ماذا تبقى من الصحف الـ17؟* حمزة عليان
النشرة الدولية –
كان من المقرر أن تصدر صحيفة باسم «الداو» كأول صحيفة كويتية بعد «كسر الاحتكار» لصاحبها الأستاذ محمد جاسم الصقر، صاحب التجربة العريقة في عالم الصحافة والإعلام، لكنه ارتأى تغيير الاسم واختار «الجريدة» بديلاً عن «الداو» وأسند رئاسة التحرير إلى الزميل خالد هلال المطيري، كان ذلك عام 2007 بعد تعديل قانون المطبوعات والنشر والسماح بإعطاء رخص جديدة للصحف والإذاعات والقنوات التلفزيونية.
قبل عام 2006 كان الخطاب الدارج في شارع الصحافة ينضح بالقول «لقد آن الأوان لكسر احتكار الصحف الخمس اليومية فليس مقبولاً أن يظل الرأي العام تحت رحمتها»، لم ينقطع هذا الخطاب وعلى مدى عقود من توجيه أسهم النقد إلى تلك الصحف الخمس وبالتبعية إلى الحكومة التي أقفلت الباب على منح رخص جديدة وتوقفت عند عام 1976.
رفع الشارع السياسي شعار لا بد من تعزيز الحريات وبات المطلب حاضراً على أجندة التجمعات الحزبية والمدنية وسط تأييد واسع من الجمهور الذي يطرب لهذا النوع من الشعارات، فالاحتكار في النهاية ليس سمة للدولة، والناس تتطلع إلى اليوم الذي يكسر فيه هذا القيد.
معظم الذين ترافعوا عن نبالة هذا المطلب ربطوا الموافقة عليه بأنه سيوسع هامش الحريات وسيعطي سقف التوسع والانتشار دفعة إلى الأمام ويفتح باب الحرية الإعلامية وعدم إبقاء الساحة وقفاً على عدد محدود من الأشخاص ومن منطلق تحقيق المساواة بين المواطنين إيماناً بحرية الرأي.
كان النقاش في أحد أوجهه يدور حول فرضية، هل عدد الصحف يرتبط بعدد السكان للدولة أم بالمستوى التعليمي والثقافي أم بدخل الفرد والإنتاج الفكري؟ وبالمقارنة بين الكويت ودول مجلس التعاون في حينه سنرى أن دولة مثل المملكة العربية السعودية كان فيها 16 صحيفة وبعدد سكان يصل إلى 27 مليون نسمة عام 2006، أي بنسبة صحيفة واحدة لكل 6.1 ملايين نسمة وهذا القياس لا يعتد به.
بين الأعوام 2006 و2009 وصل عدد الذين حصلوا على ترخيص لإصدار صحف جديدة إلى 32 طلباً أما الذين سجلوا أسماءهم فبلغوا 107 طلبات بين أفراد وشركات، صدر منهم 17 صحيفة يومية، بخلاف القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية! وبذلك طويت صفحة «الاحتكار» وفتحت صفحة «الانتشار» وعلى قاعدة أن البقاء للأفضل والأصلح وأن السوق هو من يحكم.
كان السؤال يومها ليس المهم من يصدر صحيفة، المهم من يبقى ويستمر ويصمد ويكون قادراً على توفير العنصر البشري، الكفؤ والقادر على المنافسة، وإن كان أكثر المستفيدين من تلك «الاندفاعة» والكوكتيل من الصحف هم العاملون في بلاط صاحبة الجلالة فقد زاد الطلب عليهم وارتفعت رواتبهم بعدما باتوا الشريحة الأكثر طلباً؟
خلال خمسة عشر عاماً توقفت الصحف الوليدة ولأسباب مختلفة ليس هنا مجال للخوض فيها، وعادت الأيام إلى دورانها من جديد بعد أن اختفت من الواجهة أسماء صحف غابت عن الذاكرة، ولم يعد في الساحة إلا من استطاع الصمود وحافظ على بقائه وتأثيره وبقيت «الجريدة» في الطليعة بعد أن كانت أول الصادرين.
مشروعية السؤال تزداد إلحاحاً: هل توسعت رقعة الحريات أم تراجعت؟ وماذا أضافت تلك الصحف؟ بعد أن تجاوزنا حكاية «كسر الاحتكار». الواقع أن مرحلة جديدة تماماً دخلتها الصحف اليومية ونحن على أعتاب القرن الحادي والعشرين، فقد تبدلت فيه قواعد المنافسة تماماً، والصراع اليوم أخذ منحى جديداً ساحته بين الفضاء الإلكتروني والورقي المفتوح على مصراعيه.