خريطة طريق صعبة لبدء تفاوض أصعب* رفيق خوري
النشرة الدولية –
ليس هناك خريطة طريق واحدة لعودة المفاوضات بين أميركا وإيران على الاتفاق النووي، لا أيام الضغط بالعقوبات في رئاسة دونالد ترمب، ولا أيام الحديث عن تخفيف العقوبات في رئاسة جو بايدن، ولا بتأثير “الرسائل” الصاروخية الإيرانية بالوكالة على عنوان السعودية وعنوان أربيل.
وإذا كان من الصعب التفاهم على خريطة طريق لبدء التفاوض، فإن الأصعب هو ما يحدث في الطريق إلى نهاية المفاوضات، وإذا كان الثابت في إيران هو موقف المرشد الأعلى مهما تبدلت الرئاسات والحكومات، فإن الثابت في أميركا هو مصالح “الدولة العميقة” مهما كانت هوية الساكن في البيت الأبيض.
الرئيس باراك أوباما خالف “الدولة العميقة” بحجة إعطاء الأولوية الأميركية والإسرائيلية والعربية لمنع طهران من امتلاك السلاح النووي، فانتظرته على الكوع وجاءت بترمب الذي انسحب من الاتفاق، والرئيس حسن روحاني أقنع المرشد الأعلى بأن الاتفاق هو الوسيلة الوحيدة لرفع العقوبات عن إيران، وأن إكمال البرنامج النووي سراً يبقى ممكناً، فكشفت واشنطن اللعبة وأوقفتها، وليس التدرج الإيراني في التوقف عن الالتزامات بموجب الاتفاق سوى مغامرة لا تقود إلى مكان، ذلك أن الملف النووي ليس وحده مشكلة أميركا مع إيران ومشكلة إيران مع أميركا.
أيام الشاه، كان السفير الأميركي في طهران والمدير السابق للاستخبارات المركزية ريتشارد هيلمز يسمي إيران “مسمار الدولاب” في استراتيجية بلاده الشرق أوسطية، وبعد سقوط الشاه وضعت أميركا طهران في “محور الشر” وصارت تُطالبها بتغيير السلوك وهي تقصد تغيير النظام، ومنذ الثورة الإسلامية في إيران اعتبر الإمام الخميني أن العداء لأميركا من “أسس الثورة”، وهو ما كرره المرشد علي خامنئي وما شرحه رئيس الطاقة الذرية في إيران علي أكبر صالحي بالقول، “التحدي الأساس في العلاقات مع الغرب، لا سيما مع أميركا، ليس القضية النووية بل الموقف من نظام الحكم القائم على ولاية الفقيه ونهجه”.
وهذا لم يكن البند الملحّ على “أجندة” أوباما، ولا هو عند بايدن ولا كان عند ترمب، فما أراده ترمب ويريده بايدن هو اتفاق أوسع وأقوى يضم ملف الصواريخ الباليستية والنفوذ الإيراني الإقليمي و”السلوك الخبيث” المزعزع لاستقرار المنطقة، وما أثار ولا يزال كثيراً من التساؤلات هو إصرار بايدن على تعيين روبرت مالي موفداً للشؤون الإيرانية، على الرغم من الاعتراضات في الكونغرس وإسرائيل ودول عربية، فالرجل من الذين لعبوا دوراً في التوصل الى الاتفاق النووي، وهو نجل سيمون مالي الصحافي اليهودي – المصري الذي عمل في “الجمهورية” ثم هاجر إلى فرنسا وأصدر مجلة “أفريكاسيا” قبل أن يأخذ عائلته إلى أميركا، وكان من أصدقاء الزعيم الشيوعي المصري اليهودي هنري كورييل.
روب مالي أعلن أخيراً أنه ضد ربط العودة إلى الاتفاق النووي بالتفاوض على الصواريخ والنفوذ في المنطقة، ومع تأجيل ذلك إلى مرحلة ثانية، كما سخر من انتظار الانتخابات الرئاسية في يونيو (حزيران) المقبل، لأن “الكلمة العليا للمرشد الأعلى”.
والسؤال هو، إلى أي حد يستطيع مالي التأثير في القرار الأميركي؟ والجواب البسيط هو أنه ليس صاحب القرار بل أحد منفذيه الذين يقدمون اقتراحات للرئيس الذي يقرر.
أوباما فرض رأيه على نائبه بايدن وجون كيري ووليم بيرنز وويندي شيرمان وجايك سوليفان وأنتوني بلينكن، وبايدن سيفرض رأيه عليهم، وهم صاروا في الصف الأول داخل إدارته، وهو أعلن بوضوح أن العودة إلى الاتفاق تتطلب عودة طهران إلى التزاماتها والحد من تطوير البرنامج الصاروخي، ووقف “السلوك الخبيث المزعزع للاستقرار”، لا بل التزم التشاور مع الكونغرس والحلفاء وإشراك أوروبا والسعودية وإسرائيل في المفاوضات، والهدف المباشر هو كما قال سوليفان، “أن نعيد بناء المعابر لاحتواء إيران”، فضلاً عن أن الموقف الأوروبي صار قريباً من الموقف الأميركي، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يقول “إن المفاوضات مع إيران ستكون صارمة جداً”، وأقل ما جاء في بيان الرباعي الغربي، الأميركي – الفرنسي والبريطاني – الألماني، هو وقف انتهاكات إيران للاتفاق النووي، وإعادة “الامتثال الكامل لقرارات الشرعية الدولية، وصياغة “إطار إقليمي جديد” تكون السعودية جزءاً منه لـ “تقييد محاولات طهران المتواصلة تطوير ترسانتها من الصواريخ الباليستية التي تهدد دول المنطقة، ووقف دعمها للجماعات والميليشيات المسلحة التي تزعزع الاستقرار”.
وما تطالب به طهران هو عودة أميركا بلا شروط إلى الاتفاق وإلغاء كل العقوبات وتعويض إيران عنها، من دون أي تفاوض على الاتفاق النووي ولا بحث في الصواريخ والنفوذ الإقليمي، فكيف ومتى يمكن التوصل إلى خريطة طريق واحدة؟ وإلى أي حد تعترض روسيا بالفعل، لا بالكلام، على خرق إيران للاتفاق بصنع معدن اليورانيوم الذي هو الطريق إلى صنع قنبلة نووية؟