوا سوى أقنعة جديدة للزعماء السياسيين الذين وافقوا على أن يُبعدوا حزبييهم لمصلحة “مُحبّبيهم” الذين كانوا قد قدّموا لهم خدمات، في المواقع التي سبق أن شغلوها، سواء في القطاع الخاص أو القطاع العام.

إنّ التدقيق بعدد من المقترحة أسماؤهم للتوزير يُظهر ذلك بوضوح يرتقي، في الدول التي تستحق هذه الصفة، الى مصاف الفضيحة.

وكم من الرؤساء على امتداد العالم، حوكموا أو يحاكمون لأنّهم وعدوا بمكافأة هؤلاء الذين استجْدوا خدماتهم لتعزيز نفوذهم السياسي أو الاقتصادي أو المالي!

لو أنّ السعي قائم، فعلاً لتشكيل حكومة من المستقلّين، لانتفت الحاجة الى الصراع المحتدم حالياً على ضفاف الجحيم الذي يعيش اللبنانيون فيه، على اعتبار أنّه لا يمكن أن تكون للمستقل آذان مصغية لأوامر هذا الفريق أو ذاك.

إنّ من تصح فيهم صفات “الجدارة” و”الخبرة” و”النزاهة” و”الإستقلالية” يستحيل أن تحرّكهم أوامر تتحكّم بها المصالح الدنيئة المولّدة للفساد، ويستحيل أن تجمّدهم المصالح الفئوية المولّدة للإنهيار.

إنّ حيثيات السجال المحتدم حالياً والذي يجنح نحو إثارة العصبيات المذهبية والطائفية، تؤكد أنّ الوعد في مكان والحقيقة في مكان آخر.

وإذا جرى الإستناد الى الشروط الموضوعية للإنقاذ، فإنّ الحكومة العتيدة التي جرى رسم خطوطها العريضة، لن تكون مؤهلة للمهمة المطلوبة منها، لأنّ التجربة اللبنانية، علّمت جميع المعنيين أنّ السبل تتعدّد و… التعطيل واحد.

وهذه النقطة المهمة تقود الى نقطة أهم تتصل تحديداً بإعادة التموضع السياسي في لبنان.

ويرسم السجال المحتدم بين عون والحريري ملامح إعادة التموضع هذه.

ويبدو واضحاً أنّ الحريري، لم يعد يتعاطى مع عون، وضمناً مع “التيار الوطني الحر” بقيادة جبران باسيل، على أنّه جزء من القوى التي تتمحور حول “حزب الله”، بل بات يوحي وكأنّ عون في مكان و”حزب الله” في مكان آخر.

وهذا ما يُمكن التوقف عنده في السجال حول ما يسمى بالثلث المعطّل، ذلك أنّ الحريري يرفض منحه لعون، في حين أنّ النقاش لا يأتي على ذكر أنّ الحريري وحليفه “السيادي” الوحيد في الحكومة العتيدة، رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، في ظل غياب “القوات اللبنانية” و”حزب الكتائب اللبنانية” والمستقلين، يمكنهما، بشق النفس، خرق أكثرية الثلثين المسلّم بمنحها، في الحكومة العتيدة، “محورَ الممانعة” الذي يضم “حزب الله”، “حركة أمل”، “الحزب السوري القومي الاجتماعي”، “حزب الطاشناق”، “المردة” و”التيار الوطني الحر”، ناهيك عن أنّ هذا المحور يتمتّع بمنصبين مهمين في اتخاذ القرارات وتجسيدها: رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النوّاب.

وهذا يعني أنّ الحريري يخوض، في الواقع، معركة حكومية لا تعني من يُطلق عليهم لقب “السياديين”، بل تعني “محور الممانعة”، ذلك أنّ توفير الثلث المعطل لعون، يمنح تيّاره قوة مستقلة داخل الحكومة على حساب سائر حلفائه، في حين أنّ تأثير معادلة الحريري – جنبلاط سوف يكون ضعيفاً جداً، إذا ما أُثيرت أيّة مسألة لها بعد سيادي يتخطّى إطار “الشؤون البلدية”، على اعتبار أنّ “حزب الله” مطمئن إلى “حلفائه” في كلّ ما يتصل بالتطلعات الإستراتيجية التي تعنيه.

ولم يعد خافياً على أحد أنّ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، كما سبق أن كشف “النهار العربي” في 31 كانون الثاني (يناير) الماضي، أبلغ نظيره الروسي أنّ بلاده “المستاءة من التدخل الفرنسي في الشأن اللبناني” على علم بأنّ “حزب الله” يرفض رفضاً قاطعاً أن يكون لعون الثلث المعطّل في الحكومة.

لماذا يفعل الحريري ذلك؟

لا جواب حاسماً عن هذا السؤال، ولكن ثمة أسئلة كثيرة تتفرّع عنه:

1- هل إنّ انهيار قوى 14 آذار، بداية ومن ثم انهيار التسوية مع “التيار الوطني الحر”، رمتا بالحريري، بدافع “غريزة البقاء”، في حضن تسوية، ولو غير متكافئة، مع محور الممانعة بترتيب من رئيس مجلس النواب نبيه برّي؟

2- هل إنّ الحريري مقتنع فعلاً بأنّ “حزب الله” سوف يقبل بفصل الواقع اللبناني لإنقاذه عن الواقع الإقليمي، وتالياً فهو يرغب بحكومة تجسّد هذا الفصل وتقطف ثماره؟

3- هل يعتقد الحريري أنّ ما عجز عن أخذه من التسوية مع عون يمكن أن يحصل عليه بتعزيز فكّ الإشتباك مع “حزب الله”؟

4- هل إنّ الحريري يعلم ما يجهله الآخرون عن قبول “الدول المانحة” بحكومة مماثلة، تحت مسمّى “الواقعية السياسية” بضمانة فرنسية؟

5- هل الحريري مقتنع أنّ “خلاف المصالح” الذي يفصل راهناً، وفي ظاهر الحال، “حزب الله” عن “التيار الوطني الحر” لن ينتهي، ما إنْ يرى “حزب الله” أنّ مصلحته تقتضي إرضاء “التيّار”؟

الأسئلة كثيرة، ولكن المؤكد أنّ “حزب الله” هو المستفيد الأكبر من كل ما يعانيه لبنان، ذلك أنّه في الذكرى السنوية السادسة عشرة لاغتيال الحريري حضر عون في الخصومة وغاب “حزب الله”، سيّد… “جمهورية سليم عيّاش”.

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى