مازن رياض، علينا الانتباه جيدا لهذا الاسم* كرم نعمة

النشرة الدولية –

ثمة ما يستحق أن تكتب عنه قبل أن تقرأه! ليس تحت صدمة المفاجأة، لكن عندما تتحسس الأمل ساطعا ستجد الكتابة ذريعتها في صناعة الفكرة.

ومازن رياض، دوّن تاريخه الإبداعي قبل أن يلتفت إليه التاريخ نفسه، وأين؟ في مدينة تعيش تحت الركام!

لنتخيّل الأمر معا، ولد مازن بينما البلاد بأسرها تنهار تحت وقع الاحتلال، وسعادة أمه بولادته لا تجد لها صدى وسط الجلجلة، فيما العراق يعيش حيرة وجودية.

كان ذلك في 2003 عام احتلال العراق وسنة ولادة مازن رياض في مدينة الموصل. وبعد ثمانية عشر عاما وبينما كان مازن يدرس في ثانوية المتميزين في الموصل صدرت روايته الأولى “أسود وأبيض”.

لم يختر مازن لونا فاقعا، لكنه أعاد ولادته من جديد ومنح العراقيين أملا بأنه من جيل يرفض السقوط، مثلما يرفض انهيار الوعي والذائقة وتحويل أبناء جيله إلى مجرد قطيع ينقاد لتخلف الخرافة التاريخية، وهو يعيش في أجواء مسمومة سياسيا واجتماعيا منذ ثمانية عشر عاما.

فهذه الرواية وفق تعريف الناشر عن الإنسانِ والحرية والهوية وفقدانهم في ظلال عقارب الساعة المتسارعة. إنها عن محاولة الإنسان في أن يستعيد أجنحته ليحلّق بعيدًا عن الجدرانِ الرمادية البليدة التي باتت تحلُم بغزوِ السماء كبرج بابل.

أن يكتب شاب بهذا العمر رواية معبرة يسحبك عنوانها الثانوي “يموت سريعا من يولد مرة واحدة” بقوة إلى القراءة، يعني أن فقدان الثقة الذي يكتنف العراقيين عن مستقبل بلادهم منذ احتلاله لن يستمر طويلا.

كذلك شعرت مع صدور “أسود وأبيض” أن القاص حمد صالح استفاق من موته ليعيد كتابة أوجاعه في الموصل، أو يعود محمود جنداري إلى “عصر المدن” منذ قصته الأولى “النافورة”.

فمازن أعاد للثقافة “العراقية” هيبتها، ولبس قبل الأوان ربطة العنق احتراما لقواعد اللغة، وصنع أفكارا عميقة مما حَلمَ به طفلا، وكتب مدونة بالأسود والأبيض أكبر من عمره. لم ينتظر الفرصة وإنما وثق بذائقته وطريقة تفكيره وتربيته السليمة، وكتب روايته الأولى قبل أن يكمل مستهل عمره الغض.

إنه أمر أكثر من رائع، أعزوه لأسرته الكريمة في مدينة الكرام، عندما نجحت في إنقاذ ابنها من التيه في لجة القطيع.

أكتب متلهفا لقراءة الرواية بعد أن تعرفت على طريقة أفكار مازن وهو يقترح علينا إعادة القراءة كحل مستمر كلما تسنى لنا ذلك لأننا سنحصل على علاوة في كل مرة.

يكتب مازن “أبطال رواياتك المفضلة جميعهم يعيشون في داخلك بطريقة أو بأخرى، دون كيخوته والسندباد البحري والجبلاوي، شرلوك هولمز، راسكولينكوڤ وآنا كارنينا، دوروثي وهاري پوتر…”. كذلك يخاطبنا “الكتب هي الذاكرة، نحن نعيش في الكتب، والكتب تعيش فينا”.

في كل ذلك يغمر مازن رياض بصوته الغض العراق بسعادة لم يعشها في تاريخه المعاصر، فيستفيق فؤاد التكرلي لوهلة، ليكتشف أن المسرات أكثر من الأوجاع. ويعود موسى كريدي ثانية للكتابة من العالم الآخر.

أفترض الآن سعادة محمد خضير وهو يبرق من البصرة إلى الموصل “لقد أنقذت يا مازن المثقف العراقي الذي طالما مارس دور الضحية زيفا”.

فمازن، مثله مثل كل أهل العراق، كان ضحية للزيف والخرافة واللغو، لكنه تعالى بعمره الغض وتأمل مفهومي الخير والشر ليس كفعلين مطلقين، وجعل اللغة بنك أحلامه وليس المراثي الطائفية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى