إصدار جديد للدكتورة سعاد الصباح «الكويت في عهدَي جابر بن عبدالله الصباح وصباح بن جابر الصباح»
النشرة الدولية –
«تستلهم الشعوب من تاريخها عناصر قوتها وإرادتها ووحدتها الوطنية لتحقيق تطلعاتها وأمانيها».
بهذه الجملة الموجزة المعبرة عن أهمية التاريخ وشخصياته البارزة في بناء الحاضر واستشراف المستقبل، استهلت الشيخة د. سعاد الصباح كتابها الجديد «الكويت في عهدَي جابر بن عبدالله الصباح وصباح بن جابر الصباح» الذي قالت عنه في معرض إجابتها عن السؤال «لماذا هذا الكتاب؟» إنه جاء من منطلق اهتمامها بالكتابة عن الشخصيات التي تركت بصماتها على تاريخ الكويت، وهكذا يمثل الكتاب استكمالا لمشروع الكاتبة التأريخي الذي تمخض حتى الآن عن 4 كتب من تأليفها هي «مبارك الصباح مؤسس الكويت الحديثة»، و«صقر الخليج.. عبدالله مبارك الصباح»، و«الكويت في عهد عبدالله بن صباح الصباح»، و«الكويت في عهد محمد بن صباح الصباح».
ومن ثم يأتي الكتاب الخامس عن الكويت في عهد الحاكمين الثالث والرابع ليزود المكتبة الكويتية والعربية بإضاءة ورصد لعهود مهمة من التاريخ الكويتي.
وعن هذا الكتاب الجديد، قالت الشيخة د. سعاد الصباح إن صفحاته توضح العلاقة الوثيقة التي جمعت بين أهل الكويت حكاما ومحكومين، وأن حكم الكويت اتسم بروح التشاور والتسامح، وهو ما أعطى لتاريخها نكهة خاصة تميزت بها عن جيرانها.
وفي هذا المؤلف الذي يأتي في نحو 190 صفحة ويتناول فترة حكم الشيخ جابر بن عبدالله الصباح ثالث حكام الكويت الذي اشتهر بلقب «جابر العيش»، والذي امتدت فترة حكمه من 1814 إلى 1859، وفترة حكم نجله الشيخ صباح بن جابر التي امتدت من العام 1859 إلى أن توفاه الله في العام 1866، تستعرض المؤلفة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لأوضاع الكويت والكويتيين في هذه الفترة، وكذلك العلاقات الخارجية للكويت وتفاعلاتها مع القوى الإقليمية والدولية، مستندة في تقصيها لمظاهر ووقائع فترتي الحكم هاتين إلى كم كبير من الكتب والبحوث والوثائق، العربي منها والأجنبي.
وقد أوضحت الكاتبة في تقديمها للكتاب أن هذه المرحلة التي يتناولها تستمد أهميتها من الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي حظيت به الكويت مقارنة بحالة الحروب والصراعات على الحكم التي سادت كثيرا من الإمارات والمشيخات السياسية في شبه الجزيرة العربية والخليج.
وأضافت: تكفي الإشارة في هذا الصدد إلى الأحداث الجسام التي شهدها القرن التاسع عشر مثل تمدد النفوذ الوهابي ونشأة الدولة السعودية الأولى ثم القضاء عليها، وقيام الدولة السعودية الثانية، والوجود العسكري المصري في نجد وشرقي الجزيرة العربية، والتزايد المطرد للنفوذ البريطاني في الخليج، وإبرام اتفاقية السلم البحري في يناير 1820 مع عدد من الإمارات العربية.
هذا إضافة إلى دور الدولة العثمانية التي نظرت إلى الخليج وشبه الجزيرة العربية كمجال لنفوذها.
اشتمل الكتاب، الصادر عن دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع، على مقدمة وستة مباحث.
تناول المبحث الأول الذي جاء تحت عنوان «سيرة حياة: الكرم والشورى والحرص على الاستقلال» رصد المؤلفة لعلاقة الشيخ جابر، الذي كان أول من تسمى بهذا الاسم من بين حكام الكويت، ولذلك أطلق عليه اسم «جابر الأول»، بوالده الشيخ عبدالله الصباح الذي حكم الكويت لمدة ثمانية وثلاثين عاما خلال الفترة 1776 – 1814، وتحيل إلى عدد من الوقائع ما يؤكد أنه كان يعين أباه في تسيير أمور الكويت، ومنها قيادته الحملة البحرية التي ساندت حاكم البحرين الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة في صراعه مع الشيخ رحمة بن جابر الجلاهمة.
وتستخلص الكاتبة من العديد من الكتب والوثائق أن الشيخ جابر بن عبدالله كان حكيما وحازما وكريما يضرب بكرمه المثل ومتواضعا وهادئ الطبع محبا لقومه، وتؤكد تمسكه بحقوق أهل الكويت وممتلكاتهم وحرصه على حمايتها والدفاع عنها، كما تمتع بالحنكة والدراية والشجاعة والمروءة، وكان أكثر ما اشتهر به الشيخ جابر هو كرمه لذلك سمي «جابر العيش».
وعن فترة حكمه تقول إن العلاقات كانت مباشرة بين الحاكم والأهالي، ولم تكن في المجتمع الكويتي وقتها تمايزات أو فروق اجتماعية كبيرة، وقد حرص الشيخ جابر على أن تكون علاقته مباشرة مع الأهالي لتيسير أمورهم وقضاء حوائجهم، وذلك مع اختيار وكلاء عنه في بعض التجمعات السكنية خارج مدينة الكويت.
وإضافة إلى حرصه على إقامة العدل بين أفراد شعبه، سعى الشيخ جابر إلى إقامة علاقات متوازنة مع القوى المحيطة بالكويت والحفاظ على استقلالها، وخصوصا مع الدولة العثمانية، وما أثبت ذلك أن سفن الكويت كانت ترفع في تلك الفترة الرايات المحلية.
بعد ذلك، تتطرق المؤلفة إلى فترة حكم الشيخ صباح بن جابر، والتي استمرت لمدة سبع سنوات فقط. وترصد مظاهر ازدهار التجارة وركوب البحر في عهده، حيث اهتم بأحوال السوق والتجار وفرض الأمن.
كما رصد المبحث الثاني، الذي حمل عنوان «الأوضاع الاقتصادية: ركوب البحر وازدهار التجارة»، تطور الأوضاع الاقتصادية في عهد الشيخين جابر وصباح، حيث عرض لحالة السوق باعتبارها عصب الحياة التجارية ثم للأنشطة الاقتصادية والمهن التي اشتغل بها أهالي الكويت، ثم طرق التجارة البحرية والبرية.
وأوضحت الكاتبة ما ذكره المؤرخون من أن الكويت كانت مثالا نموذجيا على الازدهار التجاري، وأن أسواقها كانت عامرة بالسلع، كما كانت المصدر الرئيس لاحتياجات شمال ووسط نجد من القمح والقهوة والسلع الضرورية الأخرى، فيما وثق أحدهم انخفاض سعر الخروف في العام 1839 إلى ما يوازي دولارا أميركيا واحدا في موسم التجارة قبل أن يرتفع إلى دولارين عندما قل عدد المعروض من الخراف.
وعن الأنشطة الاقتصادية لأهالي الكويت في هذا الوقت ذكرت أنها ارتبطت بالبحر، فكان منها صيد السمك والتجارة كما كان الغوص على اللؤلؤ مهنة أغلب أهالي الكويت.
وعن التجارة مع الخارج أوضح الكتاب أن المؤرخين ذكروا أن ميناء القرين كان من أعظم موانئ المنطقة، وكان يمكن التمييز في النشاط التجاري لأهل الكويت بين التجارة البحرية التي امتدت لتصل إلى موانئ الساحل الشرقي لأفريقيا والهند، حيث اكتسب البحارة الكويتيون خبرة واسعة وذاع صيتهم في الخليج ووصفهم المؤرخون بأنهم يتسمون بالحكمة والمهارة والحزم والشجاعة، وكذلك التجارة البرية عبر الصحراء.
تناول المبحث الثالث من الكتاب وعنوانه «الأوضاع الاجتماعية: التضامن والتسامح والانفتاح» مظاهر الحياة الاجتماعية حيث عرض لتطور عدد السكان وأهم التقاليد والعادات وأنماط الحياة السائدة وقتذاك، وبناء المساجد وما ارتبط به من أعمال البر والوقف، ونشأة «الكتاتيب» التي قامت بتعليم الأطفال من ذكور وإناث، وأوضاع الصحة وممارسات التطبيب والشعراء الذين اشتهروا خلال فترة حكم الشيخين جابر وصباح.
كما تعرض إلى الهجرات التي قدمت إلى الكويت وما اتسمت به تلك الفترة بالتغيير، إذ شهدت الكويت عملية انتقال وهجرات من مختلف أنحاء نجد إليها، وعلى الرغم من كل ذلك فقد كان التسامح عنوان الكويتيين الأبرز في تلك الفترة، كما أعطت الكاتبة لمحات عن مكانة الشعر والشعراء خلال هذه المرحلة.
في المبحث الرابع «تطور علاقات الكويت مع نجد والبحرين» تناولت الكاتبة علاقات الكويت الخارجية في عهدي الشيخ جابر بن عبدالله والشيخ صباح بن جابر ولاسيما مع نجد والبحرين، حيث أشارت إلى حرص الشيخين في فترتي حكمهما على استقلال الكويت من خلال بناء سياسة توازن بين الأطراف المتصارعة في شبه الجزيرة العربية والخليج، بل لم يوفرا الفرص كلما حانت للتوفيق بين تلك الأطراف.
وفي سياق قريب يعرض المبحث الخامس «تطور العلاقات مع القوى الإقليمية الأخرى» العلاقات مع القوى الإقليمية غير نجد والبحرين، حيث رصدت الشيخة د. سعاد الصباح صلات الكويت في تلك الآونة مع جنوب العراق وإمارات الخليج كالبصرة والزبير والمحمرة وبو شهر من خلال الأبعاد السياسية والعسكرية والتجارية.
كما تطرقت إلى علاقات الكويت مع البصرة، وإلى بساتين النخيل التي امتلكتها أسرة آل الصباح فيها، والتي مثل دخلها مصدرا رئيسا لموارد حكام الكويت في الفترة السابقة لظهور النفط، وكانت أيضا سببا لنشوء أزمة سياسية بين الكويت والسلطات العثمانية بالبصرة في آخر سنوات حكم الشيخ صباح بن جابر عام 1866.
في نهاية الكتاب ركزت الكاتبة في المبحث السادس والأخير «الكويت والسعي إلى التوازن بين القوى الكبرى في الخليج» على ازدياد الاهتمام البريطاني بالكويت كجزء من استراتيجيتها في منطقة الخليج واحتلال الكويت مكانة خاصة في هذا الشأن لعدة اسباب اقتصادية وسياسية، لافتة إلى الصفات التي جعلت من الكويت محط اهتمام البريطانيين، ومنها موقعها الاستراتيجي على رأس الخليج، وهو ما جعلها طريقا تجاريا من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى الهند وسواحل أفريقيا.
كما تطرقت كذلك إلى اتفاقية الهدنة البحرية مع بريطانيا، وإلى التنازع الدولي على إنشاء سكة حديد في المنطقة تنتهي في الكويت.
وفي خاتمة الكتاب جاءت آخر العبارات المقتبسة لتلخص مكانة الشيج جابر بن عبدالله في تاريخ الكويت حيث يقول فيها المؤلف إبراهيم حامد الخالدي «فهو يعد واحدا من أبرز الشخصيات السياسية التي عرفتها المنطقة في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي، فبحكمته وعلاقاته الطيبة بمعظم القوى الإقليمية والدولية في ذلك الوقت استطاع أن يمنح بلاده دفعة قوية لتتحول تلك البلدة الصغيرة إلى إمارة مستقلة تتمتع باحترام الجميع، وهو بذلك يكون قد وضع لبنة أساسية لما أكمله حفيده «أسد الجزيرة» الشيخ مبارك الصباح بعد ذلك».
الشيخ جابر بن عبدالله.. حاكم الكويت الثالث
ـ ولد الشيخ جابر بن عبدالله الصباح في عام 1775م تقريبا وتوفي عام 1859.
ـ استمر حكم الشيخ جابر مدة 45 عاما وهو يعتبر من الشيوخ الذين استمر حكمهم لمدة طويلة، أسوة بجده صباح الأول مؤسس الكويت، والذي حكم مدة 24 عاما (1752-1776)، والشيخ عبدالله الأول (والد الشيخ جابر العيش) الذي حكم مدة 38 عاما (1776-1814).
ـ كان عاقلا حليما حازما كريما يضرب بكرمه المثل.
ـ لم يشعر الكويتيون في عهده بمظاهر الإمارة وسلطانها، إذ بدا لهم كواحد منهم، وفي عهده رفعت السفن الكويتية علما باللون الأحمر يتوسطه هلال ونجمة.
الشيخ صباح الثاني.. حاكم الكويت الرابع
ـ اقتصرت فترة حكمه على 7 سنوات فقط بداية من عام 1859 حتى وفاته.
ـ تزوج من ابنة حاكم الزبير الشيخة لولوة بنت محمد بن إبراهيم الثاقب فأنجبت له كلا من الشيوخ: محمد (حاكم الكويت السادس) وجراح ومبارك (حاكم الكويت السابع)، وتوفيت عام 1905.
ـ كان بشوشا، قوي البنية، عليه وقار الثمانين عاما، حسن المظهر، طيب القلب، يدير دفة الحكم بروح الأب تجاه أبنائه، هو لا يأنف أن ينزل على حكم القاضي، إذا خالفه فيما نزل إليه.
ـ كان عهد الشيخ صباح امتدادا لما تحقق في عهد والده الشيخ جابر وتدعيما له حتى وفاته عن عمر يناهز 82 عاما، وتولى الحكم من بعده نجله الشيخ عبدالله الثاني.
المؤلفة في سطور
٭ الشيخة د.سعاد محمد الصباح من مواليد: 22 مايو 1942.
٭ ابنة حفيد حاكم الكويت السادس الشيخ محمد الصباح، وقرينة الشيخ عبدالله مبارك الصباح نجل الشيخ مبارك الكبير مؤسس الكويت الحديثة ونائب حاكم الكويت في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات.
٭ دكتوراه في الاقتصاد 1982 جامعة ساري ـ جلفورد.
٭ ماجستير (التنمية والتخطيط في الكويت) ـ بريطانيا 1976.
٭ بكالوريوس في الاقتصاد عام 1973، كلية الاقتصاد ـ جامعة القاهرة.
٭ مهتمة بقضايا المرأة والطفل وحقوق الإنسان.
٭ نشطت في الأبحاث والكتابة في مجال تخصصها وفي القضايا التاريخية.. في الوقت الذي ذاع صيتها كشاعرة عربية رسخت حضورها المميز.
٭ صدر لها أول كتاب عام 1964.
٭ حاصلة على العديد من الأوسمة والجوائز العالمية.