بين رقابة السلطة وأهل البيت… ممنوع من النشر* حمزة عليان

النشرة الدولية –

 

قد تكتب مقالاً غير مخالف للقانون في صحيفة كويتية، لكنه يخالف توجهات ومصالح أصحابها، فيمنع نشره. وهذا واقع الحال كما نعايشه وغيرنا الكثيرين من أصحاب الفكر والزوايا والأعمدة.

 

صحيح أنّ هناك قضايا في المحاكم مرفوعة من الحكومة أو من مواطنين. وهذا ليس فيه جديد، كما يقول الزميل والكاتب المخضرم حسن علي كرم. وهو من أوائل الصحافيين الكويتيين الذين مارسوا “#حرية التعبير” عن الرأي، وتبوّأ عدة مناصب تحرير في عدد من الصحف والمجلّات.

 

ما كان يودّ أن يقوله هو أنه لم يتم الخروج من “القفص الحديدي” إلى فضاء الحرية. وكان هذا تعليقاً على مقال كتبتُه في جريدة “الجريدة” الأسبوع الماضي، عن ظاهرة إقفال وأفول معظم الصحف الكويتية التي صدرت بعد عام 2006، حين عُدّل قانون المطبوعات والنشر، بحيث وصلت تراخيص الصحف الممنوحة حينذاك إلى العشرات، وبقيت 17 صحيفة مستمرّة في الصدور إلى سنوات خلت عندما غادرت الساحة الإعلامية نهائياً.

 

كان السؤال، هل ازدادت رقعة حرّيات التعبير كما كان يروِّج لها المتضرّرون من “احتكار” الصحف في خمسٍ تصدر يومياً ولعقود، وبعد أن أوقفت الحكومة منح رخص جديدة منذ سبعينيات القرن الماضي، أم تراجعت؟

 

لا تزال الرقابة بالمفهوم التقليدي قائمة، لكنها رقابة لاحقة سواء على الصحف اليومية أو الكتب أو المطبوعات بشكل عام، وفي حالة وجود متضرّر يستطيع اللجوء إلى القضاء وتُطبّق عليه القوانين المرعيّة في البلاد.

 

بقيت حالة التذمّر من “الرقابة الحكومية” ملازمة لحرّية التعبير منذ الستينيات. وتُعدّ هذه “الرقابة” في “زمن الإنترنت” ضرباً من الغباء، كما أوضحت الزميلة والكاتبة الجريئة سعاد المعجل في مقالتها الأسبوعية في صحيفة “القبس”. ورأت أنّ استمرارها في هذا الزمن الإلكتروني المفتوح وبلا سقف أو حدود هو نوع من الجهل، فمنصّات الإنترنت حطّمت حواجز الرقابة.

 

وهذا أصبح واقعاً بالفعل. الجديد في الموضوع أنّ معظم الكتّاب الذين تتعرّض مقالاتهم للمنع من الصحف يلجؤون مباشرة إلى الإنترنت، فهي كفيلة بزيادة الإقبال من باب الفضول للتعرّف أكثر إلى الأسباب التي دفعت بهذه الصحيفة أو تلك إلى سلوك هذا النهج، مع علمها أنه لم يعد هناك شيء يمكن إخفاؤه.

 

أيام “الرقابة السلطوية” كانت بعض الصحف تلجأ إلى المساحات البيضاء، أي ترك المساحة فارغة. وهي علامة على الاحتجاج والرفض، وفي الوقت نفسه إعطاء فكرة للقارئ بأنّ هذا المقال أو الخبر حذفه رقيب الحكومة!

 

اختفى هذا المشهد بعد ظهور الإنترنت، التي باتت نصيرةً للحرّيات. فمن لا يجد من يتبنّاه أو يتقبّل فكرته يركض مهرولاً إلى الفضاء الإلكتروني “ويا دار ما دخلك شر”.

 

الظاهرة صارت تؤرّق البعض، بعد أن صار نشر الغسيل الممنوع متاحاً للجميع وعلى الملأ، وبات أقرب إلى التشهير بصاحب المطبوعة منه إلى أيّ شيء آخر. يكفي أن تكتب عبارة “منع من النشر” حتى تصل إلى ملايين الناس، بدافع الفضول والمعرفة.

 

بعضهم أعطاها مسمّى “الرقابة الذاتية”، ومن تعرّض للمنع كتب عبارة “لم تنشره أيّ جريدة” زيادة في التشويق.

 

خطوة وزارة الإعلام الكويتية بإلغاء الرقابة المسبقة على الكتب قوبلت بالكثير من التقدير، لكنها خطوة على طريق الألف ميل!

 

تغيّرت الشكوى؛ بالأمس كانت رقابة السلطة، واليوم أصبحت رقابة أهل البيت ومن أصحاب الصحف!

 

لائحة الممنوعات في ظلّ السلطة يمكن التعرف إليها، ومع الوقت يصبح الإفلات منها مرهوناً بجهاز التحرير. أما اليوم فسيكون من الصعب التعرّف إلى مصالح وسياسات أصحاب الصحف!

بتنا نعيش في زمن مختلف، لذلك فالمنع لا جدوى منه في الحالتين، إلا لمن استهوته لعبة التشهير وصنع البطولات!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button