قولبتني الحياة* نوف قيس

النشرة الدولية –

قولبتني الحياة وأهدرت مساعي قلبي وعقلي للحراك والقفز من مكانه فتبقى لي لساني وحرفي، وفي الحقيقة: لويت هذه الحياة لساني أكثر من ذراعي.

عجز الحركة والانتقال قد يعصف بمفهوم الأمل وولادة الأمل من جديد، تجعل منك شخصا آخر في قالب جديد، وهنا الحياة تتجاوز ما تتعلمه منها لتصبح ما قولبتك فيها، تجعلك عاجزا أو تشل حركتك ورغبتك، لذا تعيش ضمن حدودك، أو بالأصح حدودها. حينها يجب أن تبدل المساعي وتغير الطموح وتحجم القدرات، وهذا لا يعني أنك في أدناها، أعرف أشخاصا غيروا العالم وحركوه وهم ضمن حدودهم ومكانهم بكلمتهم.. بالكلمة التي تنطق أو تكتب، تأثير الكلمة ساحر فعلا ولي وقفة قريبة فيه.

كنت قد قرأت للتو بأننا قد أتممنا العام على اكتشاف أول حالة كورونا في الكويت، ومن ثم إعادة الحظر الجزئي وغيره، لأجدني قد بت أرتب لي ذاكرة زمنية تبدأ في وتنتهي من ذاكرة تشبه الأجندة عن كل شهر وكل يوم، ثم تبدأ هذه الأيام تندمج مع بعضها وتصنف تحت مسميات نتداولها مثل عام كورونا.. شهر الحظر الكلي.. بداية عودة الدوام الرسمي.. بداية رحلات الإجلاء.. الخ.

ومن ثم تصبح الأجندة أكثر عددا والأوراق بها متكدسة منها ما هو مصفر مهترئ ومنها ما هو جديد لم يمس، تصبح أكثر تفصيلا.. أجندة حركية تحمل صورا ومواقف، تتمثل بملاحظة الملامح فيها والعواطف.. تخترقها دمعة هذه أو تعالي ضحكة ذاك.. تقف طويلا من أمامها متأملا حادثة ترقرق القلب وأخرى تود لو تمحيها.

تتشعب عناوين تلك الأجندة.. وتملأها أوراق الملاحظات اللاصقة، معنونة على حسب عدة معايير، معيار التقيد والحرية تارة، ومعيار التغيير تارة أخرى.

وهناك من يراها بمقدار ما اجتبت منه من سعادة مقابل ما منحت له، معيار السعي والشقاء، معيار الكآبة والمعيشة الضنك واليأس، وهناك معيار الإنجاز والنجاح، أو معيار المواقف والصديق.. معايير أو قوالب الحياة.

ومن هنا يثار السؤال حول ماهية الحياة وما الذي يمر فينا ويسلب منا بهذه السرعة وكيف تعمل ذاكرتنا حيال ما مضى وما سيأتي؟ ما هو لون اليوم وما شكل القالب التي تموضعنا فيه؟ كثيرا ما تساءلت ولم أجد ما يختصر معنى الحياة إلا على لسان قائلها ووفق مواقفه ومشاعره حيالها، الحياة ما هي إلا أيام لكن وصفنا لهذه الأيام يختلف تماما من شخص لآخر، كما قال الحسن البصري: «يا بن آدم، إنما أنت أيام، إذا ذهب يوم ذهب بعضك».

الحياة لها طرقها الأشد انتهاكا بك حين تقف في طريق بلا متكأ، الغياب والفقد يفعل ذلك وأكثر، موت الأحبة هزيمة أخرى تفرض نفسها عليك مهما كنت سعيدا، وفي المقابل متى ما شعرت بالحرية هواء تتنفسه ملء رئتيك ربما ستقول: أنا حي.. ولو كان كل ما حولك جامدا لا حياة فيه.

نصيحة: اغتنم ما يمنح لك قبل أن يفنى.. إنما العمر أيام، عش وفق ما لديك من معطيات، لا تكدر خاطرك أو تهدر حياتك في تغيير الدفة، فقد تجد في طريقك الذي لا تحب ما يسعد قلبك دون أن تعلم، خذ الحياة بمفهوم الاستسلام المطمئن، الاستسلام الذي يغشيه اليقين، يقال إن مجابهة الحياة تحتاج شجاعة.. أنا عشت عمري حتى هذا اليوم ما كان للشجاعة موقف مؤثر معي، الحياة تحتاج لأن تكون مؤمنا بالله.. وكفى.

لذا لتعلم، أننا في رحلتنا هذه بالحياة إنما هي رحلة البحث عن الله.. هي الرحلة الوحيدة التي لن تكون شاقة لقوله تعالى: (فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى).. لذا ابحث عن الله فيما تبحث واحيا به قدر ما تمنحك الأيام من وقت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button