السوريون يحسبون حياتهم بالدولار.. وتحذيرات من “انهيار المؤسسات عند 3700 ليرة”

النشرة الدولية –

الحرة –

باتت حياة السوريين في مناطق سيطرة نظام بشار الأسد تحسب بالدولار. وعلى الرغم من التعاملات التي يجرونها بالليرة السورية، يرتبط معدل الأسعار ومقياسها بسعر صرف الأخيرة في سوق العملات الأجنبية. سعرٌ يتغير في كل ساعة وأحيانا في كل عشر دقائق، حتى باتت كل 3600 ليرة سورية تساوي دولارا أمريكيا واحدا.

وبحسب النشرة اليومية لسوق صرف العملات، الأربعاء، انهارت الليرة السورية إلى مستويات قياسية، مع توقعات لاقتصاديين لوصولها في الأيام المقبلة إلى حاجز 4000 ليرة مقابل الدولار، لاسيما في ظل انعدام البدائل التي قد تتجه إليها حكومة الأسد لوقف النزيف المستمر.

استطلع موقع “الحرة”، عبر الهاتف، آراء مواطنين يعيشون في مناطق سيطرة النظام السوري. ويقول عبد السلام، شاب من مدينة حمص، إن أسعار المواد الغذائية تضاعفت بنسبة 40 في المئة في الأسبوع المنصرم، في ارتفاع “جنوني” ترافق مع انهيار سعر صرف الليرة السورية من 3000 آلاف ليرة للدولار الواحد إلى 3600.

“الله يعين الفقير”

ويضيف عبد السلام الذي طلب عدم ذكر اسمه الحقيقي لأسباب أمنية: “سعر الليل يمحوه النهار. فمثلا سعر ليتر زيت دوار الشمس ارتفع خلال يومين 500 ليرة ليصل إلى حد 6500 ليرة، وإلى جانبه حلّقت مادة السكر ليصل سعر الكيس (50 كليو غراما) إلى حد 100 ألف ليرة سورية”.

“حياتنا باتت تحسب بالدولار. والله يعين الفقير”، ويشير عبد السلام إلى توجه غير مسبوق من جانب التجار الكبار لتبديل العملة السورية بالدولار الأميركي، مع سلسلة الانهيارات المستمرة. ويتابع: “راتب الموظف السوري في مؤسسات النظام بات يساوي الآن ثمن علبة متة وعلبة صغيرة من الشاي وطبق من البيض فقط”.

ويبلغ سعر علبة المتة في العاصمة دمشق 3500 ليرة سورية، أما 25 ظرفا من الشاي فسعرها 1500 ليرة، بينما وصل سعر طبق البيض إلى 7000 ليرة سورية.

لا يختلف الوضع كثيرا في باقي المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة نظام الأسد. ففي دمشق مثلا هناك ما “يزيد الغصة”، وإلى جانب ارتفاع الأسعار الجنوني، يضطر السوريون حتى يومنا الحال،ي إلى الوقوف في طوابير الأفران للحصول على ربطة من الخبز.

عارف شاب نازح من ريف حماة، يقطن مع عائلته في دمشق، وفي السنوات الماضية كان الوحيد ضمن عائلته الذي يعمل من أجل تأمين متطلبات العيش (في مصنع كونسروة)، لكن بقية أفراد عائلته باتوا مضطرين حاليا للعمل للبقاء على الحياة، حسب قوله.

ويضيف عارف لموقع “الحرة”: “أتقاضى 50 ألف ليرة سورية كراتب شهري أي ما يعادل 13.8 دولار أميركي. لا يكفي لشراء السكر والشاي شهريا”.

“تضخم جامح”

أمام الانهيار الذي تسير فيه العملة السورية والتضاعف الجنوني لأسعار المواد الغذائية، لا تلوح في الأفق أي حلول من جانب حكومة نظام الأسد، التي تصر على سياسة أمنية كانت آخر تبعاتها توجه “هيئة مكافحة الإرهاب” التابعة للمصرف المركزي السوري للقبض على عشرات التجار بسبب تعاملهم بالدولار الأميركي، كما اتجهت للتضيق أمنيا على شركات الحوالات.

وفي بيان اصدره قبل ثلاثة أيام، قال المصرف المركزي إن “هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والضابطة العدلية قامتا بالعديد من المهمات في مختلف المحافظات، وتحديدا في محافظات دمشق وحماة وحلب، والتي أسفرت عن وضع يدها على مجموعة من الشركات والجهات التي تعمل بالمضاربة على الليرة السورية”.

وأضاف المصرف: “تم مصادرة كميات كبيرة من الأموال بالليرات السورية والدولار الأميركي، ويستمر مصرف سورية المركزي بعملية تدخل متعددة الأوجه وصولا إلى إعادة سعر الصرف في سوق القطع الى مستويات توازنية سابقة”.

الخبير الاقتصادي الدكتور أسامة القاضي يقول إن مراقبة سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار ربما يصلح للاستئناس به حيث يعكس حالة مخففة من معدلات التضخم الذي تجاوزت خمسين بالمئة سنويا منذ عام 2011.

ويضيف القاضي في تصريحات لموقع “الحرة”: “التضخم وصل تقريبا إلى 6700 بالمئة ما بين عامي 2011 و2021، وهو رقم التضخم الجامح الذي وصلت إليه الكونغو الديمقراطية عام 1992 واستمر 12 شهرا”.

