سلام ورفات… روسيا ترسم مستقبل العلاقات الدافئة بين سوريا وإسرائيل* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

في غفلة، جرت الأسبوع الماضي مفاوضات عملية تبادل أسرى بين إسرائيل وسوريا، وهي الصفقة التي اعتبرها البعض ترويجاً من قِبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لحملته الانتخابية المقبلة في مارس (آذار) من هذا العام. بينما قال آخرون إن ما أعلنه نتنياهو “لم يكن دقيقاً”.

تبادل الأسرى

وعملية تبادل الأسرى، التي تولت فيها روسيا دور الوساطة، أبطلت من قِبل الأسرى أنفسهم. فبعد انتشار خبر إجراء المفاوضات، ترددت أنباء عن أن الأسرى السوريين لا يريدون العودة إلى دمشق. وتبين لاحقاً أن اثنين منهم سوريون، فتاة درزية تدعى نهال المقت من بلدة مجدل شمس السورية في الجولان، ليست أسيرة ولا معتقلة، ولم تطلب الانتقال إلى الداخل السوري.

وحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان” فإنه لا توجد أي امرأة إسرائيلية معتقلة لدى أجهزة النظام ولا المقاومة السورية لتحرير الجولان في القنيطرة، ونهال المقت ليست معتقلة أصلاً وحكمها مع وقف التنفيذ، وهي موجودة ضمن منزلها في مجدل شمس في الجولان السوري المحتل. وكذلك رفض معتقل من بلدة الغجر على الحدود مع لبنان يدعى ذياب قهموز نقله إلى دمشق، وأصر على إطلاق سراحه وإعادته إلى بلدته، فأعيد إلى السجن، حسب ما نقل “نادي الأسير”.

أما الثالثة فهي فتاة يهودية، لم يكشف عن اسمها، تبلغ من العمر 25 عاماً، من مستوطنة موديعين عيليت، كانت قد كتبت على صفحتها على “فيسبوك”، “لن يمنعني أي سور (سياج) (تقصد الحدود)”، قيل إنها عبرت الحدود خطأ إلى سوريا. وخلال التحقيق ذكرت أنها لم تخطط لمقابلة شخص معين، وأن سوريا بالنسبة إليها “محطة أخرى في رحلتها إلى كثير من الدول”، وفق ما نقل “الشاباك” عن تفاصيل التحقيق معها، حسب معلومات كانت “اندبندنت عربية” قد نشرتها سابقاً.

وحول تفاصيل العملية فقد أشار البعض إلى أنها تحتوي على “بند سري” سرعان ما كشفه الإعلام الإسرائيلي، يفيد أن تل أبيب وافقت على شراء مئات آلاف الجرعات من اللقاحات الروسية ضد فيروس كورونا المستجد لإمداد سوريا بها، ضمن صفقة تبادل الأسرى وصل ثمنها إلى 1.2 مليون دولار.

لكن الطرفين نفيا وجود مثل هذا البند، وقال نتنياهو “لم يدخل أي لقاح إسرائيلي واحد ضمن هذه الصفقة”. أما وكالة الأنباء الرسمية السورية “سانا” نقلت عن مصدر في النظام، “أن ما جرى تداوله بشأن الإفراج عن الفتاة الإسرائيلية مقابل حصول دمشق على لقاحات كورونا من إسرائيل، ملفقة هدفها الإساءة إلى تحرير الأسرى السوريين مقابل تلميع صورة الاحتلال”.

مفاوضات قد تخفي وراءها “سلام”

وفي يناير (كانون الثاني) الماضي شاعت معلومات عن أن قاعدة حميميم في سوريا شهدت في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2020 لقاءً جمع الرئيس السوري بشار الأسد بمسؤول أمني إسرائيلي، وبحضور عسكري واستخباراتي روسي.

وكان من نقل هذه المعلومات بداية هو مدير مركز جسور للدراسات محمد سرميني، الذي شغل منصب مستشار في “الحكومة السورية المؤقتة”، وناطق باسم المجلس الوطني السوري.

وأوضح المركز أن اللقاء حضره من الجانب السوري رئيس مكتب الأمن الوطني علي مملوك، ومستشاره الخاص للشؤون الأمنية والاستراتيجية اللواء بسام حسن، ومن الإسرائيلي الجنرال غادي إيزنكوت من رئاسة هيئة الأركان، والجنرال السابق في الموساد آري بن ميناشي، وبحضور أليكساندر تشايكوف قائد القوات الروسية في سوريا.

ويعد هذا اللقاء هو الثاني، إذ سبقه آخر في قبرص برعاية روسية تحدثت عنه المعارضة السورية، وتتلاقى هذه المعلومات مع ما يُحكى من مساع تقودها موسكو لعقد “اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل”.

ونقل سرميني في هذا المجال معلومات تفيد بأن اللقاء “لم ينته إلى اتفاقات محددة”. ووصفه بأنه “يشكل بداية لمسار تدفع روسيا باتجاهه بقوة، ويعتقد أنه سيشهد توسعاً كبيراً في عام 2021″، وأضاف أن موسكو ترى أن بناء علاقة مباشرة بين دمشق وتل أبيب “يمكن أن يشكل طوق النجاة للنظام، بالتالي لمسعاها في الحصول على الاعتماد الدولي لمشروعها السياسي في سوريا”.

تبادل الهدايا بين بوتين ونتنياهو

ومن ضمن “صفقات” أخرى تجري بين دمشق وتل أبيب، محاولة روسيا استرجاع رفات جنديين إسرائيليين، هما يهودا كاتس، وكان عند اختفائه بعمر 25 عاماً، وتسفي فيلدمان وكان بعمر 23 عاماً. وهذان الجنديان كانت إسرائيل قد خسرتهما في بلدة السلطان يعقوب (البقاع) خلال معركة جرت مع القوات الإسرائيلية في يونيو (حزيران) 1982 خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام نفسه.

وخلال تلك المعركة، وحسب ما ذكرته “تايمز أوف إسرائيل” الصحيفة الإسرائيلية الناطقة بالإنجليزية، فإن إسرائيل خسرت 20 جندياً، وأصيب 30 آخرون، وفقدت 3 جنود، ويشار إلى أنه في تلك المعركة أيضاً استولت القوات السورية على 8 دبابات إسرائيلية، إحداها كانت تعرض في متحف في ضواحي العاصمة الروسية.

وفي عام 2016 أعاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الدبابة إلى إسرائيل، استجابة لطلب نتنياهو باستعادة رفات الجنود الإسرائيليين الذي فقدوا في معركة السلطان يعقوب، وأن المركبة هي الذكرى الوحيدة لأقرباء الجنود الإسرائيليين المفقودين.

وكانت القوات الروسية قد بدأت نبش مقبرة مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في ضواحي العاصمة دمشق للبحث عن رفات الجنديين. وهذه ليست المرة الأولى التي تنبش روسيا مقابر بحثاً عن رفات عناصر إسرائيلية ما زالت مدفونة في سوريا، منها رفات الجندي زخريا باوميل، الذي تسلمته إسرائيل من موسكو في أبريل (نيسان) 2019 بعد 37 عاماً من اختفائه عبر عملية استخبارية سميت “مغني الحزن”. قيل حينها إن نتنياهو استخدم هذه الورقة لحسم انتخابات الكنيست سبتمبر (أيلول) 2019.

أما اليوم فيأتي نبش الروس مقبرة اليرموك تزامناً مع بدء محاكمة نتنياهو بتهم فساد وخيانة الأمانة، ما دفع ببعض المعارضين إلى التعليق على العملية المعلنة من جانب النظام السوري وإسرائيل بأنها تأتي “في إطار تبادل الهدايا ولعبة بين بوتين ونتنياهو لتلميع صورة الأخير قبل الانتخابات المقبلة”.

روسيا تنبش المقابر بحثاً عن إيلي كوهين

ونقل موقع “صوت العاصمة” السوري المعارض عن مصادر أن القوات الروسية “بدأت قبل أيام عمليات النبش في مقبرة مخيم اليرموك بحثاً عن رفات جنديين إسرائيليين دفنا فيها. بعد فرض طوق أمني في محيط المقبرة، ومنع جميع المدنيين من دخولها تحت أي ظرف كان”.

وأشار الموقع إلى أن “الروس يستخدمون عربة طبية لجمع عينات من الجثث بهدف تحليل السلسلة الوراثية الـ DNA في المقبرة ومحيطها، ومناطق أخرى داخل مخيم اليرموك، ضمن عمليات البحث”، علماً بأنه في عملية مماثلة سابقة قامت بها القوات الروسية كانت الرفات المشكوك في انتمائها إلى الجنود الإسرائيليين ترسل إلى مخابر في تل أبيب لتحليلها. وحسب مصادر لـ”صوت العاصمة” فإن القوات الروسية أخرجت بالفعل من القبور عديداً من الجثامين، وأجرت لها تحليل السلسلة الوراثية، قبل إعادتها إلى القبور مجدداً.

وكان “المرصد السوري” قد أشار إلى أنه مع مرور أكثر من 15 يوماً على بدء القوات الروسية نبش مقبرة مخيم اليرموك جنوب العاصمة دمشق، من المفترض أن الجانب الروسي قد توصل إلى نتائج حول رفات جندي إسرائيلي كان قتل قبل عشرات السنوات، ودُفِن هناك وفق المعلومات.

وذكرت أنباء أن الرفات التي يُبحث عنها قد تكون للعميل الإسرائيلي البارز إيلي كوهين، الذي قتل في ستينيات القرن الماضي، حيث نُبش عدد كبير من القبور وأجري تحليل الـ DNA بغية الوصول إلى الهدف الروسي، وهو “ما أشعل استياءً شعبياً في المنطقة، لانتهاك حرمة الأموات بمثل هذه العمليات، وابتعاد النظام كل البعد عن تبرير الموقف أمام أنصاره، وهو الذي اعتاد الاحتفاظ بحق الرد على كل ضربة إسرائيلية تستبيح الأراضي السورية”، حسب “المرصد السوري”.

من هو إيلي كوهين؟

إيلي كوهين، إلياهو بن شاؤول، ولد في 26 ديسمبر 1924 وأعدم في 18 مايو (أيار) 1965، يهودي ولد في الإسكندرية في مصر لأسرة هاجرت إلى هناك من مدينة حلب السورية سنة 1924، عمل جاسوساً للموساد الإسرائيلي في سوريا خلال الفترة ما بين (1961 – 1965).

وأحيطت قصة كوهين بكثير من الغموض والسرية، فهذا الجاسوس الأشهر في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي عمدت شبكة “نتفليكس” إلى إطلاق مسلسلها “الجاسوس” (The SPY) عن قصة حياته عام 2019. ولا تزال إسرائيل تطالب باستعادة رفاته لتمتعه بأهمية معنوية خاصة، بسبب قدرته على خداع السلطات السورية سنوات.

ودخل كوهين إلى دمشق متنكراً بصفة رجل أعمال سوري باسم ثابت أمين كامل، واستطاع التغلغل في المجتمع الدمشقي، واختراق الطبقة الحاكمة في الستينيات. وأسهم في تزويد تل أبيب بمعلومات مهمة جداً ساعدتها على احتلال مرتفعات الجولان إبان حرب 1967.

وأعدم الجاسوس الإسرائيلي شنقاً في الـ 18 من مايو 1965 في ساحة المرجة بدمشق، ولا يزال مكان دفنه مجهولاً، على الرغم من الجهود الحثيثة لـ”الموساد” للوصول إليه، إذ إن موقع الدفن كان يغير باستمرار لئلا تعرف إسرائيل مكانه.

وعام 2018 أعلن “الموساد” استرداد ساعة كوهين التي كان يلبسها يوم إلقاء القبض عليه عبر عملية خاصة، لكن جثته لم تعد على الرغم من نداءات عائلته عبر عقود. وبقيت قصة كوهين غامضة، ولم يصدر شيء عن النظام إلا بعض شهادات، منها الشهادة شبه الرسمية التي أصدرها اللواء المتقاعد صلاح الضللي، الذي تولى رئاسة محكمة كوهين، في كتاب حمل عنوان “حقائق لم تنشر عن الجاسوس الصهيوني إيلي كوهين وقصته الحقيقية”.

وعاد اسم كوهين للظهور مجدداً في الإعلام، بعد لقطة صغيرة وقصيرة مدتها لا تتجاوز الثواني الأربع في فيلم بثته قناة “آر تي” الروسية، حيث يظهر كوهين متمشياً في شوارع دمشق، التي أقام فيها عام 1961، وقالت القناة إنها لقطات لم تشاهد من قبل للجاسوس الإسرائيلي في دمشق خلال الستينيات.

وذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، أن لقطات لكوهين بُثت ضمن فيلم وثائقي، استعرض أنشطة التجسس في سوريا في ذلك الوقت. وفي ثوانٍ قليلة من المقطع المصور بالأسود والأبيض، شوهد رجل يعتقد أنه عميل الموساد كوهين يسير في شارع في العاصمة السورية، بالقرب من مقر القوات الجوية السورية في الحي الحكومي بالقرب من شقته.

وإضافة إلى كوهين، الذي لم تتمكن إسرائيل حتى اليوم من حل الألغاز المحيطة به، لا تزال الشكوك تحيط بمكان وجود الطيار الإسرائيلي الأسير رون أراد الذي فقد بعد إسقاط طائرته في لبنان عام 1986. ويذهب البعض إلى وجوده في سوريا، ويرجح آخرون إيران، على الرغم من إعلان الحكومة الإسرائيلية عام 2016 التأكد من موته عام 1988.

نقلا عن “اندبندت عربية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى