مشكلة حزب العمال مع العنصرية ضد السود* رايتشل شابي
النشرة الدولية –
منذ أسابيع عدة، كتب نواب حزب العمال السود وبينهم أعضاء في حكومة الظل، رسالة مفتوحة ذكروا فيها أنهم يشعرون “بالخيبة والقلق الجدي” إزاء تأخير “تحقيق فورد”.
وقد فُتح التحقيق الذي يترأسه المحامي مارتن فورد، خلال شهر مايو (أيار) الماضي للنظر في تقرير داخلي مسرب يتضمن تعليقات عنصرية مزعومة أدلى بها موظفون في الحزب حول النواب السود.
وبعد تأجيله مرة في السابق، وُضع تحقيق فورد جانباً الآن إلى أجل غير مسمى بسبب ظهور مخاوف من تأثيره في تحقيق مواز يجريه “مكتب مفوض المعلومات” Information Commissioner’s Office ICO (مؤسسة خاصة تراقب انتقال المعلومات في بريطانيا).
ووُجهت الرسالة الصادرة عن النواب السود، وضمنهم مارشا دو كوردوفا وديان آبوت وكلايف لويس ودون بتلر، إلى زعيم الحزب كير ستارمر، وحذرت من أن عدم نشر تقرير فورد يمثل خطراً بـ “تعزيز الانطباع بأن الحزب لا يأخذ قضايا العنصرية الموجهة ضد السود على محمل الجد”.
وقد دفع تأخير التقرير بعدد من أعضاء الحزب وسياسييه وموظفيه من السود والأقليات العرقية، إلى اليأس بعد أن عانوا خيبة الأمل أساساً، ومن غير الصعب تبيان السبب، إذ كشف تقرير حزب العمال الداخلي المُسرب بوضوح نوع العنصرية التي تعرض لها أفراد بيئة “بايم” BAME [مصطلح مؤلف من الحروف الأولى في عبارة تعني “السود والآسيويون والأقليات العرقية” Black Asian & Ethnic Minority] وشهدوا عليها دورياً. (أفاد الموظفون الذين وردت أسماؤهم في التقرير أن الرسائل الخاصة قد تعرضت للتحريف من أجل إعطاء انطباع خاطئ عن العنصرية والتحيز الجنسي، ويطالبون بتعويضات من الحزب على خلفية التشهير بهم وإساءة استخدام بياناتهم).
وفي وقت سابق، أدى “تحقيق فورد” الذي أوكلت إليه أيضاً مسؤولية النظر في حجم “الثقافة التمييزية القائمة على العرق والجنس وغيرها داخل أماكن عمل حزب العمال”، إلى إمكان صدور اعتراف طال انتظاره كثيراً بالعنصرية داخل حزب العمال، بعد أن بقي مصير ذلك التجاهل أو التجنب غالباً، وقدم أشخاص من بيئة “بايم” شهاداتهم لهذا التحقيق الذي وصلته أكثر من ألف شهادة.
بدا ذلك التقرير الذي يحمل معه احتمال التغيير فرصة سُلبت فجأة، ويتساءل كثيرون لماذا يعجز الحزب عن إيجاد طريقة لنشر نتائج التحقيق في شأن ثقافة عنصرية أوسع، وبشكل لا يتعارض مع تحقيق “مكتب مفوض المعلومات”.
في ذلك الصدد، لا تأتي هذه النتائج بالسرعة الكافية، إذ يتحدث نواب الحزب ومستشاروه وأعضاؤه وموظفوه السود والآسيويون، عن وجود بيئة يسود فيها عادة التمييز والإنهاك من محاولة إثارة المسألة داخل منظمة لا يبدو عليها الاكتراث، وتتراوح التجارب بين التعرض للإساءات العنصرية، سواء تلك المكشوفة أو التي تندرج ضمن النوع العرضي الذي يُستخف به باعتباره “مزاحاً”، إلى التمييز الهيكلي الذي يعوق الدمج أو التقدير أو الترقية.
إذا نظرتم إلى هيكليات الحزب، ستجدون أن قلة قليلة من أفراد الـ “بايم” تحتل وظائف رفيعة المستوى، ابتداء من حكومة الظل، ومروراً بمكتب الزعيم ووصولاً إلى مقر الحزب والحكومة المحلية، ويكرر كثيرون ما جاء في تقرير شامي شاكرابارتي في 2016 حول معاداة السامية وغيرها من الممارسات العنصرية، فيصفون تعرضهم لمعاملة “من يُعتبرون مناسبين للاقتراع وتوزيع المناشير”، لكن غير مناسبين لتقلد مناصب الموظفين أو القياديين.
باختصار، الموضوع عبارة عن حلقة مفرغة كئيبة، بمعنى أن التمييز يعوق تحقيق أفراد بيئة الـ “بايم” الرصيد السياسي المطلوب من أجل التصدي للتمييز.
