لماذا أصبحت الشتاءات قاسية أكثر؟* نهى ماضي

النشرة الدولية –

منذ زمن ليس ببعيد أتذكر حبي للشتاء وانتظاري هذا الفصل الممتع من السَّنة وأنا مشتاقة إلى أن تَلفح وجهي تيارات الهواء المُنعشة، وأن أتدفأ في لياليه بكوب من حمص الشام الساخن أو كوز الذرة الذي أعشقه في أثناء التمشية مع أهلي بأحد شوارع روكسي في مصر الجديدة، حيث ينتهي بنا المطاف عند “أبو حيدر”، صاحب ألذ وأطعم شاورمة لحم في مصرنا الحبيبة.

آنذاك لم يكن هناك مطاعم سورية أو لبنانية، كان “أبو حيدر” علامة من علامات روكسي، ليس فقط لأنه يقدم ألذ شاورمة، وإنما لأنه يقدم عصير مانجو فريش طوال السنة، فكنا نلتهم ساندويتشات الشاورمة بنهم شديد ثم نختم بكوب عصير مانجو كبير، مازلت أشعر بطعمه في فمي.

وعندما كان يشتد الشتاء قليلاً كان أبي يرتدي روب كاروهات أزرق، كان يرتدي مثله الفنان كمال الشناوي في مسلسل “هند والدكتور نعمان”. وفي تلك الليالي كنا نتدفأ بكوب من السحلب الساخن أو الكاكاو اللذيذ ونحن متدثرون في السرير، نشاهد أحد الأفلام الرومانسية الهوليوودية الممتعة.

أتذكر وقت أن كنت أدرس في الجامعة منذ عشرين عاماً، وكان وقت الشتاء بالنسبة لي هو اللحظة التي يجب عليَّ القفز فيها في حمام السباحة واختراق طبقة الثلج الرفيعة المتراكمة على سطحه، وقتها فقط كنت أشعر بالبرد وكان هذا الشعور يزول سريعاً بعد عشر دقائق فقط من السباحة، أعتقد لو فعلت ذلك الآن لانتهى بموتي بسكتة قلبية لا محالة.

كان الشتاء جميلاً رقيقاً مثل الأم الحنون، كنا نشعر فيه بالدفأ في أحضان أحبَّتنا بين حيطان بيوت ملأتها الفرحة والحب والرضا، كان الفقير يجلس أمام قوالح الذرة وهي تحترق؛ كي ينعم بحرارتها، ويحتسي كوباً من الشاي الساخن الذي قدَّمه له أحد الصبية من أحد المقاهي. وفي القرى كانت الجلسة الممتعة على المصطبة بجوار الدوار، حيث الأحاديث التي لا تنتهي ورائحة الخبز الساخن تعبئ الأرواح قبل أن يلتهمها الجالسون.

مؤخراً أصبح الشتاء قاسياً مثل زوجة أب لا ترحم، أصبحت أتمنى أن ينتهي هذا الفصل قبل أن يبدأ، أصبح الشتاء بالنسبة لي يعبّر عن الفقد والمرض والوحدة، الشتاء أجسام ترتعد من البرد ولا تجد شيئاً لتلتحف به، الشتاء طفل فقير يبحث عن كسرة خبز في مقلب زبالة، الشتاء نفوس مُتعبة ملقاه في زنزانة تموت ببطء من شدة البرد والجوع والظلم، الشتاء رجل مُسنٌّ ماتت زوجته وتركته وحيداً تهزمه الذكريات مراراً. الشتاء أصبح قاسياً مثل قلوب البشر.

قد تكون نظرتي إلى الشتاء سوداوية، قد يكون الشتاء مظلوماً وأن القسوة من البشر والبشر فقط مسؤولون عن هذا التغيير، فالجشع والطمع والظلم والقهر والخيانة منبعها الإنسان، لعل الشتاء يكون أحلى في عدم وجود الإنسان.

ما أحلى الشتاء زمان وما أتعسه الآن! يااااه، ليت الشتاء يعود كما كان، وليتنا نعود لما كنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button