كارهو الفرح * د. خولة مطر

النشرة الدولية –

الجريدة الكويتية –

بعضهم أو بعضنا يبحث عن الفرح وبعض السعادة من خلف جدار العتمة، وبعضهم أو بعضنا يبتعدون عنهما ويتشبثون بالكآبة حتى عند بدء يومهم بقوس قزح في أفق سماء لا يسكنها سوى العصافير، وعندما تسرف الحياة في زخات مطرها المنعش يتعوذون من الشيطان الرجيم تحسبا للقادم وخوفا مما يسمونه مصيبة أو كارثة، عندما ينهمر الضحك في ليلة حميمية مع بعض الموسيقى والرقص وكثير من المحبة يكررون «الله يكافينا شر هذا الضحك» أو «أكيد راح نصبح على خبر حزين».

 

هؤلاء ينبشون الغبار عن صور لا تحمل إلا كثيراً من الشواهد والقبور ليعيدوا تكرار سيل دمع ليته كان قادراً على عودة الراحلين ولو للحظات فقط، تكثر خطابات نصحهم في الأوقات العصيبة وكأنهم يقولون للآخرين «ألم نقل لكم؟»، وعندما اجتاح الفيروس «اللعين» أرض الكون من أولها إلى آخرها انتعشوا هم دون أن يعلموا، ربما حتى لا نظلمهم، فهذه خصلة أو ربما مرض؟!

 

أما أولئك الباحثون عن الأمل في زمن الانحدار على مختلف الصعد والمستويات، فهؤلاء هم من يمكن تسميتهم بصائدي أو مقتنصي اللحظة، هم من يمسكون بها بقوة كما الأمل وعندما يقولون صبراً أو بعضا منه فهم لا يعنون أن نصبر حتى أبد الآبدين فقط في انتظار همسة أو لمسة أو جلسة تجمعهم بالأحبة، هم من يخلقون الفرح ولا ينتظرون من يوزعه عليهم أو يمنحهم إياه كـ»المكارم»، وهم من يعرفون أن الفرحة الحقيقية ليست بحاجة إلى طائرة خاصة ومدينة «أزكوتك» أو شنطة أو فستان أو حذاء رجالي أو نسائي أو حتى ساعة حتى لا ننسى كل تلك «القبيلة» الكونية الجديدة التي لا تعرف السعادة والفرح إلا عبر حقيبة من المال.

 

هم يحملون ما يحبون ومن هم الأقرب إلى قلوبهم وبعض الموسيقى ليست تلك التي تسبب التلوث الصوتي، بل بعض الجديد والقديم الذي قد لا يكون دائما «موضة»، ويسكنون المكان الذي يعيشون اللحظة فيه معا، يحولونه إلى أقمار في سماء حالكة السواد ويتشبثون بالفرح لأنه مثل الأمل يبقي للحياة معنى، بل يقال إنه يطيلها أيضا لمن يحب أن يعيش أطول وأكثر!

 

كارهو الفرح يقرأون خبراً صغيرا على وسائل التواصل من مصدر غير معروف، أو غير موثوق أو حتى لا مصدر ويبقون أياماً يرددونه ناشرين الخوف والفزع، ومرعبين البشرية كأفلام هوليوود التي تقول إن الحياة قد تنتهي ذات لحظة وهي فعلا قد تكون كذلك، فلسنا خبراء ولا أنبياء ولا منجمين حتى لو كذبوا!! ولكن الباحثين عن الفرح لا ينشغلون بتلك اللحظة حتى تسقط عليهم وعلى غيرهم، فهم أبناء الآن وأبناء هنا، وهم ساكنو النغم الجميل والابتسامة بل الضحكة والجمال المشع من باطن الروح بل من ثنايا القلب، هم من يرددون «أمانة عليك يا ليل طول» وبين «كعكعة» وأخرى يرددون بيت شعر وحيد حفظوه عن ظهر قلب:

 

فما أطالَ النومُ عُمراً ولا

 

قَصَرَ في الأعمارَ طولُ السَهَر

 

هؤلاء أبعد من يكون عن ذاك النمط من التدين أو الحياة التي تبدأ وتنتهي عند عذاب القبر والعقاب والثواب والترهيب، وكأن الكتب السماوية كلها وبيوت الله لا يسكنها إلا الرعب من القادم، وكأنها لم تكن يوما ملاذا ورحمة للبشر، علاقاتهم بربهم خاصة جدا وكذلك بعملهم وعائلتهم وكل تفاصيل أيامهم. يرسمونها بعناية الفنان المحترف ويعرفون أن الأجمل لم يأت بعد حتى لو كانوا في العقد السادس أو السابع من حياتهم. هم، شباب وشيب، يرددون أن أي مساحة للفرح هي يوم جديد يستحق الحياة حتى لو كان هو آخر يوم، وأن كثر البكاء والحزن لا يأتي إلا بمزيد منه بل حتى الأمراض المستعصية منها والخفيفة. هم عكس كارهي الفرح ينثرون الابتسامة حتى في أشد ساعات التوتر والحزن، ويؤمنون حتما أن السعادة لا تُهدى ولا تمنح، بل هي كالحرية تنتزع من باطن الموجة العالية وبطن الحوت. هم وكارهو الفرح كالأرض والسماء والنار والماء لا يلتقيان أبدا.

 

* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button