الفاسدون الناعمون.. سرقونا ولا زالوا يسرقون* صالح الراشد

النشرة الدولية –

تبحث عن ضحاياها، فتسير بهدوء دون ضجيج ولا صخب، تقترب من ضحيتها دون أن يشعر بها حتى وإن لامس جسدها الناعم جسد ضحيتها،  فهي كالحرير وتذكرنا بالفاسدين الذي نتعامل معهم ويعيشون بيننا، فملابسهم ناعمة وصوتهم خافت ورائحتهم زكية، فنرحب بهم حين نلتقيهم ونؤمن لهم، ونضع أسرار الوطن بين أياديهم، فنحن كشعب لم نعتاد على لقاء هذا النوع المرعب من الأفاعي، فنتعامل مع الجميع على أنهم أسوياء، وقد نعتقد أن الوطن في قلوبهم دون أن نُدرك أنه في جيوبهم، فنستمع لقولهم كوننا نحسب أن عقولهم وقلوبهم مع البلد، لنكتشف أن قلوبهم شتى تجمع بين الأضاد، فهم يبحثون عن مال الوطن وجواز السفر الغربي ليحتموا به حين ينهبون أهلهم وعائلاتهم.

والمصيبة أن النوعية الطيبة في وطني تشكل النسبة الأكبر من الاردنيين،  لذا يسيل عليهم لعاب الفاسدين الناعمين حتى تكون سرقتهم أضخم وأكبر، فينشلون ما في جيوبهم في المرة الأولى، ثم يسرقون قوتهم كونهم يشعرون أنهم فوق القانون، وعندها ينهبون ما تطاله أياديهم الناعمة التي لا تتسخ من سرقاتهم المتتالية، وقد يستقرون في الوطن أو يغادرون للخارج لحراسة أموالهم من عيون الأردنين الذي يعرفون لصوص الوطن فرداً فردا، والغريب العجيب أن الفاسد الناعم صاحب القوة الناعمة لايستطيع أن يمارس ألعابه السحرية في بلاد الغرب لأن هناك قانون يسأله على طريقة زكريا عليه السلام حين قال ” يا مريم أنا لك هذا”، ولن يستطيع أن يقول لهم “هذا من عند الله”، فهناك كل شيء محسوب بالورقة والقلم، وعندها سيتستقر في السجن بضع سنين لكن ليس على طريقة يوسف الصديق عليه السلام.

والغريب ان من يتغنون بحب الوطن بعد سرقتهم، ويرفعون راية الدفاع عن الأردنيين وهم يأكلون أموالهم بالباطل، يتحولون من حالة لأخرى ويتنقلون من منصب لآخر، فهم كالطاقة لا يفنون ولا يُستحدوثون من العدم بل يتحولون لأشياء أكبر وأكبر، لنجد أن الأفاعى الناعمة بعد أن تتكرش بالمال الحرام تتحول إلى ديناصورات تأكل الأخضر واليابس، ورغم ذلك لا تزال تسيرفي شوارع الوطن بكل كبرياء وثقة وترتدي الملابس الناعمة بل تزداد نعومة، فيما صوتهم لم يعد خافتا بل اختفى، وأصبح لهم ألف متحدث رسمي منثورين كحبات القمح في بلادي يذودون عن خطاياهم، ويتغزلون بإبداعاتهم وأياديهم البيضاء على الأمة، وهي ذات الأيادي التي تلطخت بالدم حين أكل أصحابها لحوم فقراء الوطن ونهبوا خيراتهم، كما لم تعد أنوفنا قادرة على أن تشتم رائحته عطورهم الباريسية كون أنوف الفقراء اعتادت على عطر الوطن الذي عصره الفاسدون وحولوه إلى أموال بلا رائحة.

هم الفاسدون الناعمون، نجدهم في كل مكان وفي كل محفل، يتسابقون لتطبيق نظرية العلاقات  العامة الأسوء في تاريخ الإنسانية، والتي تنص ” ليس المهم أن تفعل الخير لكن المهم أن يعلم الناس أنك تعمل الخير”، لذا فهم يكذبون بإحترافية عالية ونحن نصدقهم بغباء إحترافي ايضاً، لأننا احترفنا البقاء في الظل معتقدين ان كل من يرتدي ربطة العنق صادق وكل من يضع العطر مهذب، لنجد أنهم سرقوا منا كل شيء حتى الحُلم والأمل ولا زالوا يسرقون..!!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى