انهيار السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي* بوليتيكو
النشرة الدولية –
ماتت السياسة الخارجية الأوروبية في موسكو خلال الأسبوع الماضي! ستُقام مراسم الدفن في البحر خلال الربيع المقبل، على عمق 200 قدم تحت البلطيق، حيث تُركّب سفينة روسية ضخمة اسمها «فورتونا» الجزء الأخير من خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» الممتد على 1230 كلم بين روسيا وألمانيا.
كانت نهاية الطموحات الجيوسياسية الأوروبية متوقعة منذ وقت طويل، لكنّ رصاصة الرحمة بدت صادمة لأنها من صنع الأوروبيين أنفسهم.
ففي موقف اعتُبِر في العواصم الأوروبية «إهانة» واضحة، وقف الممثل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، صامتاً في موسكو يوم الجمعة الماضي في حين اعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الاتحاد الأوروبي «شريكاً غير موثوق به» خلال إطلالة مشتركة ومباشرة على قنوات التلفزة. اكتفى بوريل بابتسامة مؤلمة أمام هجوم لافروف اللاذع.
بالعودة إلى بروكسل، ردّ البرلمانيون الأوروبيون على ذلك الحدث بغضب شديد وطالبوا باستقالة بوريل، حتى أن النائبة البلجيكية في البرلمان الأوروبي، أسيتا كانكو، سألت بوريل: أين اختفت جرأة الاتحاد الأوروبي؟ لكنها فضحت بهذا السؤال سراً قذراً صغيراً عن الاتحاد: هو لا يتمتع بأي جرأة أصلاً!
لطالما قدّم الاتحاد الأوروبي أفضل أداء له حين يتمسك بما يعرفه، مثل القوانين والتجارة وتوزيع الإعانات على الدول المنتسبة إليه. لكنه لم ينجح سابقاً في تبنّي مقاربة دبلوماسية عالية المخاطر ولن ينجح بذلك يوماً لسبب بسيط: ما من إجماع بين الأعضاء السبعة والعشرين في الاتحاد حول السياسة الخارجية.
سواء تعلقت المسألة بروسيا أو تركيا أو الصين، أو حتى الولايات المتحدة، يكون التفاوض حول موقف متماسك داخل الاتحاد الأوروبي شبه مستحيل. لا يتعلق السبب بإيديولوجيا مختلف الأطراف بل باختلاف المصالح الوطنية بين الدول الأعضاء.
تبقى العقوبات الأداة الوحيدة التي يملكها الاتحاد الأوروبي «لمعاقبة» روسيا، لكنها لم تؤثر حتى الآن على تصرفات موسكو السيئة. وزاد الوضع تعقيداً لأن ألمانيا، أكبر عضو في الاتحاد الأوروبي، لطالما أضعفت الجهود الرامية إلى كبح روسيا.
أصبحت نزعة برلين إلى الإغفال عن الاستفزازات الروسية موثّقة، وقد اتّضح هذا الموقف في السنوات الأخيرة عبر خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2». يعارض عدد كبير من دول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الولايات المتحدة، هذا المشروع لأسباب عدة، منها حرمان أوروبا الشرقية من المليارات على شكل رسوم عبور تدفعها روسيا راهناً لإيصال الغاز إلى القارة الأوروبية.
كيف يُعقَل أن يتوصل بوريل، أو أي شخص آخر في منصبه، إلى موقف «أوروبي» موحّد وسط هذا التباين الحاد في المواقف؟
يظن الفدراليون الأوروبيون أن المخرج الوحيد يقضي بأن يتخلى الاتحاد الأوروبي عن مطلب الإجماع عند اتخاذ القرارات المرتبطة بالسياسة الخارجية ويفضّل مبدأ «تصويت الأغلبية المؤهلة».
لكنّ هذه الخطوة ستعمّق الانقسامات القائمة بكل بساطة، لنفترض أن أغلبية أعضاء الاتحاد الأوروبي قررت التقرب من روسيا رغم معارضة دول البلطيق وبولندا، أو لنتخيل ما يمكن أن يحصل إذا أرادت الأغلبية المؤهلة أن تنحاز إلى تركيا في خلافها مع اليونان وقبرص في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط. لا مفر في هذه الحالة من أن ينهار تماسك الاتحاد الأوروبي بالشكل الذي نعرفه.
كان منصب بوريل كـ»ممثل أعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي» ابتكاراً جديداً نسبياً، وعلى غرار بوريل، وجدت كاثرين أشتون وفيديريكا موغريني اللتان تسلمتا هذا المنصب قبله صعوبة في صياغة سياسة خارجية أوروبية متماسكة تتعارض مع أجندات العواصم الوطنية.
رغم فخامة هذا المنصب ظاهرياً، تبقى صلاحياته محدودة وقد اكتشف بوريل هذه الحقيقة خلال زيارته المؤسفة إلى موسكو، حتى أن ذلك المنصب لا يضمن له الاحترام.
في نهاية المطاف، من الواضح أن معظم دول الاتحاد الأوروبي تريد الحفاظ على الإجراء المريح الذي نشأ بعد الحرب ويجعلها تتكل على الولايات المتحدة لحماية أمنها وعلى حكوماتها المحلية لصياغة السياسة الخارجية.