القانونية سابين الكيك توضح: كيف يستعيد المودعون أموالهم في القطاع المصرفي اللبناني

النشرة الدولية –

المدن عزة الحاج حسن

لا مخارج للدوامة التي يدور فيها القطاع المصرفي المنهار من دون الشروع جدّياً لإعادة هيكلته، بدءاً من إعادة هيكلة مصرف لبنان والتدقيق بحساباته، وإن استلزم الأمر استعانة دولية، وإلغاء قانون السرية المصرفية، وإلزام لجنة الرقابة على المصارف، تحت إشراف لجنة مصرفية دولية، بتقديم تقارير مفصلة عن ميزانيات المصارف بالأرقام والمعايير المصرفية العالمية. بهذه الخطوات قد يتمكّن القطاع المصرفي من استعادة النهوض، ودون ذلك لا أمل بالخلاص للمودعين، الذين شهدوا عملية “سطو” تاريخية على حقوقهم.

وعلى المودعين في المصارف اللبنانية، حسب أستاذة القانون المتخصّصة بالشأن المصرفي، سابين الكيك، إطلاق خطة ضاغطة تحت سقف القانون لمواجهة أزمة احتجاز أموالهم من قبل المصارف. وفي حوار أجرته “المدن” مع الكيك تنصح المودعين بـ”عدم الرضوخ”.

– ما مصير أموال المودعين؟ وهل تعتقدين أن الودائع الدولارية من الممكن أن تُستعاد يوماً؟

الأزمة المصرفية تتفاقم مع غياب الإرادة السياسية والمصرفية، الهادفة لاعتماد وتنفيذ خطة إصلاحات حقيقية ذات مغزى مباشر في تقليص حجم  الخسائر الواقعة على المودعين. وكل مدرك للوقائع يعلم أن إمكانية استعادة الحقوق المودعة بالدولار أميركي توازي تماماً فرص استمرارية القطاع المصرفي اللبناني، والعكس صحيح. لأن تحميل كل الخسائر للمودعين يعني ذوبان البنوك الحالية في جيوب القيمين على إداراتها والمنتفعين منها، وإعاقة عملية بناء صناعة مصرفية لبنانية في المدى المنطقي للأمور. في هذه المرحلة الدقيقة، أصبح ضرورياً لا بل ملحاً على المودعين أن يتّحدوا في إطار مجموعات ضاغطة باتجاه صنّاع القرار المصرفي، داخلياً وخارجياً، بهدف التصدي لاستراتيجية شراء الوقت الخبيثة. والأجدى أن تضم هذه المجموعات المودعين في الانتشار وكذلك الأجانب. إنها أزمة لم يشهد لها مثيل التاريخ المصرفي، إن لناحية شموليتها، كونها لم تقتصر على المصارف كشركات مساهمة، بل ترافقت مع أزمة عميقة في المصرف المركزي أيضاً -وهو المفترض أن يبقى خط الدفاع الأخير- أو لناحية سياسة الإنكار المتبعة، والتي تزيد من حجم وصعوبة الوصول إلى حلول. لذا، المواجهة الفعّالة يجب أن تكون على قدر خطورة الأزمة.

– كيف سينعكس التزام المصارف بالتعميم 154 على علاقتها مع المودعين؟

التعميم 154 ينقسم إلى ثلاثة عناوين رئيسية: إطلاق مبادرة استعادة 15 في المئة أو 30 في المئة من المبالغ التي تفوق 500 ألف دولار، والمحوّلة إلى الخارج منذ 2017. تشكيل 3 في المئة من قيمة الودائع التي كانت موجودة بصيف 2019 في حسابات لدى المصارف المراسلة. السماح للمصارف بالتفاوض مع المودعين من أجل تبديل الودائع إلى سندات دين قابلة بدورها للتحويل إلى أسهم.

فيما يتعلق بالشق الأول، من المؤكد أن تطبيقه غير ممكن لاعتبارات عدة، تبدأ من الاستحالة الواقعية، ولا تنتهي عند عقدة السرية المصرفية. أما الجزء الثاني، فهو يأتي من باب إعادة تعزيز علاقات المصارف اللبنانية المتصدعة مع المصارف المراسلة على حساب المودع، لأنه يغطي عزل حوالى 3 مليار دولار خارج لبنان. وصولاً إلى النقطة الثالثة والتي لم يسلط عليها الضوء، بالرغم من كل ما تحمله من تداعيات مباشرة على حقوق المودعين، لأنها الوحيدة في سياق التعميم 154 التي تتيح للمصارف إعادة ترتيب علاقاتها والتزاماتها العقدية مع مودعيها. وبرأيي، يبقى الأبرز في هذا التعميم هو الاعتراف الرسمي من قبل المركزي بأحوال المصارف المتعثرة مادياً إلى حدّ التوقف عن الدفع، مع ما يشكل هذا الاعتراف من إدانة للمجلس والحاكمية ولجنة الرقابة على المصارف، خصوصاً مع الاستمرار بنهج الإمعان في مخالفات مصرف لبنان القانونية، وتصنيف الودائع حسب قابلية استردادها.

