وداعاً 14 آذار!* نوال الأشقر
النشرة الدولية –
لبنان 24 –
صبيحة 14 آذار عام 2005، حيث كان دم الرئيس الشهيد رفيق الحريري لا يزال حاراً، استقل آلاف الشبان والنساء والأطفال حافلات “الحرية الموعودة”، ومن وطن الـ10452 كلم مربع قصدوا وجهة واحدة “ساحة الشهداء”. هناك في قراهم ومناطقهم تركوا أعلام أحزابهم وبطاقات قيدهم الطائفي والمذهبي، تسلحوا بعلم الوطن الواحد، وهرعوا إلى حيث الحلم، حلم “التحرر من الوصاية الثلاثينية”، حيث الرهان على ولادة وطن جديد، وإلى الساحات وخيم الإعتصام سبقت الجماهير قادتها، وانصهرت في إطار وطني واحد، وبأصوات وصلت صداها إلى قصور الأقاليم والدول، تمكنت “انتفاضة الإستقلال” من انتزاع ما سمّته بـ “الإستقلال الثاني”، فخرج الجيش السوري من لبنان في نيسان 2005، وأصبحت جريمة اغتيال الرئيس الحريري في عهدة محكمة دولية خاصة، ولولا فرملة بكركي للإندفاعة، لكان الرئيس الممدد له بسيف الوصاية خارج بعبدا.
تحّول كبير فرضه زلزال اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فانتج أول حركة وطنية منذ ما بعد انتهاء المنطق الطائفي الذي ساد منذ الستينات، وإذا بالعاصمة تحتضن تجمعاً على امتداد الوطن عابراً للطوائف والمذاهب والأحزاب.
ولكن ماذا بقي من الحركة أو “الثورة” أو “الإنتفاضة” وماذا عن “حلم بناء الدولة”؟ في الشكل عاد “محبّو الحياة” في السنوات القليلة اللاحقة إلى الساحة نفسها احتفالاً بالذكرى، ولاسيما أن الرسائل الملغومة بقيت تلاحق أركانها حتى الشهادة، قبل أن يستعاض عن مشهد الساحات المليونية باحتفال في “البيال”، يقتصر على تعداد “الإنجازات” واستعراض القيادات وطمأنة الجماهير بصحة وخير تحالف قواها، وخارج قاعة “البيال” تنغمس هذه القوى بتناقضاتها وخلافاتها تحت مسمى “التنوع” داخل الفريق الواحد، مرتكبةً الكثير من الأخطاء والخطايا وصولاً إلى الإنتحار برصاصة الرحمة. كثيرة هي الإخفاقات التي منيت بها حركة “الرابع عشر من آذار”، والذي كان للرئيس سعد الحريري الفضل الأكبر في حصولها، ولعلّ أبرزها عدم قدرتها بعد حصولها على الأغلبية النيابية على انتخاب أحد مرشحيها للرئاسة الأولى، وإخفاقها في التوصل إلى رؤية موحدة حيال قانون الإنتخابات يقدم مصلحة “لبنان أولاً” على الحسابات المذهبية والحزبية.
وتفرد بعض أركانها بقرارات ومبادرات من دون التشاور فيما بينهم، كإعلان تيارها “الأزرق” على لسان النائب عمار حوري في 28–11-2007 القبول بتعديل الدستور”في سبيل الوصول إلى توافق على اسم قائد الجيش العماد ميشال سليمان”، الأمر الذي فاجأ بعض قياداتها.
وكرت سبحة التنازلات بقبولها بحكومة “وحدة وطنية” منحت خلالها خصمها الثلث المعطل. وفي 25-6-2009 محطة فشل جديدة، حيث أخفقت هذه القوى في الإتفاق على قرار موحّد حيال انتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً للمجلس النيابي لولاية خامسة، وبعدما اتهمته بإقفال المجلس النيابي مدة عامين تقريباً، ومنعها من إقرار المحكمة الدولية، شاركت بانتخابه بـ 33 نعم من معظم نواب كتلة الحريري ونواب كتلة النائب وليد جنبلاط، وصولاً إلى 2-8-2009 تاريخ انسحاب جنبلاط من “تحالف الضرورة”، فضلا عن “تمايز” حزب الكتائب في محطات عديدة، ومقاطعته جلسات الأمانة العامة “إلى حين تجاوبها مع الخطة الإنقاذية”.
الموقف الانقلابي “موقف انقلابي” للحريري بنظر حلفائه، الذين يعتبرون في مجالسهم أنهم دفعوا ضريبة اعتلائه سدة الرئاسة الثالثة، في 19-12-2009 عبر مشهد مصافحته الرئيس بشار الأسد الذي كان قد اتهمه باغتيال والده، وصولاً إلى اعتذاره من النظام السوري عن اتهامه هذا على صفحات جريدة “الشرق الأوسط” بما ترمز وتمثل “نحن في مكان ما ارتكبنا أخطاء واتهمنا سوريا باغتيال الرئيس الشهيد، وهذا كان اتهاماً سياسياً، وهذا الاتهام انتهى”، معترفاً بشهود الزور “الذين خرّبوا العلاقة بين البلدين وسيسوا الإغتيال”.
محطات الفشل تحتاج إلى مساحات واسعة، فمن تبنى شعار “لبنان أولاً”، اختار لنفسه منفىً خارج لبنان، ولسياسته شعارات وتعهدات ذات سقوف عالية، لم يتمكن يوماً من تنفيذها، فكان يشارك “حزب ولاية الفقيه” الحكومات، ويقفز فوق ما اعتبره مبادىء وقواعد، إلى أن حصل الإنقلاب الكبير على طريق بعبدا.
فالفراغ الرئاسي كان المحطّة الأبرز التي جسدت تناقضات هذا الفريق، الذي يضم مرشحين غير معلنيين، فلم تبادر هذه القوى إلى اعلان مرشح رئاسي من داخل صفوفها في مشهد جامع، حتّى أحرجهم رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بإعلان ترشيحه للرئاسة، فتبنّوا ترشيحه وكرّت سبحة الجلسات الرئاسية، قبل أن يطلّ الحريري في مفاجأة جديدة من العيار الثقيل بترشيحه منفرداً النائب سليمان فرنجية للرئاسة الأولى، فإذا بسيّد معراب يرد المفاجأة بأحسن منها، وينسحب من السباق الرئاسي لمصلحة العماد ميشال عون. وهل من فشل يضاهي تسابق قيادات 14 آذار على ترشيح خصميها للرئاسة الأولى؟
وبذلك يكون تناوب على قيادة مركبة 14 آذار قائد فقد السيطرة أثناء القيادة فارتطمت المركبة بالحائط، وآخرعمل على نزع أنبوب الأوكسجين أثناء دخولها غرفة العناية الفائقة.