قائد الجيش اللبناني أخطأ… الهدف* فارس خشان
النشرة الدولية –
النهار اللبنانية –
إنّها المرة الثانية التي يخرج فيها قائد الجيش العماد جوزف عون عن “واجب التحفظ”. المرة الأولى كانت في الأوّل من حزيران (يونيو) 2019، قبل أشهر من اندلاع “ثورة أكتوبر”. هذه المرة، أوّل من أمس، في حمأة محاولات التصعيد في الشارع.
في المرّتين، ركّز هجوم عون على الطبقة الحاكمة التي باستهدافها الجيش اللبناني، إنّما ترتكب جريمة ضد الكيان الوطني.
المشترك بين الإطلالتين أنّ المؤسسة العسكرية “مأزومة” بسبب السلوك السياسي. المختلف أنّ المعاناة كانت، سابقاً، قابلة للعلاج، فيما هي حالياً، معاناة وجودية، بسبب الانهيارات المالية والاقتصادية والاجتماعية و”الجمود السياسي”.
وإذا ما جرى تفسير الإطلالة الثانية لقائد الجيش، بالاستناد الى معطيات إطلالته الأولى، فهذا يفيد أنّ كلامه لا يحمل أيّ أهداف يُمكن البناء عليها، إذ إنّها، في مكان ما، تنحصر، في محاولة منه لشد عصب العسكريين، من جهة، وإعادة تلميع صورة المؤسسة العسكرية، من جهة أخرى.
وجاءت إطلالتا قائد الجيش، في توقيت مثير للاهتمام. في المرة الأولى، كانت ثمّة حملة في الولايات المتحدة الأميركية تطالب بوقف برامج التمويل المخصصة للجيش اللبناني، على اعتبار أنّه “من المنظومة المساندة لسيطرة حزب الله على البلاد”. وهذه المرة أيضاً، إذ إنّ الخلفيات التي بُني عليها “الدليل المؤقت للأمن الاستراتيجي الأميركي” الذي نشره الرئيس الأميركي جو بايدن، في بداية هذا الشهر، توصي بـ”تعليق كل المساعدات للجيش اللبناني، بسبب مواصلة التعاون مع حزب الله وفشله في كبح جماحه” (“النهار العربي” – مقالة” وثيقة الدليل المؤقت الأميركي عن “حزب الله” وإيران…، تاريخ 7 مارس 2012).
وحده التهوّر يسمح بتخطي هذا الإنذار الوارد من واشنطن، وهذا ليس من مزايا “الفكر الأمني”، إذ إنّ فضيلته، مثلها مثل رذيلته، تكمن في أنّه يتعامل مع الشكوك على أنّها حقائق.
وفي الخطاب الدولي، فإنّ المؤسسة العسكرية هي آخر الحصون المحترمة في لبنان، ولكنّ هذه المكانة معرّضة للانهيار، في حال نجحت الطبقة الحاكمة في دفع هذه المؤسسة الى اصطدام دموي مع الشعب الغاضب، أو في حال أوجدت الكارثة المالية هوّة عميقة بين القيادة من جهة، وبين عديدها، من جهة أخرى.
وتُدرك قيادة الجيش أنّ المعونات “السخيّة” التي تلقتها سابقاً، وتحديداً من الدول الخليجية، عندما كانت الأزمات تضرب لبنان، غير متوافرة حالياً، إذ إنّ “لعنة حزب الله” حلّت على المؤسسة العسكرية، كما حلّت على الخزينة العامة ومصرف لبنان وسائر القطاعات المنتجة في البلاد.
إنّ المشكلة الأساسية التي يُعاني منها الجيش اللبناني ليست مع الطبقة السياسية، بالمطلق، ذلك أنّ غالبية اللبنانيين، ولا سيما في هذه المرحلة، يناصرون المؤسسة العسكرية على الحكّام، في أي موقع كانوا. وما يصح على اللبنانيين يصح أيضاً على العواصم المؤثرة في القرار الدولي.
إنّ مشكلة الجيش اللبناني تكمن في بلورة دقيقة لموقعه في الدولة، في ظل طغيان “حزب الله”، وهذا ما ينعكس سلباً على دوره كما على الآمال المعلّقة عليه في المحافظة على الكيان.
ولن تستطيع قيادة الجيش، مهما قالت، أن تُبعد الخطر لا عن المؤسسة العسكرية ولا عن الكيان، طالما أنّها تقف عاجزة أمام تمادي “حزب الله”، لأنّ هذا التمادي هو الذي يحمي فاسدي السلطة، وهو الذي يحول دون تدفّق ما يحتاجه لبنان من مساعدات عاجلة، وهو الذي ينقل لبنان من الموقع الطبيعي الذي يجب أن يكون فيه الى الموقع الذي يُدخله في منظومة الدول المتعثّرة، حيث تتقدّم كلمة الميليشيات المسلّحة على كلمة القوات المسلّحة.
ولا يدعو أحد، لا في الداخل ولا في الخارج، قيادة الجيش الى الدخول، لإنقاذ المؤسسة العسكرية، في مواجهة مع “حزب الله”، ولكن، في المقابل، يستحيل إنقاذها من المسار المنزلق الذي دخلت فيه إذا لم تتمّ إعادة تموضعها على الساحة اللبنانية، بحيث تسقط تباعاً تأثيرات التهم التي تضع الجيش في خدمة ميليشيا.
إن لم يحصل ذلك، فإنّه كما الإطلالة الثانية للعماد جوزف عون أتت في ظل معطيات أسوأ من الإطلالة الأولى، فإنّه يخشى أن تكون إطلالته الثالثة على الركام، كما هي عليه الإطلالات الحالية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.