ماذا وراء السدّ؟ قصيدة عباس أم رائحة بارود؟* حمزة عليان

النشرة الدولية –

“النهار”

ماذا وراء السدّ؟ عبارة تتردد عند السؤال إلى أين تمضي الأمور بعدما استهلكت #إثيوبيا الزمن وخادعت الأطراف؟

 

أصوات تخرج من #مصر تطرح السؤال، ماذا تريد إثيوبيا؟ طبعاً أسئلة من هذا النوع صارت مجالاً للتندّر والسخرية؛ فلا يعقل أن تكون أهداف أديس أبابا غائبة بعد أكثر من عشر سنوات على بناء السدّ والمفاوضات جارية، وهم غير مدركين لما تريده هذه الدولة التي تتحكّم بمجرى #نهر النيل.

 

بحسب جدول ملء خزان سدّ النهضة، ستبدأ المرحلة الثانية بعد أربعة أشهر من الآن، أي في شهر تموز/يوليو 2021، وفي ظلّ تصعيد خطير مع #السودان يحمل معه معالم مرحلة مختلفة.

 

الخرطوم اليوم تعمل بالتنسيق الكامل مع جارتها مصر بشأن السدّ، وهو ما لم يكن متاحاً طوال السنوات العشر الماضية؛ فقد كانت إثيوبيا تلعب على وتيرة الخلافات المصرية – السودانية وتبذل أقصى جهدها لإبعادها عن التقارب مع القاهرة.

 

تبدّلت المعطيات على الأرض. فرئيس الوزراء الحائز نوبل للسلام آبي أحمد يخوض معارك مدمّرة قد تزعزع حكمه، بعد أن فتح جبهة عسكرية مع أكبر مجموعة عرقية هي التيغراي، واستخدم كل أنواع الأسلحة المحرّمة وغير المحرّمة، وقذف بأكثر من مليون لاجئ إثيوبي إلى أراضي السودان. ثم استدار نحو الحدود لينتزع من الخرطوم أراضي رُسّمت منذ عشرات السنين، وهي تتبع للسودان وباعترافات إثيوبيّة موثّقة.

 

أدار السودان ظهره للحبشة وتدحرجت المفاجآت القادمة من أرض النيل الأزرق، ليخرج عضو في الوفد المفاوض لسدّ النهضة بالقول “إنّ الأرض التي أُنشئ عليها السدّ الإثيوبي ملك للسودان”، وقد منحه إياها عام 1902 بشرط عدم تدشين أديس أبابا منشآت مائية على نهر النيل دون موافقة الخرطوم.

 

كلام السودانيين غير قابل “للقسمة ولا للغشمرة”، فرئيس الوزراء عبدالله حمدوك وأركان الحكم بجناحيه المدني والعسكري أفادا بأنّ “ملء سدّ النهضة بشكل أحادي دون التوصّل إلى اتفاقية ملزمة للدول الثلاث يشكّل خطراً على “سدّ الروصيص”، وعلى كلّ الحياة على النيل الأزرق خلف هذا السدّ، وكذلك سدّ “مروي” ومحطّات مياه الشرب حتى مدينة عطبرة، ويهدّد سلامة 20 مليون سوداني من القاطنين على ضفاف النيل”.

 

تغيرت المعادلة اليوم. والشروط المعلنة فوق الطاولة باتت مطروحة أمام الرأي العام، والخرطوم تتكلّم بلسان مصر. خلاصة الأمر هي: إيقاف المفاوضات العقيمة. الانسحاب من إعلان المبادئ لسنة 2015 الموقّع في الخرطوم. جعل كل أعمال سدّ النهضة “غير مشروعة”، ورفع الملف إلى مجلس الأمن بموجب الفصل السابع.

إزاء هذا الطرح والوصول إلى هذه النقطة، يبدو أنّ النهج التفاوضي والحلّ الديبلوماسي بالحوار لم يأت بنتيجة، ودخلت الأطراف المعنية على الخطّ، وآخرها كان إدارة دونالد ترامب الذي أوصل الأطراف الثلاثة إلى صيغة اتفاق كادت أن تُعلن بعدما وقّعت عليها مصر، لكن الحبشة انسحبت في آخر لحظة! يومها نُسب إلى ترامب كلامٌ مخيفٌ “سينتهي الأمر بهم (أي المصريين) إلى تفجير ذلك السدّ ولا يمكن لومهم”!

 

يراهن المراقبون على صلابة الموقف السوداني، وإن استمرّ فستجد الحبشة نفسها أمام موقف صعب للغاية، إذا ما قررت العمل بالملء الثاني في شهر تموز/ يوليو 2021، أو قد تلجأ إلى المراوغة كما فعلت في الأشواط الماضية، وتطلب الوساطة التركية التي ستجابه بالرفض نظراً لسوء العلاقة بين أنقرة والقاهرة أولاً، ونظراً لتصلّبها في هذا الشأن ولا سيما أن سجلّها أسود مع جارتيها العراق وسورية عندما بنت سدّ أتاتورك في الثمانينيات.

 

أسوأ السيناريوهات أن تدخل إسرائيل على خطّ الوساطة، لما تحظى به من “حسن العلاقة” بين الأطراف الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا، وإن كان تاريخها التخريبي في موضوع المياه لا يؤهلها للقيام بدور “الوسيط المحايد”!

 

ليس مضموناً الحصول على موافقة الأعضاء الدائمين الخمسة في مجلس الأمن. وخيارات الوساطة تكاد تنزوي لعدم القدرة على إجبار إثيوبيا… والاتحاد الأفريقي مثل ساعي البريد يتلقى ويرسل! السؤال الآن إزاء هذا الوضع ما هو العمل يا ترى؟

 

أخاف أن تستكمل أديس أبابا عمليات ملء خزانات السدّ وهذا ما أراه من واقع التجربة والمعايشة، دون أن تستطيع كلّ من القاهرة والخرطوم زحزحتها عن أهدافها المتمثلة أولاً وأخيراً بإلغاء اتفاقية ، التي تحدد حصّة مصر بـ55.5 مليار متر مكعب والسودان بـ18.5 مليار متر مكعب من مياه النهر.

 

أراني أذهب، من حيث لا أدري، إلى قصيدة الشاعر أحمد مطر بعنوان “عباس وراء المتراس”، التي صوّر فيها عباس حاملاً سيفه وشاربه يلمع، يدخل السارق يدخل ويعتدي على زوجته وأولاده ويأخذ خرافه، وهو يصقل سيفه مدّعياً أنها “مؤامرة” إلى أن أعلن استسلامه مرسلاً برقية تهديد، واصفاً فيها ما حصل بأنه عمل يخرق السيادة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button