واستطراداً، نظراً لقلة عدد أفراد الـ “بايم” في حزب العمال وشعورهم بالتهميش، يسود شعور بالقلق من التعبير، وينطبق هذا الموضوع بشكل خاص على موظفي حزب العمال الذين يبدو أن تجربتهم في مكان العمل تتضمن حدوث تمييز وعدم تقدم، فيما تكون عقودهم غير مضمونة داخل بيئة لا يشعرون فيها بالأمان وتؤثر في صحتهم العقلية.
في سياق متصل، يفيد مصدر من “يونايت”، النقابة التي تمثل عدداً من موظفي حزب العمال “الوضع سيء، تلقينا عدداً من الشكاوى التي تذكر التمييز والشعور بالإقصاء بالنسبة لأعضائنا من الـ “بايم”، ويبدو المكان غير مرحب”.
ويُعتبر استبقاء موظفين من الـ “بايم” سيئاً بشكل خاص، وكذلك يتمثل ما يُقلق خصوصاً في “وحدة تنظيم المجتمع في حزب العمال”، التي أغلقت للتو لكن مع كون 50 في المئة من موظفيها من بيئة “بايم”، وكانت هذه الوحدة أكثر الأقسام تنوعاً.
في يونيو (حزيران) من العام الماضي، وعد ستارمر بإجراء تدقيق داخلي فوري حول مسألة تنوع موظفي الحزب، ضمن محاولة لتعزيز التمثيل.
وفي صورة عامة، فالعنصرية موجودة داخل حزب العمال قبل تولي ستارمر زعامة الحزب، ويزيدها سوءاً ذلك الشقاق الذي لا ينتهي ضمن صفوف الحزب، إذ تروج كل مجموعة لأشخاص من داخلها، وتدفع بمن ينتمون إليها إلى مواقع النفوذ من دون الإدراك بأن تفضيل الفئوية على كل شيء آخر، يحافظ على وضع هيكلية التمييز القائمة. وتالياً، ينقل أعضاء الـ “بايم” ما يُقال لهم عن أن ذكر العنصرية يُضعف مكانة زعيم الحزب، أياً كان وهو دائماً رجل في أي وقت من الأوقات.
في ظل ولاية ستارمر، تُعتبر الشكاوى من وجود العنصرية هجوماً بالوكالة من الجناح اليساري للحزب، وفي هذه الأثناء يتمثل ما يعنيه التعامل الفعلي مع العنصرية في العمل مع الفئات كافة، وذلك أمر يبدو أن الحزب لديه حساسية ملموسة عليه.
وعلى نحو مماثل فإن ما يجعل الموضوع أكثر إيلاماً يأتي عبر المقارنة مع الجدال الذي دار حول مسألة معاداة السامية داخل حزب العمال، وبالاستعادة، حين تحدث أعضاء الحزب ونوابه اليهود عن تجاربهم مع معاداة السامية، وجدوا حلفاء لهم في أوساط المجموعة الحزبية في البرلمان ممن رفعوا أصواتهم وساعدوهم في تأمين اهتمام وسائل الإعلام، لكن لم تكن هذه تجربة نواب حزب العمال السود.
في ذلك الصدد، شدد كل من تحدثت معه قبل كتابة هذه المقالة على أن الموضوع لا يتعلق بالاستخفاف بمشكلة الحزب الحقيقية مع معاداة السامية، ولا تأجيج مباريات أولمبية حول مسألة القمع، وأشار بعضهم إلى أن الأعضاء اليهود ما زالوا يتعاملون مع التمييز ومعاداة السامية التي لم تختفِ طبعاً بين ليلة وضحاها، وإن التزام ستارمر بمعالجة المسألة لا يعني أنه يؤدي ذلك بشكل جيد.
في المقابل، فما يظهر من كون الزعامة تولي أحد أنواع العنصرية الأولوية شفاهاً، بينما تتجاهل غيره، يخلف أثراً مدمراً! إن التناقض مؤلم، وفي النهاية لا تستفيد أية أقلية من هذا المسار الذي يحمل نفحة من “فرق تسد”.
فيما يؤثر فيروس “كوفيد” بشكل غير متكافئ على مجتمعات الـ “بايم”، وتشن الحكومة حرباً دائمة مع القضايا “المناهضة للظلم” التي تسعى إلى إحلال العدالة الاجتماعية، وبينما تتعامل الأقليات مع زيادة عدد حوادث الكراهية العرقية، لا يدافع حزب العمال عن معاقل الأقليات داخله، ودفع رد فعل ستارمر غير الحساس على حركة “حياة السود مهمة” العام الماضي، واستخفافه بأهدافها السياسية واعتبارها “هراء”، أعضاء في حزب العمال من بيئة “بايم” إلى مغادرة الحزب.
وكخلاصة، يفاقم عجز القيادة عن تسجيل وجود التنوع ضمن الطبقة العاملة في بريطانيا، والاستعراض مع الأعلام، وهو أمر يؤيد فكرة الشعب الأصلي، ويفاقم الشعور بالإقصاء، والآن أدى هذا بالناس التردد الواضح إزاء التعاطي مع العنصرية داخل الحزب إلى الشعور بالإحباط والتجاهل، وبحسب ما نقل لي أحد المستشارين السود، “لا قيمة لنا في أعينهم، فنحن كمجتمع محلي تائهون سياسياً”.