مجمع اللغة العربية بالعاصمة الأردنية ينظم ندوة افتراضية احتفالا بيوم اللغة الأم
النشرة الدولية –
نظّم مجمع اللغة العربية الأردني، الخميس الماضي، ندوة افتراضية بمناسبة يوم اللغة الأم، أدارها عضو المجمع الأستاذ الدكتور سمير الدروبي عبر تقنية الاتصال المرئي عن بعد.
وأشار الدروبي في الكلمة الافتتاحية إلى أول المجامع اللغوية الرسمية في الوطن العربي الذي أنشأه الملك فيصل بن الحسين في دمشق عام 1918م وكان له الدور العظيم في تعريب لغة التعليم والإدارة والجيش، وفي العام التالي لإبعاد الملك فيصل من بلاد الشام وصل الأمير عبدالله بن الحسين وأسس في الأردن عام 1923م أول مجمع لغوي وسُمّي أعضاؤه، وصدر منشوره، وعقدت جلساته، وأصدر بعض قراراته، ولكن الانتداب البريطاني عطّله.
واشتملت الندوة على خمسة محاور. المحور الأول: اللغة العربية اللغة الأم ولغة الأمة، قدّمه الدكتور عبدالمجيد نصير العضوُ العامل في المجمع والأستاذ الجامعي المتخصص في الرياضيات، ورئيس الجمعية الأردنية لتاريخ العلوم، وقدّم نصير بعض المصطلحات؛ أولها اللغة الأم وهي اللغة التي يتعرض لها الشخص منذ الولادة أو في أثناء الفترة الحرجة من حياته، وثانيها اللغة الأصلية وهي اللغة التي يتحدث بها السكان الأصليون في منطقة ما، وتسمى اللغة العرقية، وثالثها اللغة الوطنية وهي اللغة السائدة استعمالاً في بلد ما، ورابعها اللغة الرسمية وهي اللغة المعتمدة رسمياً ودستورياً في بلد ما، وخامسها اللغة الحية وهي اللغة التي يتحدث بها عدد كاف من الناس وينقلونها من جيل إلى آخر، وسادسها اللغة التراثية وهي لغة الأقلية السكانيةِ يتعلمها المتحدثون بها في المنازل لكنها لم تتطور بشكل كاف، واللغة الكنز هي لغة عرقية كادت أن تندثر فأحياها بشغف طائفة من الناس.
المحور الثاني: التخطيط اللغوي وأثره في تطور اللغة، قدّمه الدكتور سمير استيتية العضوُ العامل في المجمع والأستاذ الجامعي في اللسانيات، الذي نشر ما يزيد على خمسين كتاباً وبحثاً محكماً. وقال استيتية في مستهل حديثه: “لقد كان ينبغي أن يرافق تطور الدولة الأردنية تطورٌ في اللغة واستعمالها وحفظها في المجتمع الأردني، لكن الذي حدث هو تراجع عما كان يصبو إليه المشرع بشأن رسمية اللغة العربية، وإن تطوير اللغة تطويراً علمياً غير منعزل عن التخطيط، والتخطيط لا يكون بمعزل عن القوانين والتشريعات، فلا بد من تشريعات تؤسس لهذا التخطيط وتحمي تنفيذه حتى يكون عملاً مؤسسياً بعيداً عن الارتجال، وأشار إلى نص الدستور الأردني في مادته الثانية أن العربية هي اللغة الرسمية للدولة، وكان هذا فتحاً بحقّ، خاصّةً عندما كانت الدول العربية تصارع وجود الاستعمار في بلادها.
المحور الثالث: البعد التعلّمي والاقتصادي للغة، قدّمه الدكتور إبراهيم بدران العضوُ العامل في المجمع، ووزير التربية والتعليم في الأسبق، وله خمسة وعشرون كتاباً في الطاقة والتكنولوجيا والفكر والثقافة والاقتصاد الاجتماعي. تناول بدران الموضوع من جهة مختلفة، أشار فيها إلى التوجهات المستقبلية التي حددتها الثورة الصناعية الرابعة بمسألة الرقمية (والروبوتات وإنترنت الأشياء) والتغير في التعليم ليصبح معتمداً بشكل أساسي على التعلّم وليس التعليم؛ بمعنى أن الطالب والأستاذ وكل فرد عليه أن يكون دائما مستعداً للتعلّم الذاتي حتى يتمكن من مجاراة ما يقع من تغيرات متواصلة في العلم والتكنولوجيا والمنتجات وكل شيء، وبالتالي فإنه دون المهارة الحقيقية للتعلّم لن يكون المجتمع قادراً على اللحاق بالمجتمعات الأخرى. وفي هذا المجال تبرز قضية اللغة العمود الفقري للتعلّم.
المحور الرابع: مفهوم اللغة الأم لأهل اللغة ولمستقبلها وأثر الترجمة عليها، قدمه الدكتور محمد عصفور العضوُ العامل في المجمع وأستاذ النقد في قسم اللغة الإنجليزية في الجامعة الأردنية وغيرها من الجامعات العربية، وهو ناقد معروف وترجمان كبير. عرّف عصفور في بداية حديثه مفهوم اللغة الأم وهي عبارة عربية شاعت ويمكن أن نجد لها تفسيراً (لغة الأم) وهي اللغة التي يتعلمها الأبناء من الأمهات، واللغة الطبيعية التي تنتشر بين أفراد أمة من الأمم يظن أهلها أن الناس كلهم يجب أن يتعلموها ليسهل التخاطب والتفاهم بين البشر. لكنْ يمكننا أن نفسر عبارة اللغة الأم حسب عصفور بالقول إنها اللغة التي تخلف لهجات تنتمي كلها إلى عصر واحد، فأبناء الأمة الواحدة لا يتطابقون تماما لكنهم يتشابهون تشابهاً يلفت النظر حتى لو كانت الأم تنتمي إلى عائلة فيها لغات أخريات مثل السامية.
المحور الخامسُ الأخير: اللغة والهوية القومية، قدّمه الدكتور علي محافظة العضو العامل في المجمع، وهو أستاذ جامعي في الجامعة الأردنية وأول رئيس لجامعة مؤتة ثم ترأس جامعة اليرموك وجامعة جدارا، وهو أيضاً مؤرخ كبير ومفكر معروف له عشرات الأبحاث والكتب المطبوعة. تحدث محافظة عن لغتنا العربية وعلاقتها بأمتنا وذكّر بأن هذه اللغة من أقدم لغات العالم، ولذلك هي الذاكرة الجماعية للأمة والمحافظة على خلاصة تجربتها في التاريخ وحصيلة ما أسست لنفسها من أساليب بالنظر والفكر والتقويم والاكتشاف والإبداع ومختلف مجالات العلوم والتكنولوجيا ومختلف مجالات الحياة.