– برأيك من أين يجب أن تبدأ عملية إعادة هيكلة القطاع المصرفي؟

1- إعادة هيكلة مصرف لبنان، بدءاً من التدقيق بحساباته تحت إدارة مؤقتة للمركزي مستقلة وحيادية، ولو لزم الأمر الاستعانة بمساعدة دولية.

 

2- إلغاء قانون السرية المصرفية، وإخضاع العلاقة العقدية بين البنوك والعملاء فقط للقواعد العامة المتعلقة بالسرية المهنية.

 

3- إلزام لجنة الرقابة على المصارف، تحت إشراف لجنة مصرفية دولية ذات خبرات محترفة كلجنة بازل مثلاً، بتقديم تقارير مفصلة عن ميزانيات البنوك بالأرقام والمعايير المصرفية العالمية، ليبنى على الشيء مقتضاه.

 

ما عدا ذلك من خطوات لا تتمتع بقدر استثنائي من المصداقية والشفافية، ستراوح الأزمة حتماً مكانها. مما يعني مزيداً من امتصاص لحقوق المودعين.

 

– ما الطريقة الأمثل لمواجهة المودعين اليوم أزمة احتجاز أموالهم من قبل المصارف؟

 

عدم الرضوخ. إطلاق خطة ضاغطة تحت سقف القانون، والتوجه إلى المؤسسات الدولية. وقد يتراءى للبعض أنها خطوات فضفاضة. ولكن وضع القضاء أمام مسؤولياته كسلطة تطالب باستقلاليتها على مرأى ومسمع المجتمع الدولي، كما التصويب على مدى حرمان الأزمة المصرفية للمودعين من حقوق اقتصادية واجتماعية مكرسة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، من شأنهما اخراج الأزمة من حالة الركود.

– ماذا عن الرسوم والعمولات المستجدة التي تفرضها المصارف على الحسابات وعمليات السحب والتحاويل وكافة التعاملات؟

هي ليست مستجدة بمعنى أنها تأتي في تسلسل طبيعي للعلاقة العقدية، بل الأصح إنها مبتكرة بمعنى التعسف في تحديث وتعديل موجبات العميل المالية بمحض إرادة المصارف المنفردة، ومن دون تعديل في طبيعة الخدمات المصرفية التي تقدمها. لا، بل على العكس تماماً، المصارف تنكّرت للموجبات الملقاة على عاتقها من دون مسوغ مشروع. الأمر الذي يجعل فرض هذه الأعباء المالية غير قانوني وغير مبرر وغير متوجب على العميل. وسيان أن تكون العقود المصرفية تضمنت بنوداً خارقة، تسمح للمصرف كمحترف يذعن له الطرف الآخر بإضافة أعباء مادية على العميل المستهلك، أو لم تحتوِ أصلاً هكذا بند. ففي كلتا الحالتين تبقى هذه الرسوم والعمولات غير مستحقة إلا بموافقة العميل الصريحة والحرة.

– بعد تحويل كبار المودعين أموالهم إلى الخارج، هل من جدوى لإقرار قانون الكابيتال كونترول اليوم فيما لو حصل؟

قوننة الكابيتال كونترول لا تلغي عنه طبيعته كإجراء استثنائي يتعارض مع الأحكام الدستورية، التي تكرس بمقدمتها التزام لبنان بالمواثيق الدولية، وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. لذلك، إقراره يخضع لمقتضيات الضرورة القصوى وفقاً للآتي:

  • اثبات فعاليته من ضمن خطة إنقاذية متكاملة وواضحة.
  • اختيار التوقيت المناسب لتحقيق الجدوى المرجوة منه ضمن نطاق زمني محدود جداً.
  • ضبط شروطه الموضوعية، بما يضمن عدم الاستنسابية وتقليص الخروقات الممكنة.
  • تلازم تطبيقه مع إجراءات قضائية خاصة تضمن ملاحقة ومساءلة المخالفين.

أعتقد أن مطابقة هذه النقاط مع الواقع المصرفي الحالي، وبعد التجارب التشريعية الأخيرة التي أثبتت عجز السلطة السياسية والهيئات المصرفية الرقابية، تصبح الإجابة على السؤال بديهية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى