نواب “النسختين” .. هاجموا الموازنة ووافقوا عليها* صالح الراشد

النشرة الدولية –

“أشبعتهم شتماً وأودوا بالابل”، مثل عربي ضارب في عمق التاريخ، ونستعيده في عصرنا الحاضر مع كل جلسة موازنة للحكومة الأردنية، فالنواب يكيلون التهم للحكومة ويوجهون النقد اللاذع للوزراء ولا يتركوا شاردة ولا واردة إلا وتحدثوا عنها، ليترسخ لدى المتابعين الجدد للجلسات النيابية بأن النواب سيرفضون المصادقة على الموازنة، فيما المتابعون أصحاب الخبرة يدركون بأن المسرحية التي يشاهدونها مملة ومعادة عشرات المرات، كونهم يدركون أن ما يجري ينطبق عليه المثل القائل ” أسمع جعجعة ولا أرى طِحنًا” ، لذا فقد جاء التصويت مغايراً لما سمعناه لنشعر بأن غالبية النواب مستنسخين ولكل منهم نسختين إثنتين إلا من رحم ربي من أصحاب المواقف التي لا تتغير، فالنسخة الأولى للنواب تُهاجم الحكومة وقراراتها وتنتصر للشعب، ثم تخرج غاضبةً من ظلم وقهر الحكومة للمواطنين، مما قد يؤدي إلى فقدان نصاب الجلسات فيتم الزج بالنسخة المعدلة جينياً والتي تعمل “بالريموت كونترول” فتمنح صوتها لما تريده الحكومة.

فالنواب أسمعونا في كلماتهم ما يفوق الخيال وهم يستعرضون بطولاتهم الدونكيشوتية، ورفعوا عقيرتهم حتى وصل صوتهم لعنان السماء، لكن كما يُقال “الكثرة تغلب الشجاعة”، وهذا ما حصل في المجلس حيث كانت الغلبة لتجار الكلام الفارغ الذي باعوه للشعب على مدار الايام السابقة، ليصوتوا لصالح الموازنة وهذا أمر لا ننتقده كون هذا قراراهم ويجب أن يكون صادراً من قناعاتهم، لكننا ننتقد التصريحات والهجوم اللاذع الذي وجهوه للموازنة والحكومة، إذ كيف ينتقدونها ثم يقرونها، فهذا هو العيب والعار وازدواج الشخصية، وكنت أتمنى أن أشاهد نائباً يقف ويمدح الموازنة ويصوت لصالحها، وعندها كنت سأحترم هذا النائب كونه صاحب موقف وكذلك كنت سأفعل مع من ينتقدها ويحجب الثقة عنها.

ودعوني أستذكر معكم بعض العناوين البارزة في كلمات النواب، فهذا يستهزيء بالحكومة ويقول:”يا حكومة إحنا غلطانين وحقكم علينا”، وآخر يهتف “وضعنا المالي رمال متحركة”، فيما يقول آخر “الحكومات خذلت الوطن” وتهتف نائبة بصوت مرتفع “ان قياس الإيرادات غير واقعي”، ولم يتوقف النواب عن النقد لنجد صوت يهتف:”الموازنة منهكة ومحبطة” و”المطلوب التنشيط وليس الجباية”، فيما يصرخ أجرئهم ” الموازنة مرعبة” فيما آخر يدعم موقفه ويقول: “الضرب في الميت حرام”، ويضع نائب الكرة في ملعب الحكومة ويهتف “والله سنحاسبكم أمام الله”، وتأتي نائبة بهدوء لتخبر الحكومة ب”أن فاتورة الفساد يدفعها الفقراء”، ولم يتوقف الأمر لنعود في يوم آخر لنسمع أزيز اصواتهم فيقول عارف “موازنة إرهابية مرعبة للوطن وتهدد وجودة”، ليأتيه الرد “لا تصلح للمناقشة “، ويهدد آخر “احذروا الفقير من الجوع”، ولكن لم يقل أحدم منهم إحذروا الشعب العاقل المتعلم من مغبة حمق النواب.

هذه الكلمات وغيرها لم تصعق الرئيس والوزراء رغم أنها جعلتهم يصمتون وهم يتابعون ما يجري، فيما رئيس المجلس يطالب النواب بالصمت والإستماع لزملائهم وأن يبقوا في مقاعدهم حفاظاً على النصاب القانوني، فالحكومة تدرك أن الجواب النهائي معروف مسبقاً والموازنة في أمان والموافقة لا خلاف عليها، فيما الأصوات العالية لن تؤثر على القرار المتخذ ليكون رالي المناقشات مجرد استعراض للحياة الديموقراطية التي يريد مجلس النواب والحكومة أن يصدروا المشهد للعالم ويجعلونا نتغنى بها، رغم أنهم هم أنفسهم من يرفضون الحياة الديموقراطية للشعب بفضل القوانين التي تقدمها الحكومة للنواب الذين يسارعون للمصادقة عليها، ليكون ما نسمعة من النواب مخالفاً لما في صدروهم ليسقطوا من عليائهم كونهم نواب كلام لا عمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى