عودة الاحتجاجات إلى لبنان في ظل أزمة حكومية

النشرة الدولية –

قنا – ميساء عبد الخالق –

تجددت التحركات الشعبية في لبنان منذ أيام احتجاجا على ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة اللبنانية إلى جانب تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في ظل تعثر تشكيل حكومة لبنانية جديدة، بسبب الخلاف المعلن بين الرئيس اللبناني العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف السيد سعد الحريري حول الحقائب الوزارية.

وقد عاد المحتجون إلى شوارع بيروت ومختلف المناطق اللبنانية منذ أربعة أيام بعد أن وصل سعر صرف الدولار الأمريكي إلى أكثر من 10 آلاف ليرة لبنانية، مقابل الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والنقص الحاد في الأدوية والمنتجات.

وقد أقفل المحتجون على مدى ثلاثة أيام الطرق في بيروت والمناطق، واشعلوا الإطارات احتجاجاً على سوء الأوضاع في بلادهم وانسداد الأفق حيث قطع المحتجون طرقا اساسية تربط العاصمة بيروت بكافة المناطق في جنوبي وشمالي وشرقي وجبل لبنان مما ادى الى احتجاز المواطنين لساعات داخل سياراتهم واضطراهم إلى سلوك طرقا فرعية للوصول إلى منازلهم أو أماكن عملهم.

يذكر أن المظاهرات كانت قد انطلقت في لبنان في 17 أكتوبر 2019 في وسط بيروت عقب قرار اتخذته الحكومة اللبنانية بفرض ضريبة على تطبيق “واتس آب”، وسرعان ما انتقلت المظاهرات لتنتشر في كافة المناطق اللبنانية حيث طالب المحتجون آنذاك بتشكيل حكومة إنقاذ وإجراء انتخابات نيابية مبكرة ومعالجة الأوضاع الاقتصادية واسترداد الأموال المنهوبة ومحاسبة الفاسدين وقضاء مستقل، وهو ما دفع السيد سعد الحريري آنذاك الى إعلان استقالة حكومته في 29 أكتوبر 2019 بعد أسبوعين من انطلاق الاحتجاجات تجاوبا مع إرادة اللبنانيين المطالبين بالتغيير، وبسبب الوصول إلى طريق مسدود للحل على حد تعبيره.

وعلى أثر هذا الوضع عمد الجيش اللبناني أمس إلى فتح الطرقات التي قطعها المحتجون في مختلف المناطق اللبنانية سواء بالسواتر الترابية أو الإطارات المشتعلة أو بإقفالها بواسطة الشاحنات، حيث أعلن الجيش اللبناني أنه و نتيجة الحوادث المأسوية والتجاوزات التي حصلت، وحفاظا على سلامة المواطنين، باشرت وحدات الجيش على فتح الطرقات المغلقة.

ويرى مراقبون أن عددا كبيرا من المنتفضين يتبع لجهات وأحزاب سياسية معينة، وأن التحركات في الشارع تندرج في سياق الصراع السياسي الدائر في لبنان وهو ما انعكس تصعيدا في الشارع من خلال لجوء المحتجين إلى قطع الطرقات في مختلف أنحاء البلاد.

وفي هذا الصدد، لفت الوزير السابق سجعان قزي في تصريح خاص لمراسلة وكالة الأنباء القطرية /قنا/ في بيروت، إلى وجود تباين بين مجموعات القوى المشاركة في الحراك الجديد الذي يشهده لبنان منذ أربعة أيام.. مشيرا إلى أن 10 بالمائة هي من المجموعات المنتفضة منذ 17 أكتوبر 2019، و30 بالمائة من الشعب العادي الثائر الناقم الجائع الفقير الذي يريد التعبير عن وجعه، وحوالي 60 بالمائة من التابعين للأحزاب اللبنانية.

وذكر أن هذا الحراك هو أمر طبيعي وكل شيء يدعو إلى التحرك، وهذه الأحزاب يحق لها أيضا أن تعبر عن رأيها وموقفها في الشارع طالما أن تعبيرها سلمي.. وشدد على ضرورة أن يكون هذا التعبير سلميا في إطار احترام حرية الآخرين.. مبينا أن قطع الطرقات ليس له مبرر لأنه يقطع الطرقات على الناس، وعلى بعضنا البعض، وعلى الأهل والعمال وعلى المؤسسات العاملة في الإطار الصحي، وهي من ضرورات الحاجة الملحة حاليا.

وقال قزي لـ/قنا/ إن الملفت في هذا التحرك الجديد أن هذه التظاهرات لا تحمل شعارا، موضحا أن الانتفاضة التي انطلقت سابقا رفعت شعار محاربة الفساد، وفي مرحلة لاحقة حاولت تضمين شعاراتها مواقف سياسية كنزع سلاح حزب الله مثلا… وأضاف أن حراك اليوم هو حراك دون شعارات وهذا أمر يفترض أن يعاد النظر فيه لأن كل حراك لا يحمل هدفا واضحا لا يؤدي إلى نتيجة.

في المقابل تنفي جهات سياسية وشعبية أن يكون لهذا الحراك المتجدد أي علاقة بالأحزاب، معتبرة أنه يعبر عن غضب الناس تحت وطأة الجوع والمرض والفقر والغلاء ومصادرة المصارف لأموال الناس.

وفي هذا السياق قال النائب السابق خالد زهرمان عضو كتلة المستقبل النيابية (التي تمثل تيار المستقبل الذي يرأسه سعد الحريري) في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية / قنا/ “إن الناس تترجم غضبها بقطع الطرقات وهناك تواجد لحزبيين على الأرض ولكن هذا لا يعني أن الأحزاب تدير عمليات قطع الطرقات”.. مضيفا “أن الحراك يعكس وجع الناس نتيجة الضائقة الاقتصادية التي يعيشها البلد وهي مرشحة للازدياد مع الوقت لأن الاوضاع الاقتصادية تتدهور في ظل الفشل في تشكيل حكومة جديدة قادرة على تنفيذ خطة إنقاذيه”.

وأشار زهرمان إلى أن إعادة إصلاح الوضع الاقتصادي المترهل في لبنان يحتاج سنوات وبالتالي يجب وقف الانهيار من خلال الإعلان عن تشكيل حكومة تباشر بالإصلاحات فورا، وقال إن المجتمع الدولي واضح جدا لجهة تأكيده على ضرورة تشكيل حكومة فاعلة كشرط لتقديم المساعدات للبنان، مبينا أنه ومن هذا المنطلق ما زال الحريري على موقفه بتشكيل حكومة اختصاصيين لأن تغيير موقفه يعني نحن نتوجه إلى حكومة تقاسم حصص سياسية على مجلس الوزراء ولا تكون حكومة قادرة على إنقاذ البلد.

 

وتخوفت بعض الجهات الرسمية أن تؤدي التحركات في الشارع إلى انفلات أمني جراء الصدام بين بعض المواطنين والمحتجين، حيث قال الرئيس اللبناني العماد ميشال عون: “إنه إذا كان من حق المواطنين التعبير عن آرائهم بالتظاهر، إلا أن إقفال الطرقات هو اعتداء على حق المواطنين بالتنقل والذهاب إلى أعمالهم، لاسيما بعد أسابيع من الأقفال العام الذي فرضته حال التعبئة العامة لمواجهة كورونا.

ويأتي هذا الحراك الشعبي والاحتجاجات في الشارع في ظل أزمة حكومية في البلاد على وقع خلاف معلن بين الرئيس اللبناني العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وهما المعنيان بتشكيل الحكومة وفقا للدستور، حيث ظهر هذا الخلاف ضمن سلسلة من البيانات الصادرة عن الرئاسة اللبنانية ومكتب الإعلام للرئيس الحريري منذ أسابيع واتهامات متبادلة بتعطيل مسار تشكيل الحكومة.

ففي حين يتهم الحريري الرئيس عون وتياره السياسي الذي أسسه وهو (التيار الوطني الحر) بالسعي لحصوله على الثلث المعطل في الحكومة، وأن باسيل يؤثر سلبا على مسار تشكيل الحكومة، نفت الرئاسة في بيانات متكررة اتهامها الحريري بأنها تريد الثلث المعطل في الحكومة أو تدخل جبران باسيل في تشكيل الحكومة. يذكر أنه ووفقاً للدستور اللبناني يصدر رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو اقالتهم.

