رئيس الحكومة… ولّي امر أو مأمور؟ من مقدمة “إبن خلدون ” إلى “مقدمة وطن مديون ومحزون “* فلك مصطفى الرافعي

النشرة الدولية –

مجلة الشراع –

على وميض القهر، بغياب الكهرباء وإعتكاف القمر، هناك طاقة تنتزع  عنوة شعاع من ضوء، ربّما معادلة الحبر الأسود على الورق الابيض “والضدّ يُظهر حسنه الضدّ” تلمع بارقة أمل بعد يأس من ظهور الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ،وأضحى طريق العتمة غير المُعبّد ” بين القصرين” ليس لرائعة الأديب الكبير نجيب محفوظ ، وإنما لمسلسل ” رايح ،جاي” بين بعبدا وبيت الوسط..

هذه العقدة الكأداء دفعتني بعد أن بلغنا ثالثة الأثافي ورابعها وخامسها وملحقات ” كان واخواتها”  إلى إستحضار مواقف قديمة وحديثة عن نبذة بسيطة عن معظم رؤساء الحكومات منذ الاستقلال وحتى يومنا المأزوم ،مواقف استخلصتها من مرويات موثّقة الى معلومات بالنقل تناقلتها أجيال على مدى أكثر من نصف قرن للعبرة والترفيه المفترض…

 فالرئيس سامي الصلح،

رئيس حكومة ” ثورة عام 1958 ” كان ظريفا ومتأثرا باللهجة التركية فأُطلق عليه لقب ” بابا سامي ” واهزوجة أطفال الثورة المعترضين عليه ” يا ماما اوعى تنامي حتى يفل بابا سامي “.. ومن طرائفه انه و اثناء قيامه بجولة انتخابية التقى شابا وسأله عمن يكون فقال انا “ابن فلان “، فقال له: ”  وكيف الوالد ” اجاب الشاب “عطاك عمرو” ….وبعد  ايام التقى الصلح بنفس الشاب وسأله عن والده فأجاب:  ”   والله بعدو ميّت “…

 الرئيس القاضي رشيد الصلح،

كان داهية…  و مما يُروى عنه ما قام به من  نهر للنائب في حينه أمين الجميّل وأساء للرئيس الصلح أثناء حرب السنتين وفي قاعة المجلس لانه أراد المغادرة فاعترضه الجميل بطريقة غير لائقة فانتفض ساعتها النائب الشمالي المحامي مرشد الصمد ممسكا بالنائب الجميل مهددا وناهرا بأن الرئيس الصلح يمثّل طائفة كبيرة ولانسمح باهانته….

 الرئيس أمين الحافظ،

الذي أتى به الرئيس فرنجية رئيسا للحكومة،  والحافظ من كتلة الرئيس الشهيد رشيد كرامي وكانت الكيمياء مفقودة بين فرنجية وكرامي وكان ان توفي الرئيس فؤاد شهاب عام ١٩٧٣ في وقت حكومة الحافظ وشيع الرئيس حسب البروتوكول الذي قضى ان يمشي خلف الجنازة بالصف الأول الرئيسان فرنجية والحافظ… وكان وراءهم الرئيس رشيد كرامي المدلّل عند شهاب والنهج الشهابي …وصدرت الصحف بالصورة التي ازعجت الرئيس كرامي وانقطعت العلاقه بينه وبين حليفه الرئيس الحافظ الذي لم يستطع أن يمثل أمام المجلس لنيل الثقة بعد استقالة موجعة من الوزيرين السنيين زكريا نصولي وبهيج طبارة فاستقال الحافظ مكتفيا بدخوله نادي رؤساء الحكومات…..

الرئيس الظريف الحاج حسين العويني،

وسياسة “هيك وهيك” يُسال عن الوضع الحكومي او الإقتصادي وحتى حالة الطقس الجواب دائما (هيك وهيك) .. ويُروى أن أحد المساكين رابط أمام منزل العويني لطلب المساعدة وبعد التحية والسلام سأله الحاج حسين عن احواله كان المسكين على حياء فأجابه ” والله جيبتي مثقوبة ” يقصد انه بحاجة إلى مال فأجابه الرئيس ” قل لزوجتك ان ترتقها”  …

الرئيس خالد شهاب،

الآدمي النزيه وصل إلى القصر الجمهوري للتهنئة بأحد المناسبات مُستقلا سيارة أجرة.. طلب من سائقها ان ينتظره فعلم الرئيس فرنجية بذلك فأفرج عن مشروع قدمه النائب في حينه منير ابو فاضل لإعطاء راتب تقاعدي للنواب ولرؤساء الحكومات السابقين ووقّع الرئيس على الموافقة ….

الرئيس القوي صائب سلام،

والزعيم البيروتي المشهور بوضع القرنفلة الحمراء على زر سترته  وبالسيجار الفاخر، وكان من الذين أصيبوا ابان أحداث 58 المناهضة للرئيس شمعون وصاحب الشعار المعروف ” لاغالب ولا مغلوب ” وهو الذي دخل عنّوة الى مكاتب ” المكتب الثاني ” وحدّ من صلاحياته بعد أن انتصر مع “كتلة الوسط” التي أوصلت فرنجية للرئاسة الاولى وصائب بك للحكومة وكامل الأسعد لرئاسة المجلس النيابي…. ومما يُروي عنه أنه اثناء خروج مواكب رئاسية للمشاركة بتشييع الزعيم الوائلي احمدالاسعد كان الرئيس شهاب في سيارة والرئيس سلام في سيارة وأثناء الطريق إلى الجنوب طلب الرئيس شهاب من الدرّاج المواكب له ان يسأل الرئيس سلام ان يكون الى جانبه في سيارته فوافق سلام لمرافقة الرئيس شهاب بسيارته وبيده السيجار ،، فطلب إليه الرئيس شهاب إطفاء السيجار فرفض سلام قائلا له” انت طلبتني” ،وغادر عائدا إلى سيارته ومن يومها سيطر التوتر على علاقة الرئيسين…..

الرئيس تمام صائب سلام،

رئيس جمعية المقاصد الإسلامية لسنوات عنده الكثير من مواقف والده وتطيب نفسه عندما يذكر أحدهم مقولة عن والده ” ما بيصائب الاّ صائب “… ويُروى عنه أنه قال لاحد وزراء حكومته المشاكس” بلا ولدنه” فالإبن سر ابيه.

الرئيس سليم الحص،

رمز النقاء الحاكم ،مسيرته شفافة وبيضاء صلب بالمواقف ،مرن بالحوار ،صديق الرئيس الياس سركيس… حكم بضميره بصبر .. و ممايروى عنه انه ” حاكم الامر الواقع ” …أهداه وديعة ليكون على لائحته وهو النائب ناصر قنديل ويقول الرئيس الحص عن المقابلة الأولى بينهما انه استمع لقنديل لمدة ساعتين …وانتهى اللقاء ….

  الرئيس الوزان،

النائب المستقل الذي استطاع أن يخرق منفردا قائمة الرئيس صائب سلام كان مفوّها وحقوقيا ،اتى ايام الحرب العبثية في لبنان ،يروي احد أصدقائه الطرابلسيين ان الوزان سأله عمّا يقوله الشارع عنه في ظل التقنين الكهربائي فأجابه هناك طرفة يتداولها الناس عن الكهرباء ” ايام الحص نص نص ،ايام الوزّان التقنين بالميزان” …

 الرئيس السنيورة،

صديق الرئيس المظلوم، رفيق الحريري، يُشهد له بأعصابه المتينة وطول اناته وصبره وهو القائل ” علمني والدي ان امضغ الماء “… العقل المالي الجبّار والذي أثبت عن جدارة في قوة تحمله أثناء حصار السرايا الكبيرة فلم يخضع لابتزاز او خوف بل يقال انه كان يخرج الى إحدى شرفات القصر الحكومي المحاصر ويحاور ويمازح شباب الحصار…

 الرئيس عمر كرامي،

المحامي وعضو مؤتمر لوزان للحوار هو والدكتور عمر مسيكة والذي أخذ البيعة  من الطرابلسيين بعد استشهاد شقيقه المظلوم رشيد كرامي ،جرئ وصاحب مواقف وهو الذي كان رئيسا للحكومة اثناء اغتيال الرئيس المظلوم رفيق الحريري ولم يتهمه احد بمجرد معرفته بأمر الجريمة ولم يُستدعَ الى اية جلسات المحكمة الدولية…. ترأس أولى حكومتيه عام 1990 بعد مؤتمر الطائف لمدة سنة ونصف واستقال على إيقاع الدواليب المحترقة في الشارع عقب التدهور الأول لليرة  اللبنانية حيث وصل سعر الصرف تجاه الدولار الى 3000 آلاف ليرة وكانت استقالة حكومته الثانية عقب الاغتيال المدوي للرئيس الحريري وبعد أن طالبت النائب بهية الحريري كرامي بالاستقالة في جلسات المجلس النيابي وارجئ الاجتماع الى مساء نفس اليوم…  فاجأ الرئيس عمر كرامي الجميع باستقالته دون علم احد وكان باديا الإستغراب على وجه الرئيس بري آنذاك …..

الرئيس عبد الحميد كرامي ” الأفندي الكبير”،

المفتي والنائب والرئيس وهو  احد ابطال الإستقلال ..اعتقلته سلطة الإحتلال من مزرعته في مرياطة البلدة الوديعة عند خاصرة مدينة طرابلس ولم يسمح له الجنود بإرتداء الملابس العادية فإنتقل بلباس النوم ” البيجاما” …  ويُروى انه كان ذاهب في يوم للاجتماع مع  ابطال الإستقلال ،  وصادف انه مرّ على حاجز امني وكانت الأوامر منع الأفندي من المرور.. فتح الزعيم كرامي صدره وقال لآمر المفرزة وكان شماليا “: أطلق عليّ النار ولن يمنعني احد ” فما كان من العنصر الأمني الاّ استرضاء الأفندي قائلا له ” لن أطلق عليك النار ولكن تأكد أنك لو تجاوزت الحاجز ساتعرض لعقوبة وطرد من الخدمة والأمر يعود لك ” “…فما كان من الأفندي الاّ الرأفة بالعسكري اللبناني الشهم وقفل عائدا  …و قد أُقيم  له في الذكرى السنوية الأولى لرحيله تأبين كبير في حديقة طرابلس حضره  الرئيس رياض الصلح و شخصيات لبنانية و عربية و القى الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري قصيدة بالمناسبة مطلعها :

” باقٍ و أعمار الطغاة قصار “

…و مما يُروى عنه انه عندما كان مفتياً يسير بشوارع طرابلس محييا الناس ومحبيه هاجمه احد الاشخاص المعروفين معارضتهم لبيت كرامي واهانه ثم تجرأ ونزع عِمة الإفتاء عن رأسه ورماها ارضا..وكانت ليست إهانة لكرامي بل لما يُمثّل من مقام روحي جليل فشهر مسدسه وارداه قتيلا… واجتمعت ملوك وقيادات عربية لتجميع مئات ليرات الذهب ” ديّة  القتيل” وخرج منها المفتي موفور الكرامة …. عبد الحميد كرامي احد ابطال قلعة راشيا الذي وقّع على اول نسخة للعلم اللبناني .

 الرئيس رشيد كرامي الأفندي،

ابن الأفندي ورث زعامة والده عبد الحميد وكان أصغر نائب وأصغر وزير وأصغر رئيس حكومة في لبنان والعالم العربي ..رجل دولة من الطراز الأول ،حاد الذكاء، هادئ ،رجل مواقف صعبة ،استقال مرة ولم يستطع رئيس الجمهورية تكليف غيره لمدة ٨ اشهر وعاد عن استقالته ومارس دوره كرئيس قوي ،حاضن اتفاقية القاهرة المثيرة للجدل ..عندما فُقدت الكيمياء بينه وبين الرئيس فرنجية الذي حاول تشكيل حكومة برئاسة الظابط المتقاعد نور الدين الرفاعي لم يصمد تكليفه سوى ايام قليلة وكان الإعتذار بعد أن تنادى قادة الطائفة السنّية واجتمعوا وقرروا ان الطائفة ليس لديها مرشحا للرئاسة سوى اسم واحد ” رشيد كرامي ” وأُسقط بيد الرئيس وكلف الرشيد بتكليف الحكومة .قضى اغتيالا ظلما  في الاول من حزيران عام ١٩٨٧،اغتيال الرجل المعتدل في فضاء النسور على متن طوافة تنقله من طرابلس الى بيروت لان الطرق البرية كانت مقطوعة من دويلات……… حاول” الرئيس  رشيد”  ان تعود كل طرقات لبنان مفتوحة أمام الحوار. الرئيس نجيب ميقاتي،

الرجل الهادئ والصارم والذي يملك ذاكرة خطيرة فهو ينادي كل من عرفه بإسمه،من عائلة معروفةتعاطت التجارة وبدأ مسيرته السياسية عبر نجاحه بعضوية غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت ومن ثم بدأ مشواره السياسي بنجاح ..فاز في كل الانتخابات التي خاضها وفي آخرها فاز مع ثلاثة من أعضائها سنّي وماروني” الراحل جان عبيد ” وعلوي وروم ارثوذكس..أثناء توليه السلطة التنفيذية حافظ على الرموز الحريرية في مواقعها رغم طلبات كثيرة بإنهاء خدماتهم ومنهم سعيد ميرزا واشرف ريفي وغيرهم ،ماهر بتدوير الزاويا واستطاع أن يشكل لنفسه مرجعية خاصة …..

الرئيس المظلوم رفيق الحريري،

الجندي المجهول والمعلوم لاتفاق الطائف وشركته هي التي بنت قصر الطائف بفترة وجيزة وقياسية وفق أفضل المواصفات ،كان معروفا قبل توليه الحكم ،علّم الالوف من الطلاب من كل المناطق والطوائف،رجل إعمار بيروت وعودتها سيدة العواصم ،علاقاته العربية والعالمية نادرا ان تجتمع برجل واحد ومع هذا هو القائل ” لا أحد أكبر من بلده ” ….أنشأ ثنائي حاكم مع الهراوي وساءت علاقته كثيرا مع لحود ..

علّم ،عمّر، ساعد الجميع ولأنه كان كبيرا كان القرار بتغييبه…يصح أن يقال عنه انه حكم من تحت الأرض اكثر من فوقها،، وكان رئيس الحكومة الوحيد الذي فرد لوائحه على معظم المناطق اللبنانية وكان صاحب اكبر كتلة نيابية وهو الذي رفض تجيير اصوات وضعت بتصرف رئيس الجمهورية فاعتذر عن قبول “الهدية الملغومة ” …

قضى مظلوما بتفجير آثم قبالة السان جورج،صديق حبيب ومقرّب من الملك الراحل فهد وممن تولوا الحكم بعده ربما يصح القول فيه ايضا انه رجل من الصعب أن يتكرر….

ثلاثة من رؤساء الحكومات قضوا اغتيالا رجل الاستقلال الأول رياض الصلح ورشيد كرامي ورفيق الحريري …

اما الرئيس سعد الدين الحريري،

فكلنا نعرف مسيرته المعاصرة وهو اليوم أمام لاعبين ورقعة شطرنج…

و” الشيخ سعد “لن يسمح اليوم لأحد أن يقول له” كش ملك”!! …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى