ماذا يحتاج الأطفال العرب ليطلقوا أعمالهم الإبداعية؟
النشرة الدولية –
صحيفة العرب – شريف الشافعي
خطوة إيجابية اتخذتها وزارة الثقافة المصرية منذ أيام بإطلاقها جائزة كبرى، جديدة من نوعها، هي “جائزة الدولة للمبدع الصغير”، في مجالات عدة تشمل الإبداعات الأدبية الشعرية والسردية والمسرحية، والرسم والموسيقى، والتطبيقات الإلكترونية، والابتكارات العلمية، بهدف النهوض بالآداب والفنون، وتعزيز مهارات المبدعين والمبتكرين الصغار من خلال جوائز مادية قيّمة وتقدير معنوي للفائزين في المستوى الأول (5 حتى 12 عاما)، والمستوى الثاني (12 حتى 18 عاما).
جاء إطلاق هذه الجائزة ليحرّك الماء الراكد، ويثير من جديد العديد من الإشكالات والتساؤلات حول حاضر إبداعات الأطفال والصغار العرب، ومستقبله.
تَحَقّق هذه الإبداعات والابتكارات التي ينجزها المبدعون الصغار لا يزال ضعيفا للغاية في الواقع العربي، ونادرة هي الأعمال التي تتاح لها شروط التفوق فتصل إلى المأمول محليّا وعربيّا ودوليّا في المحافل العالمية، لذا فالجوائز إحدى سبل تنمية هذه الإبداعات بطبيعة الحال، لكن تبقى أمور أخرى ثقافية وتعليمية وتربوية واجتماعية ونفسية وغيرها بحاجة إلى تعزيز وتطوير.
كثيرة ومتشابكة نقاط النقاش المتعلقة بإبداع الأطفال والصغار في العالم العربي، فما خصائصه وملامحه، ولماذا لا يزال معلقا في الفراغ، ولمن يوجهه الصغار، وهل بالضرورة أن يكون موجها لنظرائهم في العمر أم أنه قد يخاطب الكبار؟ وما معوقات انتشار هذا الإبداع، ووسائل تنميته في بيئة حاضنة دافئة؟
عندما يشرع الأطفال في الإبداع بحرية، يكتبون في شكل قصصي أو شعري، وأحيانا يكتبون قصصا على طريقة السيناريو (الرسوم المتتابعة) في المجلات، فيرسمون ويكتبون داخل بالونات متأثرين بما يطالعونه في مجلات الأطفال المصرية والعربية، وبالطبع هي كتابات تتفق وقدراتهم اللغوية، وأيضا قدراتهم على التعبير عن أفكارهم ببساطة وسهولة.
يقول الشاعر والباحث في ثقافة الطفل والفولكلورعبده الزراع، لـ”العرب”، إن “اللغة قد تقف أحيانا عائقا أمام الأطفال، فلا يمكنهم التعبير بدقة عن أفكارهم، فلا تأتي الصياغة منضبطة، وكثيرا ما نرى أخطاء في اللغة، وفي النحو، وفي الإملاء، لكن تأتي أفكارهم منبثقة دائما من الأحداث الكبرى، التي تمر بها البلاد وتتأثر بها الشعوب، ويطالعونها ليل نهار على وسائل الميديا المختلفة، فنجد معظم الأطفال يكتبون الآن مثلا عن فايروس كورونا، فالميديا دائما توجههم، وهذا أكبر دليل على أنهم يتأثرون بما يتأثر به الكبار”.
وقد تكون إبداعات الأطفال موجهة إلى بعضهم البعض، أو ينجزها الطفل لأسرته الصغيرة، لوالده أو والدته أو إخوته الكبار، أو للمعلم في المدرسة، أو لبلده، فالطفل يبدع لمن يعرف، وعما يعرف، وعما يحيط به، ويؤثر في وجدانه بشكل مباشر.
ويؤكد الزراع أنه لا يوجد اهتمام كبير بهذا الإبداع في مصر والعالم العربي، فلا نجد مجلات يكتبها الطفل، إلا بعض المجلات التي تفرد أحيانا بعض الأبواب لنشر إبداعات الأطفال، أو لنشر رسومهم وصورهم، أو حالات استثنائية مثل سلسلة “الكاتب والرسام” بهيئة قصور الثقافة بمصر، لكن يُلاحظ أن البعض ينقل من الإنترنت أو يسطو على قصص الكبار، ما يعكس خللا في توجه الطفل.
إبداعات الأطفال موجهة إلى بعضهم البعض
ويطالب الكاتب المصري أن يكون هناك اهتمام أكبر بالأطفال العرب الموهوبين، من خلال إقامة مواقع تفاعلية ومجلات يحررها الأطفال أنفسهم بمتابعة من الكبار، وأن يجري تكليفهم بكتابة موضوعات بعينها، أو قصص وأشعار تدور حول موضوعات محددة، حتى يكتسبوا خبرة في الكتابة القصصية والشعرية والمواد الصحافية المختلفة الخاصة بعوالمهم.
أما الأمر الأهم، فهو الإقلاع عن الاكتفاء بأن يكون الطفل متلقيا فقط، من دون سعي جاد إلى أن يكون مشاركا في الكتابة والتحرير، فينبغي توفير مناخ الإيجابية والمشاركة للمبدع الصغير، فهذا له مردود أكبر وأكثر تأثيرا، ويكسب الطفل خبرة كبيرة، ويجعله يتطور سريعا في التعبير عن آرائه وأفكاره، وهذا دور وزارات الثقافة والشباب العربية، ومؤسسات المجتمع المدني، لتوفير النوافذ الإلكترونية والورقية التي تتطلب ميزانيات ضخمة.
يبقى الموهوبون من الصغار حاضرين دائما في كل مكان، ويستطيع الصغار والناشئة التعبير بحرية عما يحبون، من خلال عالمهم الرحب وخيالهم الخصب وتفكيرهم المختلف عن السائد، بشرط توفر الفرصة كاملة والطقس المواتي.
يشير الكاتب السيد شليل، المختصّ بأدب الطفل وإبداعات الصغار، في تصريح لـ”العرب”، إلى أن التجارب الملموسة على الأرض تثبت حقيقة الاستعداد الفطري للأطفال ليكونوا مبدعين نابهين، في حال تثقيفهم وتعليمهم وتدريبهم ومساعدتهم فنيّا ونفسيّا واجتماعيّا على الإبداع والابتكار، ويستدعي تجربته مع الطفلة فريدة محمود (10 سنوات)، التي شاركته بعد صقل موهبتها في رسم كتابه الفائز في مسابقة دولية، ثم حصدت بمفردها بعد دعمها من جانب مؤسسات مختصة جائزة الطفل المبدع في الأردن منذ أيام قليلة، ما يؤكد دور التثقيف والتدريب والدعم والتحفيز في إطلاق ملكات الطفل.
وإلى جانب الجوائز، يدعو شليل في مجال الرسم مثلا إلى تنظيم معارض عربية مشتركة، وإفساح المجال لرسوم الأطفال لتجد فرصة للنشر في أغلفة ومؤلفات كبار الكتاب، وإجراء بروتوكولات مشتركة بين المؤسسات والدول العربية لدعم المواهب الحقيقية، كما أنه من الضروري ألا تخصص جوائز المبدعين الصغار لعدد محدود من الأطفال، فهذا قد يتسبب في إحباط الآخرين، فالأفضل زيادة أعداد الفائزين والمكرمين، حتى ولو بشهادات تقدير فقط.
المراحل العمرية
هناك من الأدباء والمبدعين من انخرطوا طويلا في ورش عمل مع الأطفال، وتفاعلوا كثيرا مع أعمالهم الإبداعية في نوادي أدب الأطفال، وشاركوا في تقييم مسابقات إبداعية للأطفال والناشئة، ما أكسبهم خبرات متراكمة في التعرف على عالم الأطفال الإبداعي السحري، ومتابعته عن قرب.
من هؤلاء القاصة وكاتبة الأطفال نجلاء علام، التي تؤكد لـ”العرب”، أن الطفل العربي حريص على المشاركة، متفاعل مع الحدث، قادر على الإبداع، ولديه شغف حقيقي بكل ما هو جديد، والمدهش أن المبدعة الصغيرة، الأنثى، تبدو عادة أكثر حماسة من الطفل الذكر، وأكثر قدرة على التواصل السريع وتطوير الأداء في الدورات التدريبية.
وإلى جانب دور الجوائز الفعّال في تنمية إبداع الصغار، ترى علام أن ورش العمل مهمة جدّا، وتؤتي ثمارها بشكل لافت وعاجل، نظرا للتفاعل بين القائم بالورشة والأطفال، ومن الممكن إقامة دورات تدريبية خاصة بهم في مختلف المجالات “أون لاين”.
ومن الواجب كذلك العمل على تبسيط الأنواع الأدبية للأطفال، بحيث يكون هناك مرجع مطبوع متوفر دائما يطلع الطفل الموهوب من خلاله على خصائص الأنواع الأدبية المختلفة، وفي هذا الصدد، أنجزت علام “دليل الطفل الموهوب إلى فنون الكتابة”، الذي صدر عن المركز القومي لثقافة الطفل، وتدعو إلى تكثيف إصدار أعمال مشابهة لمساعدة الطفل على تنمية معلوماته ومداركه.
وتوضح الكاتبة المصرية أن “إبداعات الصغار تختلف بحسب المراحل العمرية للمبدعين، وهنا يجب أن تكون هناك مرونة في صقل مواهب المبدعين الصغار بمراعاة اهتمامات المرحلة، فمثلا لو تتبعنا إبداع طفل الثامنة سنجده يهتم بالخيال وعالم الحيوان والكائنات الخرافية، وبالطبع يكون المعجم اللغوي الخاص به بسيطا، أما في الثانية عشرة فسنجده يلجأ إلى القضايا الاجتماعية والقصص المثيرة والدرامية”.
وتضيف “عندما يبلغ الطفل المبدع مرحلة المراهقة تبدأ النزعة الفردية في مواجهة العالم المحيط، وعندها يسير إبداعه في مسارين متوازيين؛ الأول: ينحو إلى تعظيم الأحلام والتعامل معها كحقائق، والثاني: ينحو إلى الحزن والتأثر العاطفي، فتغير الخارطة النفسية للطفل المبدع من مرحلة إلى أخرى يؤثر في نظرته للإبداع”.