وفي 22 أكتوبر الماضي قد تم تكليف السيد سعد الحريري بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، في حين يواجه مسار التشكيل عقبات جراء الخلاف حول الحقائب الوزارية والأسماء بين عون والحريري.

وفي سياق متصل، نفت الرئاسة اللبنانية أمس الأول صحة التصريحات بشأن إقدام الرئيس اللبناني العماد ميشال عون على توجيه رسالة رئاسية إلى مجلس النواب “لنزع وكالة” رئيس الحكومة اللبنانية المكلف السيد سعد الحريري “بسبب فشله في التشكيل”.

وتتوارد في لبنان شائعات حول عدم قدرة سعد الحريري على تشكيل حكومته بسبب العراقيل والخلافات مع الرئيس عون، وفي هذا السياق أكدت مصادر مقربة من السيد سعد الحريري لوكالة الأنباء القطرية، أن الحريري ليس في وارد التراجع والاعتذار عن تشكيل حكومة لبنانية من اختصاصيين قادرة على وضع خطة إنقاذيه، لأن الوضع في البلاد لم يعد يحتمل حكومات محاصصة خاصة في ظل إصرار المجتمع الدولي على تشكيل حكومة اختصاصيين قادرة على تنفيذ خطة إصلاحية إنقاذيه كأساس لتقديم المساعدات لوقف الانهيار في لبنان.

ويرى مراقبون أن الخلاف بين عون والحريري يعقد مسار الأزمة في البلاد خاصة بعد ظهورها إلى العلن مما أدى إلى حالة احباط لدى الناس والعودة إلى الشارع من جديد.

وكان الحريري أشار في كلمة له في 14 فبراير الماضي بمناسبة ذكرى استشهاد والده /رفيق الحريري/ أنه طرح تشكيل حكومية على الرئيس عون دون أن يكون فيها للرئيس للثلث المعطل حيث أتهم الحريري عون أنه يسعى للحصول على الثلث المعطل في حكومته العتيدة، وقال الحريري بعد 14 جولة تشاور ومحاولات إيجاد الحلول مع الرئيس عون، قدمت له اقتراح تشكيلة من 18 وزير اختصاصيين غير حزبيين، قادرين أن ينفذوا كفريق متكامل الإصلاحات المطلوبة، لوقف الانهيار وإعادة إعمار بيروت وإعادة الأمل للبنانيين.

ويتخوف مراقبون للوضع في لبنان من انفلات الوضع الأمني على وقع الأزمة الحكومية وتردي الأوضاع الاقتصادية واستشراء الغلاء وتوسع رقعة الفقر بعد تقديرات بأن معدل الفقر في لبنان تجاوز نسبة 50 بالمائة، بعد أن وصل الحد الأدنى للأجور إلى أقل من 70 دولار (675 ألف ليرة لبنانية).

وفي هذا السياق، حذر قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون إلى أن الوضع غير مستقر بسبب الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها واستمرار تهديدات العدو الإسرائيلي وخروقاته اليومية، بالإضافة إلى الخلايا الإرهابية النائمة التي تسعى إلى استغلال الأوضاع الداخلية ومخيمات النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين للعبث بالاستقرار الأمني.

وأضاف قائد الجيش اللبناني: “أن الوضع السياسي المأزوم انعكس على جميع الصعد، بالأخص اقتصادياً ما أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر والجوع، كما أن أموال المودعين محجوزة في المصارف، وفقدت الرواتب قيمتها الشرائية، وبالتالي فإن راتب العسكري فقد قيمته”، وأضاف :”العسكريون يعانون ويجوعون مثل الشعب”، متوجهاً إلى المسؤولين بالسؤال : “إلى أين نحن ذاهبون، ماذا تنوون أن تفعلوا، لقد حذرنا أكثر من مرة من خطورة الوضع وإمكان انفجاره”.

ويبقى السؤال هل يستطيع لبنان الخروج من أزمته بمعزل عن تسوية خارجية لحل أزمته السياسية ولإنقاذه من الانهيار الاقتصاد؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button