متى يكون التحفيز أكثر من اللازم بالنسبة للأسواق؟* محمد العريان

النشرة الدولية –

لأعوام عديدة كانت البساطة التشغيلية لمراكز المحافظ الاستثمارية تتناقض بشكل حاد مع تعقيد التوقعات الاقتصادية الوطنية والعالمية.

من خلال فهم موقف البنك المركزي في السياسة النقدية بشكل سليم، وببساطة زيادة وزن منتجات المؤشرات في المحافظ، استفاد المستثمرون بشكل لا يستهان به من استثمارات الأسهم والسندات. في غضون ذلك، كافح الاقتصاديون للتنبؤ حتى بالمتغيرات الاقتصادية الأساسية مثل النمو والتضخم.

هناك احتمال كبير لأن تكون هذه التشكيلة في سبيلها إلى التغير، وذلك ليس لأن السيولة الهائلة التي يضخها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي من المرجح أن تتوقف في أي وقت قريب. ليس هذا هو السبب.

السبب هو بالأحرى أن المزيد من التحفيز من المالية العامة يمكن أن يفاقم إغراق الاحتياطي الفيدرالي للنظام بالسيولة. يطرح هذا أسئلة مثيرة للاهتمام حول ما إذا كانت النتيجة المفيدة للأسواق ستشتمل على تناقضات تتطلب إدارة نشطة حذرة.

بدعم من الحقن الوافر والمتوقع من السيولة، صرف المستثمرون أنظارهم عن كثير من التأثيرات الاقتصادية والسياسية التقليدية في الوقت الذي امتص فيه الاحتياطي الفيدرالي الأوراق المالية بأسعار غير تجارية. تبين أن التأثير غير المباشر لذلك كان مهما بالقدر نفسه، حيث تم تعويد المستثمرين على الشراء في كل مرة تتراجع فيها السوق، مهما كان السبب، وتخصيص المزيد من رأس المال في استثمارات أكثر خطورة.

في ملاحظاته الأخيرة، أوضح رئيس الاحتياطي الفيدرالي جاي باول أن البنك المركزي ليست لديه أي نية لتغيير هذا النهج، سواء من حيث شراء الأوراق المالية على نطاق واسع (حاليا بمعدل 120 مليار دولار شهريا، أي نحو 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على أساس سنوي) أو أسعار الفائدة الرسمية التي هي عند أدنى مستوياتها.

يأتي هذا على الرغم من الآفاق الأكثر إشراقا بسبب الانتشار المتسارع للتطعيم، والنجاح في تقليل أعداد الإصابات، والظروف المالية المتساهلة للغاية، والإشارات المتكررة إلى الإفراط في اتخاذ المخاطر. ويشمل هذا الأخير انتشار شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة المضاربة، والوتيرة القياسية لإصدار المزيد من سندات الشركات، وزيادة التداول باستخدام الأموال المقترضة.

لكن عند استقراء التأثير في أسعار الأصول من جراء استمرار ضخ السيولة من الاحتياطي الفيدرالي، يجب على المستثمرين الآن أن يأخذوا في الحسبان تأثير “الإجراءات القوية والكبيرة” في سياسة المالية العامة. يتضمن الجزء الأول من هذا سعي إدارة بايدن للحصول على موافقة الكونجرس على خطة تحفيز بقيمة 1.9 تريليون دولار (نحو 9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي). ومن المقرر أن تتبع هذه الحزمة حزمة ثانية تركز على البنية التحتية، ما يرفع إجمالي الجهود من المالية العامة إلى ما يقدر بنحو ثلاثة تريليونات دولار إلى أربعة تريليونات دولار (14 في المائة إلى 19 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي).

كان رد فعل المستثمرين الأولي هو رؤية عمليتي الحقن الهائلتين المذكورتين على أنهما تشكلان إضافة رائعة لأسعار الأصول. ارتفعت الأسهم إلى عدة مستويات قياسية في الأسابيع الستة الأولى من العام. لكن في الأيام القليلة الماضية، في حين تظل أحاديث السوق تطفح بشرا وسرورا، يضطر المستثمرون ببطء إلى مواجهة قضية هي بالفعل محل نقاش ساخن بين الاقتصاديين: متى يكون كل هذا القدر من التحفيز أكثر من اللازم؟

حجة أن التحفيز لن يكون أبدا أكثر من اللازم تستند إلى وجهة النظر القائلة إن عمليات ضخ السيولة التي لا نهاية لها هي وقاية من معظم حالات إفلاس الشركات. تؤكد الحجة المضادة مخاوف السيولة المزدوجة. أحدها هو زعزعة استقرار التوقعات التضخمية التي تغذي انحدارا سريعا للغاية في منحنى العائد، ما يزعج الطريقة التي تعود عليها المستثمرون، ويزيد من احتمال وقوع حادث في السوق.

الآخر، مع إحجام الاحتياطي الفيدرالي عن التقليص التدريجي لحافزه، فإنه يواجه خيارات خاسرة دائما في السياسة النقدية –إما سيجعل خطر عدم الاستقرار المالي يرتفع وبالتالي يهدد الاقتصاد الحقيقي، وإما يتدخل أكثر في عمل الأسواق، وبالتالي يزيد من عدم المساواة في الثروة ويخاطر بمزيد من التشوهات التي تقوض كفاءة تخصيص الموارد المالية والاقتصادية.

بالنظر إلى مدى وسرعة سير الأسواق حتى الآن، فإن ما هو جيد لنمو اقتصادي أكثر شمولا قد لا يكون إيجابيا على المدى القصير بالنسبة للمستثمرين. علاوة على ذلك، الاحتياطي الفيدرالي إدراكا منه لـ”عقده الضمني” مع الأسواق، من المرجح أن يكون رد فعله على خطوة أسرع من اللازم في العائدات من خلال تخفيف السياسة أكثر حتى من قبل، على الرغم من المخاوف الحالية من السخونة العالية في الأوضاع المالية. هذا من شأنه فقط أن يؤدي إلى تفاقم علاقة الاعتماد المتبادل غير الصحية مع الأسواق.

الجواب ليس التخلي عن الحوافز من المالية العامة. بدلا من ذلك، الجواب هو تحسين استهداف الإغاثة الفوري وتسريع تأثير النمو على المدى الطويل. يحتاج الاحتياطي الفيدرالي إلى التفكير بجدية في أفضل السبل الكفيلة برفع قدمه ببطء عن دواسة التسارع في السياسة النقدية.

سيكون هذا الانتقال الذي تشتد الحاجة إليه، من السياسة النقدية إلى سياسة المالية العامة، أكثر سلاسة بكثير إذا كان للقوانين التنظيمية الحصيفة أن تلحق بسرعة أكبر بالهجرة الجماعية الضخمة للمخاطر من البنوك إلى غير البنوك، بما في ذلك إجراءات “عرقلة الحركة” من أجل فرض الاعتدال على الدخول المفرط في المخاطر. وكلما طالت فترة تهربنا من هذا الحل ثلاثي الأبعاد، زاد خطر عدم الاستقرار المالي الذي يقوض الرفاهية الاقتصادية.

 

 

رئيس كلية كوينز في جامعة كامبريدج ومستشار كلا من “أليانز” و”جراميرسي”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button