ويرى الخبير الاقتصادي أن “استمرار التضخم بمعدل 50 بالمئة كل عام يعني أن سعر الليرة السورية سيصل في عام 2025 إلى 14500 ليرة للدولار الواحد، وعندها سيصل التضخم إلى ما بين 2011 و2025 إلى 29 ألف بالمئة!”.

أربعة أسباب وراء الانهيار

ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في سوريا بنسبة 249 في المئة في وقت يعاني نحو 9.3 ملايين سوري من انعدام الأمن الغذائي.

وشهدت الليرة السورية تراجعا حادا خلال سنوات النزاع، إذ كان الدولار الأميركي يساوي 48 ليرة سورية، فيما بات اليوم يعادل 1256 ليرة وفق السعر الرسمي، ونحو 3600 ليرة وفق سعر السوق الموازي.

وهناك أربعة أسباب تقف وراء الانهيار الحالي الذي يشهده سعر صرف الليرة السورية، حسب دكتور العلاقات الاقتصادية الدولية، عبد المنعم الحلبي. أولها فشل الصادرات السورية في تأمين “موارد دولارية” تكفي لفاتورة المستوردات، وضعف إمكانيات البنك المركزي في تأمين الدولار بسعر جيد للمستوردين، إلى جانب عدم تنفيذ إيران لوعودها باستئناف الخط الائتماني الملياري.

وثمة أسباب أخرى تؤدي لضغوطات إضافية ساهمت في آخر انحدار.

ويضيف الحلبي في تصريحات لموقع “الحرة”: “أولها تصريحات مدير شؤون البدل والإعفاء التابع لتجنيد جيش النظام حول مصادرة أملاك من لم يؤدوا الخدمة العسكرية، وتجاوزوا سن الـ42 وغيرهم، الأمر الذي أدى إلى زيادة الطلب على الدولار لغايات تأدية البدل النقدي”.

أما السبب الثاني، فهو “إصرار البنك المركزي على عدم تعديل سعر صرف الحوالات، الأمر الذي يؤدي لزيادة الطلب على الدولار لتنفيذها”.

ويوضح الحلبي: “السبب الثالث يرتبط بزيادة أعداد الهاربين من مناطق النظام، وهؤلاء يقومون بدفع تكاليف التهريب الباهظة بالدولار، ويعملون على تأمينه عادة من مناطق سيطرة النظام ودفعه لشبكات تقع خارج هذه المناطق”.

“انهيار المؤسسات يبدأ عند 3700”

من وجهة نظر الاستشاري الاقتصادي، يونس الكريم، إذا ما اتجهت حكومة نظام الأسد لتحسين سعر صرف الليرة السورية، في الشهرين المقبلين، ستكون “مؤسسات الدولة أمام عجز تام عن تقديم أي من السلع والخدمات”.

ويقول الكريم في تصريحات لموقع “الحرة”: “وصول الليرة السورية إلى 3700 مقابل الدولار الواحد سيخفّض قدرة مؤسسات الدولة على الاستمرار بتقديم خدماتها. نقطة انهيار مؤسسات الدولة وعجزها يبدأ عند حد 3700، وأي رقم يزيد عن ذلك سيقود إلى تقليل القدرة”.

ولا يوجد عامل محدد وراء الانهيار الحالي لسعر صرف الليرة، ويرى الكريم أن سعر الصرف هو مرآة الاقتصاد، ويعكس الواقع الاقتصادي والسياسي في البلاد، ويتابع: “هناك مقولة تفيد بأن العملة هي الدستور والحدود وتشكّل الاقتصاد بالكامل لأي دولة”.

ويشير الكريم إلى أربعة عوامل وراء انهيار الليرة في الوقت الحالي، أولها ارتجالية إدارة الملف الاقتصادي والنقدي من جانب حكومة الأسد، إذ لا تزال “التصريحات من قبل النظام ارتجالية لا تستند إلى واقع حقيقي، ولا يزال المسؤولون يتكلمون بما يفقهون”.

أما العامل الثاني فهو غياب “الوحدة” داخل النظام. ويشير الاستشاري الاقتصادي إلى أن “النظام بات مقسما إلى ثلاثة تيارات: الأول أسماء الأسد وله تحالفات مع إيران، والثاني التيار الروسي، أما الثالث فهو تيار رامي مخلوف. الصراع المذكور يضعف البنية الاقتصادية والوحدة الاقتصادية للنظام”.

وهناك عامل ثالث يرتبط بالانهيار، وهو “العامل المعنوي”. ووفق الكريم: “إصدار فئة 5000 ليرة أثرت بشكل سلبي على سعر الصرف. الناس باتوا يشعرون بأن النظام السوري لم يعد يملك الأموال، وبات لزاما التوجه للعملة الصعبة”.

وكان مصرف سوريا المركزي قد طرح في 24 يناير الماضي ورقة نقدية جديدة من فئة خمسة آلاف ليرة هي الأكبر حتى الآن، وأعلن حينها أن “الوقت قد أصبح ملائما وفق المتغيرات الاقتصادية الحالية لطرح الفئة النقدية الجديدة”، التي طبعها قبل عامين.

وأوضح “المصرف المركزي” أن طرح الفئة الجديدة جاء “بناء على دراسات قام بها خلال السنوات السابقة ووضعه للخطة الكفيلة لتأمين احتياجات التداول النقدي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى