ماذا يُعلّمنا شكسبير عن التعاطف؟
النشرة الدولية –
نداء الوطن –
تشمل مسرحيات شكسبير أفكاراً قد يستفيد منها الكثيرون في زمن الانقسامات اليوم: كيف يمكن أن يصبح التعاطف عابراً للحدود؟
تحوّلت مظاهر الغضب وعدم استعداد جزء كبير من الناس للإصغاء إلى من يحملون آراءً مختلفة عنهم إلى مشكلة اجتماعية خطيرة. لكن يجب أن يبدأ أي حل لهذا الوضع السام على المستوى الفردي، من خلال تحسين طريقة سماعنا وتكلّمنا مع الأقارب والجيران والزملاء، حتى لو كانت أفكارهم مختلفة بالكامل عن أفكارنا. تعجّ أعمال شكسبير بدروس حول تطوير هذا النوع من التعاطف، إذ تُعتبر مسرحياته نقيضاً للتطرف والنوايا السيئة.
اعتبر الناقد الأدبي المعروف، هارولد بلوم، أن شكسبير هو من “اخترع الطابع الإنساني” وقد اتّضح ذلك في الحياة الداخلية الغنية لشخصياته. لكن لم تكن الشخصيات في أعمال شكسبير إنسانية على نحو واضح فحسب، بل إن تلك المسرحيات كانت تهدف أصلاً إلى زيادة إنسانيتنا، فهي تُشجّع على التعاطف مع أشخاص يختلفون عنا من حيث الخلفية والظروف والمظهر الخارجي. إنها شخصيات كنا لنرفضها أو نتجنبها أو حتى نكرهها في حالات كثيرة.
كُتِبت مسرحية The Merchant of Venice (تاجر البندقية) في أواخر تسعينات القرن السادس عشر، وهي تُعتبر الأبرز في هذا المجال. كانت الحبكة مستوحاة في معظمها من حكاية إيطالية تعود إلى القرن الرابع عشر واسمها Il Pecorone وتتمحور حول تاجر شاب يقترض المال من أحد المرابين اليهود ويقدّم نصف كيلوغرام من لحم جسمه ككفالة له. لكن يكون المرابي في تلك القصة شريراً. أما “شيلوك”، الشخصية الموازية له في مسرحية شكسبير، فهو يتمتع بعمق نفسي كبير. هو يشرح أنه أصبح شريراً بسبب سوء تعامل المجتمع المسيحي معه، فيقول: “أنا أطبّق الشر الذي تُعلّموني إياه. قد تزداد صعوبة الوضع لكني سأحسّن التعليمات التي أتلقاها”.
في مسرحية Othello (عطيل)، يطرح شكسبير الفكرة نفسها لكنه يضعها في سياق جديد. يكون “عطيل” جنرالاً بربرياً في جيش البندقية ويفوز بحب امرأة نبيلة من تلك المدينة اسمها “ديسديمونا” بفضل مآثره العسكرية. لكن يستغل “إياغو”، الضابط الأقل مرتبة، انعدام أمان “عطيل” بصفته رجلاً أسود في مجتمع يطغى عليه أصحاب البشرة البيضاء ويقنعه بأن قرار “ديسديمونا” بالزواج منه “غير طبيعي” نظراً إلى بيئتها ولون بشرتها ومستواها. سرعان ما يصبح “عطيل” قاتلاً لأنه يظن أن زوجته لا تستطيع أن تحبه بقدر ما كانت لتحب شخصاً ينحدر من الخلفية نفسها لمجرّد أنه أسود اللون. ويصبح “إياغو” شريراً لأنه يظن أن الآخرين لا يحترمونه أو يتجاهلونه لأنه يفتقر إلى المكانة الاجتماعية أو الأصل النبيل، فيقول: “أعرف قيمتي، لا يمكن أن تكون مكانتي أسوأ من ذلك”. اليوم، يمكن فهم الظلم العنصري الكامن وراء مصير “عطيل”، لكننا قد نميل إلى الإغفال عن التحيّز الطبقي الذي يفسّر سلوك “إياغو”.
تعكس التراجيديا الشهيرة King Lear (الملك لير) التي كُتِبت في العام 1605 نوعاً مختلفاً من التهميش، وقد قدّمها شكسبير وهو في ذروة عطائه. يظهر “لير” في بداية المسرحية وهو يواجه الضعف الذي يرافق التقدم في السن، فيعلن أنه سيتنحى ويقسم مملكته بين بناته الثلاث. لكنه غير مستعد لتقبّل خسارة نفوذه، ما يؤجّج غضبه واستبداده في وجه ابنته “كورديليا” التي لا تجامل والدها أو تخبره بما يريد سماعه كما تفعل شقيقتاها المخادعتان. في النهاية، يدفع “لير” و”كورديليا” الثمن ويخسران حياتهما لأن الملك لم يكن يعرف نفسه حق المعرفة. تنطبق حالة “لير” على مختلف الأشخاص: يكون جميع الناس معرّضين لخسارة قوتهم والتحول إلى شخصيات هامشية إذا عاشوا لفترة طويلة بما يكفي. يُعبّر شكسبير عن هذه الفكرة في خطاب Seven Ages of Man (سبعة عصور بشرية) في مسرحية As You Like It (كما تشاء) التي تقدّم أفكاراً كوميدية عن كل مرحلة من حياة الإنسان لكنها تتخذ منحىً مأسوياً في النهاية.